فهّمك الله النافعات ، وأسعدك في دار الحياة ودار الممات.
فهمتُ الذي سألتَ من رسم قول في العقل ، موجز خبري ، على رأي المحمودين من قدماء اليونان ، ومن أحمدهم ارسطوطاليس ومعلمه أفلاطون الحكيم، إذ كان حاصلُ قول أفلاطون في ذلك قول تلميذه أرسطاطاليس (أرسطوطاليس أو أرسطو ) .
فلنقل في ذلك ، على سبيل الخبري، فنقول :
إن رأي أرسطاطاليس في العقل أن العقل على أربعة أنواع : الأول منها العقل الذي بالفعل أبداً . والثاني العقل الذي بالقوة ، وهو النفس. والثالث العقل الذي خرج في النفس من القول إلى الفعل . و الرابع العقل الذي نسميه الثاني .
وهو يمثّل العقل بالحس لقرب الحس من الحيّ ، وعمومه له أجمع ، فانه يقول : أن الصورة صورتان : أما إحدى الصورتين فالهيولانية ، وهي الواقعة تحت الحس . وأما الأخرى فالتي ليست بذات هيولى ، وهي الواقعة تحت العقل ، وهي نوعية الأشياء وما فوقها .
فالصورة التي في الهيولى ، هي التي بالفعل محسوسة ، لأنها لو لم تكن بالفعل محسوسة ، لم تقع تحت الحس . فإذا أفادتها النفس فهي في النفس. وانما تفيدها النفس لأنها في النفس بالقوة ، فإذا باشرتها النفس صارت في النفس بالفعل . وليس تصير في النفس كالشيء في الوعاء ، ولا كالمثال في الجرم ، لأن النفس ليست بجسم ، ولا متجزئة ، فهي في النفس والنفسُ شيء واحد لا غير ... وكذلك أيضاً القوة الحاسَّة ليست هي شيئا غير النفس ، ولا هي في النفس كالعضو في الجسم ، بل هي النفس ،وهي الحاسُّ .
وكذلك الصورة المحسوسة ليست في النفس كغير ... فإذن المحسوس في النفس هو الحاس . فأما الهيولى فإن محسوسها غير النفس الحاسَّة ، فإذن من جهة الهيولى المحسوس ليس هو الحاس . وكذلك يمثل العقل : فإن النفس ، إذا باشرت العقل ، أعني الصور التي لا هيولى لها ولا فنطاسيا اتحدت بالنفس ، أعني أنها كانت موجودة في النفس بالفعل ، وقد كانت قبل ذلك لا موجودة فيها بالفعل ، بل بالقوة . فهذه الصورة التي لا هيولى لها ولا فنطاسيا هي العقل المستفاد للنفس من العقل الأول ، الذي هو نوعية الأشياء التي هي بالفعل أبداً . وإنما صار مفيداً ، والنفسُ مستفيدةً ، لأن النفس بالقوة عاقلة ، و العقل الأول بالفعل . وكلَّ شيء أفاد شيئا ذاته ، فإن المستفيد كان له ذلك الشيء بالقوة ، ولم يكن له بالفعل . وكل ما كان لشيء بالقوة فليس يخرج إلى الفعل بذاته ، لأنه لو كان بذاته كان أبداً بالفعل ، لأن ذاته له أبداً ما كان موجوداً . فإذن كل ما كان بالقوة فإنما يخرج إلى الفعل بآخر ، هو ذلك الشيء بالفعل . فإذن النفس عاقلة بالقوة ، وخارجة بالعقل الأول – إذا باشرته – إلى أن تكون عاقلة بالفعل . فإنها إذا اتحدت الصورة العقلية بها ، لم تكن هي والصورة العقلية متغايرة ، لأنها ليست بمنقسمة فتتغاير . فإذا اتحدت بها الصورة العقلية فهي والعقل شيء واحد ، فهي عاقلة ومعقولة . فإذن العقل والمعقول شيء أحدٌ من جهة النفس .
فأما العقل ، الذي بالفعل أبداً ، المخرجُ النفس إلى أن تصير بالفعل عاقلةً ، بعد أن كانت عاقلةً بالقوة ، فليس هو و معقوله شيئاً أحداً . فإذن المعقول في النفس والعقل الأول ، من جهة العقل الأول ، ليس بشيء واحد . فأما من جهة النفس فالعقل و المعقول شيء أحد . وهذا في العقل هو بالبسيط أشبه بالنفس ، وأقوى منه في المحسوس كثيراً .
فإذن العقل أما علة وأوَّل لجميع المعقولات والعقول الثواني ، وأما ثانٍ وهو بالقوة للنفس ما لم تكن النفس عاقلة بالفعل . والثالث هو الذي بالفعل للنفس ، وقد اقتنته وصار لها موجوداً ، متى شاءت استعملته وأظهرته لوجود غيرها منها ، كالكتابة في الكاتب فهي معدَّة ممكنة قد اقتناها وثبتت في نفسه ، فهو يخرجها ويستعملها متى شاء . وأما الرابع فهو العقل الظاهر من النفس ، متى أخرجته ، فكان موجوداً لغيرها منها بالفعل .
فإذن الفصل بين الثالث والرابع أن الثالث قنيةٌ للنفس ، قد مضى وقت مبتدأ قنيتها ، ولها أن تخرجه متى شاءت ، والرابع أنه اما وقت قنيته أولاً ، وأما وقت ظهوره ثانيا ، متى استعملته النفس . فإذن الثالث هو الذي الذي للنفس قنية قد تقدمت ، ومتى شاءت كان موجوداً فيها ، وأما الرابع فهو الظاهر في النفس متى ظهر بالفعل .
و الحمد لله كثيراً بحسب استحقاقه .
فهذه آراء الحكماء الأولين في العقل . وهذا – كان الله لك مسدِّداً – قدرُ هذا القول فيه ، إذ كان ما طلبتَ القول المرسل الخبري الكافي ، فكن به سعيداً !
فهمتُ الذي سألتَ من رسم قول في العقل ، موجز خبري ، على رأي المحمودين من قدماء اليونان ، ومن أحمدهم ارسطوطاليس ومعلمه أفلاطون الحكيم، إذ كان حاصلُ قول أفلاطون في ذلك قول تلميذه أرسطاطاليس (أرسطوطاليس أو أرسطو ) .
فلنقل في ذلك ، على سبيل الخبري، فنقول :
إن رأي أرسطاطاليس في العقل أن العقل على أربعة أنواع : الأول منها العقل الذي بالفعل أبداً . والثاني العقل الذي بالقوة ، وهو النفس. والثالث العقل الذي خرج في النفس من القول إلى الفعل . و الرابع العقل الذي نسميه الثاني .
وهو يمثّل العقل بالحس لقرب الحس من الحيّ ، وعمومه له أجمع ، فانه يقول : أن الصورة صورتان : أما إحدى الصورتين فالهيولانية ، وهي الواقعة تحت الحس . وأما الأخرى فالتي ليست بذات هيولى ، وهي الواقعة تحت العقل ، وهي نوعية الأشياء وما فوقها .
فالصورة التي في الهيولى ، هي التي بالفعل محسوسة ، لأنها لو لم تكن بالفعل محسوسة ، لم تقع تحت الحس . فإذا أفادتها النفس فهي في النفس. وانما تفيدها النفس لأنها في النفس بالقوة ، فإذا باشرتها النفس صارت في النفس بالفعل . وليس تصير في النفس كالشيء في الوعاء ، ولا كالمثال في الجرم ، لأن النفس ليست بجسم ، ولا متجزئة ، فهي في النفس والنفسُ شيء واحد لا غير ... وكذلك أيضاً القوة الحاسَّة ليست هي شيئا غير النفس ، ولا هي في النفس كالعضو في الجسم ، بل هي النفس ،وهي الحاسُّ .
وكذلك الصورة المحسوسة ليست في النفس كغير ... فإذن المحسوس في النفس هو الحاس . فأما الهيولى فإن محسوسها غير النفس الحاسَّة ، فإذن من جهة الهيولى المحسوس ليس هو الحاس . وكذلك يمثل العقل : فإن النفس ، إذا باشرت العقل ، أعني الصور التي لا هيولى لها ولا فنطاسيا اتحدت بالنفس ، أعني أنها كانت موجودة في النفس بالفعل ، وقد كانت قبل ذلك لا موجودة فيها بالفعل ، بل بالقوة . فهذه الصورة التي لا هيولى لها ولا فنطاسيا هي العقل المستفاد للنفس من العقل الأول ، الذي هو نوعية الأشياء التي هي بالفعل أبداً . وإنما صار مفيداً ، والنفسُ مستفيدةً ، لأن النفس بالقوة عاقلة ، و العقل الأول بالفعل . وكلَّ شيء أفاد شيئا ذاته ، فإن المستفيد كان له ذلك الشيء بالقوة ، ولم يكن له بالفعل . وكل ما كان لشيء بالقوة فليس يخرج إلى الفعل بذاته ، لأنه لو كان بذاته كان أبداً بالفعل ، لأن ذاته له أبداً ما كان موجوداً . فإذن كل ما كان بالقوة فإنما يخرج إلى الفعل بآخر ، هو ذلك الشيء بالفعل . فإذن النفس عاقلة بالقوة ، وخارجة بالعقل الأول – إذا باشرته – إلى أن تكون عاقلة بالفعل . فإنها إذا اتحدت الصورة العقلية بها ، لم تكن هي والصورة العقلية متغايرة ، لأنها ليست بمنقسمة فتتغاير . فإذا اتحدت بها الصورة العقلية فهي والعقل شيء واحد ، فهي عاقلة ومعقولة . فإذن العقل والمعقول شيء أحدٌ من جهة النفس .
فأما العقل ، الذي بالفعل أبداً ، المخرجُ النفس إلى أن تصير بالفعل عاقلةً ، بعد أن كانت عاقلةً بالقوة ، فليس هو و معقوله شيئاً أحداً . فإذن المعقول في النفس والعقل الأول ، من جهة العقل الأول ، ليس بشيء واحد . فأما من جهة النفس فالعقل و المعقول شيء أحد . وهذا في العقل هو بالبسيط أشبه بالنفس ، وأقوى منه في المحسوس كثيراً .
فإذن العقل أما علة وأوَّل لجميع المعقولات والعقول الثواني ، وأما ثانٍ وهو بالقوة للنفس ما لم تكن النفس عاقلة بالفعل . والثالث هو الذي بالفعل للنفس ، وقد اقتنته وصار لها موجوداً ، متى شاءت استعملته وأظهرته لوجود غيرها منها ، كالكتابة في الكاتب فهي معدَّة ممكنة قد اقتناها وثبتت في نفسه ، فهو يخرجها ويستعملها متى شاء . وأما الرابع فهو العقل الظاهر من النفس ، متى أخرجته ، فكان موجوداً لغيرها منها بالفعل .
فإذن الفصل بين الثالث والرابع أن الثالث قنيةٌ للنفس ، قد مضى وقت مبتدأ قنيتها ، ولها أن تخرجه متى شاءت ، والرابع أنه اما وقت قنيته أولاً ، وأما وقت ظهوره ثانيا ، متى استعملته النفس . فإذن الثالث هو الذي الذي للنفس قنية قد تقدمت ، ومتى شاءت كان موجوداً فيها ، وأما الرابع فهو الظاهر في النفس متى ظهر بالفعل .
و الحمد لله كثيراً بحسب استحقاقه .
فهذه آراء الحكماء الأولين في العقل . وهذا – كان الله لك مسدِّداً – قدرُ هذا القول فيه ، إذ كان ما طلبتَ القول المرسل الخبري الكافي ، فكن به سعيداً !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق