يونيو 18، 2009

الثقوب السوداء .. حياة من جديد


الكون هو كل شي في هذا الوجود من مادة وطاقة ، و مادته الصغيرة من كواركات والكترونات وغيرها متماسكة مع بعضها لتكوين أجزاء اكبر هي الذرات والتي بدورها وبتماسكها مع بعضها تشكل الجزيئات ، والجزيئات تجتمع مع بعضها لتكون الغبار والأجرام السماوية التي منها النجوم والكواكب والأقمار والكويكبات والشهب وغيرها ، وتجتمع النجوم ضمن مجموعات كبيرة جدا تعرف بالمجرات والتي توجد بدورها ضمن مجموعات أكبر تدعى عناقيد المجرات والتي تجتمع مع بعضها في ما فوق العناقيد المجرية مكونة الكون الكبير ضمن حلقة دائرية كبيرة تمتد من الكوارك حتى المجرة .
و يحتوي كوننا على العديد من الأسرار والألغاز لعل من بين أشدها غموضا لغز الثقب الأسود الخفي ، الذي يعد من أكثر الأسماء غرابة في علم الفيزياء و الكيمياء وأكثر الظواهر إخافة ، وهي نقاط رعب في السماء ، ويعتقد بأن الثقوب السوداء قد تكون الأداة الكونية التي سخرها المولى عز وجل لطي السماء وما يحيط بها من أجرام ، راتقة الكون في نقطة تفرد كما بدأ. قال تعالى " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده " ، و لعل الثقوب السوداء هي منطق لبداية حيوات جديدة بما يعني أنها بداية تكوين لنجوم جديدة ، وقبل الحديث عن الثقب الأسود يجب التعرف على النجوم بشكل أكثر ؛ و معرفة كيف تولد وكيف تعيش ؟ وكيف تموت ؟ وكيف وصل بها المطاف لتصبح ثقبا اسود في هذا الكون ؟ .

حياة النجوم :

ولدت النجوم بعد ولادة الكون ، فبعد عملية فتق الرتق ظهرت ذرات الهيدروجين الثقيل " الأول " واجتمعت هذه الذرات مع بعضها ومع الغبار الكوني فيما يعرف بالسديم الذي هو عبارة عن سحابة من الغاز والغبار الكوني ونتيجة لوجود ذرات الهيدروجين وبتأثير من قوة الثقالة تتقلص السحابة وتزداد درجة الحرارة والضغط حتى تقترب الذرات من بعضها البعض لمسافات معينة تظهر عندها أثر القوة النووية حيث يندمج الهيدروجين مع بعضه ليكون الهيليوم ويشع باقي الكتلة طاقة وينبعث الضوء حسب معادلة اينشتاين ، وتعد هذه اللحظة بالذات ولادة النجم ، وينتقل بعدها النجم لحياته الطبيعية التي يستهلك خلالها غذائه النووي ويقدر عمر النجوم من خلال مدى إشعاعها " أي اللون الذي تظهر فيه " ، فنجم مثل شمسنا " التي تعتبر من النجوم المتوسطة " يقترب لونها من البرتقالي ويقدر عمرها بعمر الشباب ، ويوجد بها وقود يكفي خمسة آلاف مليون سنة فقط ‍وبانتهاء التفاعلات النووية في باطن النجم تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة الشيخوخة أو مرحلة الموت حيث تتحول النجوم إلى عمالقة حمراء نتيجة القوى الشديدة داخلها وبتوالي عمليات الاندماج النووي يأخذ النجم في استهلاك طاقته دون إمكانية إنتاج المزيد منها مما يؤدي إلى تقلصه في الحجم وبذلك يصبح النجم كثيفا بما فيه الكفاية وعندها تصبح قوة التنافر أقل من قوة الجاذبية وتعرف بحدود " شاندرا زيخار " وعندها فان مصير النجم سيحدد طبقا لمقدار كتلته .

الحالة الأولى : إذا كـانت كتلة النجم مثل كتلة الشمـس أو اقل قليلا فان النجم يتقلص متحولا لقزم ابيض ذو حجم مثل حجم الأرض وذلك لان قوة التنافر بين الإلكترونات أكبر من باقي القوى ولا يشع القزم الأبيض ، ومن أمثلته الشمس التي ستبتلع كوكب عطارد والزهرة والأرض والمريخ وتصل لحدود المشتري وذلك في مرحلة العملاق الأحمر وتعود بعد فترة كونية لقزم ابيض .

الحالة الثانية : إذا كانت كتلة النجم اكبر من كتلة الشمس بـ 1,4 فانـه أثناء نضوب طاقته سيتهاوى تلقائيا ، وخلال هذا الانهيار فان الإلكترونات السالبة الشحنة والبروتونات الموجبة الشحنة ستتحد مكونة نيترونات متعادلة الشحنة ، ويتوقف هذا الانهيار عندما يصبح ضغط النيترونات عاليا ليساوى تأثير قوة الجذب للداخل " أي أن الضغط الغازي يماثل قوة الجاذبية " وبذلك يصبح ما بقي من مادة النجم نجما نيترونيا ذا نصف قطر يصل إلى عشرات الأميال مع كثافة عالية تعد بمئات الملايين من الأطنان في السنتيمتر المربع .

الحالة الثالثة : إذا كانت كتلة النجم اكبر بثلاثة أضعاف كتلة الشمس ، فلا يتمكن أي من الإلكترونات أو البروتونات من مقاومة عملية النقص التثاقلي للنجم وسيستمر النجم في الانهيار حتى تنضغط جميع كتلته في نقطة ذات كثافة لا نهائية تـسمى " نقطة التفرد " ، وقبل الوصول لهذه المرحلة فان النجم المـنهار سيعبر من داخل نصف قطر شـوارزشيلد الخاص به مختفيا عن الأنظار ومكونا " الثقب الأسود " وهذه المرحلة لا يمكن إدراكها بصورة مباشرة ، ولكن يمكن تحديد مواقعها بعدد من الملاحظات غير المباشرة مثل صدور موجات شديدة من الأشعة السينية من الأجرام الواقعة تحت تأثيرها ، أو اختفاء الأجرام السماوية بمجرد الاقتراب من مجال جاذبيتها .

هل الثقوب السوداء هي ثقوب فعلا ؟

الثقوب السوداء ليست ثقوبا على الإطلاق وإنما نقيض ذلك بحيث إنها كتلة كبيرة انكمشت إلى حجم صغير جدا ذو كثافة عالية ، وطبقا لنظرية اينشتاين ، فان قوة الثقالة في جرم كالثقب الأسود تعد كبيرة جدا بحيث أنه يجب إليه كل من جاوره من مادة وضوء

والآن يمكننا تعريف الثقب الأسود :
هو عبارة عن منطقة في الفضاء الزمكاني تكون فيها الجاذبية قوية جدا ، بحيث لا يمكن أن ينفلت منها أي ضوء أو مادة أو إشارة من أي نـوع ، وهذا إما يكون نتيجة انهيار نجوم عملاقة بعد أن تنتهي عملية التوازن بين الضغط والجاذبية نتيجة حرق المواد الخفيفة وتحولها لمواد ثقيلة كالحديد ، وإما أن يكون نتيجة تمركز كتلة كبيرة جدا من عشرات النجوم في حيز صغير نسبيا في قلب المجرة .

ماهية الثقوب السوداء :

يتكون الثقب الأسـود البسيط غير الدوار من نقطة تفرد مركزية تحيط بها منطقة كروية لها نصـف قطر يسمى شعاع شوارزشيلد و في نصف القطر هذا تكون الجاذبية قوية جدا ولا يمكن لأي شيء الهروب منه ، وتسمى حدود تلك المنطقة بـ " أفق الحدث " وهـي عبارة عن حدود منطقة الزمكان " الزمان / المكان " التي لا يمكن الإفلات منها ، وتعمل على شكل غشاء ذو اتجاه واحد وهو داخل الثقب لا خارجه وهو مسار الضوء في الزمكان وهو يحاول الإفلات من الثقوب السوداء ، و بما أنه لا شي يسـير أسرع من الضوء فإن أي شي يقع في هذه المنطقة سوف يبلغ بسرعة منطقة ذات كثافة عالية ونهاية الزمان ، أي أنه لا تصل معلومات ولا أي حادث ممكن حصوله داخل تلك الحدود " حدود أفق الحدث "
و من المعروف من قوانين النسبية العامة أن المكان والكتلة كميتان مترابطتان ، فالكتلة تسبب ميل المكان وانضغاطه ، والمكان يحدد مسار المادة .
ففي الفضاء العادي كلما زادت الكتلة زاد الميل وإذا زادت الكتلة بشكل كبير جدا تصبح نهاية الميل نقطة شاذة تكون عندها الجاذبية عالية لا يفلت منها الضوء وهي الثقب الأسود .

ما هو شكل النجوم التي تكون منها الثقب الأسود وهل يجب أن تكون مكورة ؟

إن الطاقة التي يفقدها نجمين في بث مـوجات جاذبة تجعلهما يلتويان الواحد تجاه الآخر وقد بين عالم كندي أن الثقوب السوداء غير الدوارة وفقا للنسبية العامة لابد أن تكون بسيطة جدا فهي كروية وقـد تبين أن موجات الجاذبية المنبعثـة من انسحاق النجم تجعله أكثر كروية و إلى أن يستقر ويصـبح بشكل كروي دقيق ، وبالتالي فان أي نجم دوار يصبح كرويا مهما كان شكله وبنيته الداخلية معقدتين ، سوف ينتهي بعد انسحاقه إلى ثقب اسود كروي تماما يتوقف حجمه على كتلته .
وقد جاء العالم " دوي كير "مجـموعة من الحلول لمعادلات النـسبية العامة ، والتي تصف الثقوب السوداء الدوارة ، فإذا كانت الدورات صفر يكون الثقب الأسود كروي تماما
وإذا كانت غير الصفر فان الـثقب ينتفخ نحو الخارج قرب مستوى خط استواءه " تماما مثل الأرض منتفخة من تأثير دورانها .

تباطؤ الزمان و الإزاحة الحمراء :

من المفاهيم التي وضحتها النسبية العامة أن عقارب الساعات تسير ببطء أكبر في وجود مجالات جاذبية عالية وذلك عند مقارنتها بالمجالات الضعيفة ، وقد أيدت هذا المفهوم العديد من التجارب العملية ويصبح هذا التباطؤ التجاذبي للزمان كبير جدا في مجالات الجاذبية القوية المتوفرة بجوار أفق الحدث للثقوب السوداء .
و بفرض أن رجل يحمل ساعة دقيقة وهو ساقط من مكان بعيد نحو أفق الحدث لثقب أسود بينما يراقبه راصد آخر من مكان بعيد وآمن ، فعندما يكون رجل الفضاء هذا بعيدا عن الأفق فإن الساعة ستكون متوافقة مع ساعة الراصد ، وعندما تقترب هذه الساعة من الأفق فإن تباطؤ الزمان التجاذبي سيكون واضحا أكثر فأكثر وسيلاحظ الراصد إن ساعة رجل الفضاء تسير بصورة أبطأ من تلك التي لديه .
وعندما يصل رجل الفضاء بساعته إلى منطقة الحدث فان الفترة الزمنية بين اللحظة الأخيرة والتي تسبقها بالنسبة للراصد ستكون طويلة بشكل غير متناه وسيستنتج الراصد البعيد أن الزمن قد يتوقف بالنسبة لرجل الفضاء كما انه هو وساعته سيدوران حول أفق الحدث إلى الأبد ، أما بالنسبة لرجل الفضاء المتجهة نحو مركز الثقب هو وساعته فسينقضي الزمن بشكل طبيعي حيث انه سيقتحم أفق الحدث ويصطدم بنقطة التفرد بعد حوالي واحد من العشرة آلاف من الثانية ومع الفارق الكبير الظاهر بين الشخصين إلا أن وجهة نظر كل منهما صحيحة تماما وذلك حسب الإطار المحدد والموجود فيه وبالمثل أيضا فان النجم المنهار سيبدو لمشاهد بعيد على انه يدور في أفق الحدث إلى الأبد ولكن في حقيقة الأمر سيتلاشى ذلك النجم عند وصوله لتلك المنطقة وذلك بسبب الإزاحة الحمراء التجاذبية وهي الظاهرة التي مفادها : أن الضوء الخارج من مصدر جذب قوي سيفقد طاقة فيقل تردده كما أن طوله الموجي سيزداد ، وقريبا من أفق الحدث فإن الإزاحة الحمراء التجاذبية تكون كبيرة جدا ، ولكنها عند الأفق تكون كبيرة بشكل لا نهائي ، وعندما يصل النجم المنهار إلى نصف قطر شوارزشيلد فإن جميع موجات الضوء المنبعثة منه تمدد بسرعة بعيدا عن المدى المرئي ، وعندها تكون المسافة بين الموجة النهائية والسابقة لها وذلك من وجهة نظر المشاهد كبيرة بشكل لا نهائي وتكون الطاقة التي تحملها الموجة مساوية للصفر ومن ثم فان النجم المنهار يتلاشى .

الثقوب السوداء المتبخرة :

الثقوب السوداء لا ترسل أيا كان باتجاه الخارج ولكنها بدلا من ذلك تستمر في امتصاص أي مادة أو إشعاع يسقط في أفق الحدث ، وعند مقارنة القوانين المؤثرة في تداخلات الثقوب السوداء مع قوانين الديناميكا الحرارية ، وبالأخذ بعين الاعتبار ظاهرة الكم ، فقد وضح ستيفن هوكنز أن للثقب حرارة محددة ولذا فانه سيشع طاقة وجسيمات ، فثقب أسود ذو كتلة تساوي كتلة الشمس تكون درجة حرارة سطحه تساوي 17كلفن " واحد من العشرة ملايين من الدرجة فوق الصفر المطلق " ، وعند مثل هذه الحرارة لا يشع الثقب الأسود سوى كمية من الممكن إهمالها بل إنه سيمتص أكثر مما يشع من المادة والإشعاع إلا أن درجة حرارة الثقب الأسود تتناسب عكسيا مع كتلته ، فلو كان لدينا ثقب اسود كتلته تساوي 1 بليون طن فان حرارته ستكون في حدود 121 كلفن وسيشع بشكل كبير جدا وكلما قلت كتلة الثقب الأسود كلما ازدادت حرارته وفقد كتلته ومادته بشكل أسرع ، لذا فإن صحت فكرة " هوكنز " فإن الثقوب السوداء ستفقد كتلتها بمعدل سريع جدا ، متبخرة وينطلق منها جسيمات و أشعة جاما قوية .

الثقوب السوداء كمصدر للطاقة :

بالرغم انه لا يوجد طاقة تنبعث من أفق الحدث إلا إن المادة الساقطة نحوه تسير بسرعة الضوء لذا فان طاقته الحركية ستتحول إلى حرارة وطاقة إشعاعية إذا ما سقطت في قرص الالتحام " قرص من المادة خارج أفق الحدث "
إن تحطم نجم ليشكل ثقبا اسود أو التهام كمية هائلة من المادة بـثقب اسود أو اصطدام و اتحاد ثقبين أسودين هي أمثلة على عمليات لإنـتاج كميـة مهولة من الطاقة ، معظمها على شكل موجات تجاذبيه وعملية إنتاج وتحرير الطاقة هذه أكبر بكثير من تلك التي للاندماج النووي والتي تحرر في النجوم .
إن الثقوب السوداء الموجودة في الأنظمة المزدوجة والتي تلتهم الكتلة والمادة من النجوم المحيطة بها ، أو الثقوب السوداء العملاقة والتي تبتلع سحب الغاز ، والنجوم في مراكز المجرات قد تكون من أقوى مصادر الطاقة في الكون .

الثقوب السوداء الدوارة :

إن الخصائص الوحيدة الثابتة التي من الممكن قياسها من راصد بعيد هي : الكتلة ، والعزم الزاوي " مقدار كمية الحركة الدورانية داخل جسم ما " ، والشحنة الكهربائية .
وتختلف الثقوب السوداء الدوارة عن تلك المستقرة غير الدوارة في عدد من الأمور ، حيث يعتمد نصف قطر أفق الحدث على كل من الكتلة والعزم الزاوي للثقب الدوار ، كما يحيط به منطقة على شكل قطع ناقص تسمى الارجوسفير والذي لا ينجو شيء من الانجذاب نحو اتجاه دوران الثقب ومن الممكن اشتقاق جزء من طاقة دوران ثقب اسود وذلك بإرسال جسيم إلى منطقة الارجوسفير ، فإذا انشطر هذا الجسيم إلى جزأين داخـل الارجوسفير بحيث أن احدهما سقط في الثقب الأسود فان الآخر سيظهر حاملا طاقة اشد من تلك للجسيم كاملا وتسـمى هذه الظاهرة بظاهرة " نسور " وهو اسم مكتشف هذه العملية .
كما أن نقطة التفرد في الثقب الأسود الدوار تكون على هيئة حلقة أو خاتم بدلا من نقطة ومن الممكن نظريا لجسيم أو راصد مثلا من أن يسقط في منطقة أفق الحدث لتجنب الاصطدام بالتفرد وان يظهر في موقع آخر من زمان كوننا هذا .

أول دليل لرصد الثقوب السوداء :

ورد مؤخرا أنه تم رصد أول دليل مادي على وجود ثقب اسود في مركز كوكـبة الدجاجة والذي يبعد عن الأرض بمقدار 6000 سنة ضوئية وقد وجد إن الغاز المنبعث من نجم مجاور له يتم سحبه إلى ثقبه الأسود حيث رصد منظار هابل الفضائي ومضات لأشعة فوق بنفسجية من غاز ساخن يدور حول هذا الثقب .
ولا يرصد ذلك إلا عندما ينجذب الغاز خلال الحافة الخارجية للثقب الأسود " أفق الحدث " ولم يتمكن منظار هابل من رصد هذه المنطقة لأنها صغيرة جدا بالإضافة لبعدها الشاسع ولكنة تم رصد حالتين لإشارات فوق بنفسجية متلاشية لغاز ساخن يدخل الثقب الأسود , وقد تم اخذ هذه الأرصاد على بعد 1600 كم فقط من أفق الحدث " .

كيف يمكن اكتشاف أو استشعار الثقب الأسود بما انه لا يبعث ضوء ؟

يمكن ذلك من خلال دراسة القوة التي يمارسها الثقب الأسود على الأجسام المجاورة ، ومع هذه الجاذبية العالية والطاقة الهائلة التي يبثها الثقب الأسود فانه قد يتولد جسيمات ذات طاقة عالية جدا قرب الثقب الأسود ، ويكون الحقل المغناطيسي شديدا بحيث تتجمع الجسيمات في نوافير تنطلق خارجا على طول محور الدوران ، فقد شوهد نجم يدور حول آخر غير مرئي ، ولكن ليس هذا شرط أن يكون النجم غير المرئي ثقب اسود فقد يكون باهت .

ما هو احتمال مشاهدة هذه الثقوب ؟

قد يتم البحث عن أشعة جاما التي تبثها الثقوب السوداء الأولية طوال حياتها ومع أن معظم الإشعاعات ستكون ضعيفة بسبب بعدها ولكن اكتشافها يكون ممكنا ومن خلال النظر إلى خلفية أشعة جاما لا يوجد أي دليل على ثقوب سوداء أولية ولكنها تفيد بأنه لا يمكن تواجد أكثر من 300 منها في كل سنة ضوئية مكعبة في الكون , ولمشاهدة ثقب اسود أولي يجب كشف عدد من أشعة جاما صادرة في اتجاه واحد خلال مدى معين من الزمن " كأسبوع مثلا " من خلال جهاز استشعار كبير لأشعة جاما ، ويجب أن يكون في الفضاء الخارجي لان أشعة جاما لا يمكنها اختراق الطبقة الهوائية .
القمران الصناعيان اللذان تمكنا من تقديم الدليل وللمرة الأولى على أن ثقبا اسود كبير يمزق ويستوعب جزء من احد الكواكب التي ابتعدت عن مسارها وهما " شاندرا " التابع لوكالة الفضاء الأمريكية و " نيوتن " التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ، يمثلان أجهزة استشعار كبيرة لأشعة جاما ، وتعتبر الطبقة الهوائية للأرض بكاملها أكبر مكشاف " أشعة جاما " يمكنه التقاط وتحديد نقط الثقوب السوداء .

الهدف من دراسة الثقوب :

إن دراسة الثقوب السوداء بأنواعها المختلفة تؤكد على صحة النظريات الموضحة للمراحل التي يمر بهـا الكون بدءا من الانفجار الكبير " الفتق " حتى نهايته " الرتق " ، وقد يستطيع البشر مستقبلا استغلال الطـاقة الصادرة منها حيث إن الثقوب السوداء من أقوى مصادر موجات التجاذب وبدراسة هذه الثقوب نستطيع التعرف على قوى أساسية في الكون وهي الجاذبية الأرضية كما إنها تشبع رغبة البشر الدءوبة للبحث والمعرفة وخاصة أنها من أكثر الأجرام السماوية غموضا في الكون ، وأخيرا فهي دافع قوي للتفكر والتدبر في آيـات إعجاز الخالق في الكون وأنها كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بقوة وحكمة وقدرة وعلم .

منذ القرن السابع الميلادي لم يكن أحد على وجه الأرض يتصور أن في السماء نجوماً تجري وتكنسُ وتجذب إليها كل ما تصادفه في طريقها، ولم يكن أحد يتوقع وجود هذه النجوم مع العلم أنها لا تُرى أبداً، ولكن القرآن العظيم كتاب رب العالمين حدثنا عن هذه المخلوقات بدقة علمية مذهلة ، ولكن كيف بدأت قصة هذه النجوم الغريبة .
منذ عام 1790 اقترح الانكليزي جون ميشيل والفرنسي بيير سايمون وجود نجوم مخفية في السماء، ثم في عام 1915 توقعت نطرية النسبية العامة لآينشتاين وجود هذه الأجسام في الفضاء وأثرها على الزمان والمكان ، وأخيراً في عام 1967 تحدث الأمريكي جون ولير عن الثقوب السوداء كنتيجة لانهيار النجوم .
في عام 1994 أثبت العلماء بواسطة مرصد هابل وجود جسم غير مرئي في مركز المجرة " إم 87 " ويلتف حوله الغاز في دوامة واضحة ، وقد قدروا وزن هذا الجسم بثلاثة آلاف مليون ضعف وزن الشمس ، ثم توالت الأدلة على وجود هذه الأجسام بواسطة أشعة إكس .

حتى يتحول النجم إلى ثقب أسود في نهاية حياته يجب أن يتمتع بوزن كبير ، فالشمس مثلاً وبعد أربعة آلاف مليون سنة سوف تستهلك وقودها النووي وتنطفئ بهدوء، ولن تتحول إلى ثقب أسود لأن وزنها غير كاف لذلك .
وربما نجد في كتاب الله تعالى إشارة لطيفة إلى هذا التحول في قوله تعالى : " إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " [التكوير: 1] . إذن ليس هنالك أي انهيار للشمس إنما انطفاء بطيء، وهذا ما عبّر عنه القرآن بكلمة " كُوِّرَتْ ". ففي القاموس المحيط نجد كلمة " كوَّر " أي أدخل بعضه في بعض وهذا ما سيحدث للشمس حيث تتداخل مادتها بعضها في بعض حتى تستهلك وقودها وتنطفئ ، و هذه بالتأكيد نفس فكرة الثوب السوداء فهي بداية حياة أو ربما امتداد لحياة نجم أو مجرة .

بين كلام العلماء وكلام القرآن

يخبرنا علماء الغرب اليوم حقيقة علمية وهي أن الثقوب السوداء تسير وتجري وتكنس كل ما تصادفه في طريقها، وقد جاء في إحدى الدراسات حديثاً عن الثقوب السوداء ما نصه:
" It creates an immense gravitational pull not unlike an invisible cosmic vacuum cleaner. As it moves, it sucks in all matter in its way — not even light can escape."
وهذا يعني : إنها " أي الثقوب السوداء " تخلق قوة جاذبية هائلة تعمل مثل مكنسة كونية لا تُرى، عندما تتحرك تبتلع كل ما تصادفه في طريقها ، حتى الضوء لا يستطيع الهروب منها وفي هذه الجملة نجد أن الكاتب اختصر حقيقة هذه الثقوب في ثلاثة أشياء :
- هذه الأجسام لا تُرى
- جاذبيتها فائقة تعمل مثل المكنسة
- تسير وتتحرك باستمرار
و ربما نعجب إذا علمنا أن هذا النص المنشور في عام 2006 قد جاء بشكل أكثر بلاغة ووضوحاً في كتاب منذ القرن السابع الميلادي ، فقد اختصر القرآن كل ما قاله العلماء عن الثقوب السوداء بثلاث كلمات فقط.
يقول تعالى : " فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ " [التكوير: 15-16] . و نحن في هذا النص أمام ثلاث حقائق عن مخلوقات أقسم الله بها وهي :
- الْخُنَّسِ : أي التي تخنس وتختفي ولا تُرى أبداً ، وقد سمِّي الشيطان بالخناس لأنه لا يُرى من قبل بني آدم . وهذا ما يعبر عنه العلماء بكلمة غير مرئي .
- الْجَوَارِ : أي التي تجري وتتحرك بسرعات كبيرة . و هذا ما يعبر عنه العلماء بكلمة تتحرك ، مع العلم أن اللفظ القرآني أدق لأن فيه إشارة إلى الجريان والسرعة ، أما كلمة " تتحرك " فلا تعبر عن السرعة الكبيرة التي يتحرك بها الثقب الأسود .
- الْكُنَّسِ : أي التي تكنس وتبتلع كل ما تصادفه في طريقها. وهذا ما يعبر عنه العلماء بكلمة " مكنسة " .
لقد اكتشف علماء وكالة ناسا الأمريكية للفضاء ذبذبات صوتية تصدر عن الثقوب السوداء فقد رصدوا موجات تقع ضمن الترددات الصوتية تصدر عن الغاز المحيط ببعض الثقوب السوداء في تجمع للمجرات البعيدة . وقد تكون هذه الأصوات التي تصدرها الثقوب السوداء هي تسبيح وامتثال لأمر الله تعالى ، وهنا نتذكر البيان الإلهي : " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا " [الإسراء: 44 ]

أيهما أدق القرآن أم العلم الحديث؟

دائماً يحدثنا كتاب الله تعالى عن حقائق مطلقة لا تتغير ، ولا يتطرق إليها التبديل أو التعديل ، أما علماء البشر فهم يكتشفون الأشياء تدريجياً وخلال رحلة اكتشافهم للثقوب السوداء يختارون من الأسماء لهذه المخلوقات حسب حدود معرفتهم .
فعندما أطلقوا على هذه النجوم اسم " الثقوب السوداء " كانت هذه التسمية خاطئة تماماً ولا تعبر عن حقيقة هذه النجوم ، ولكنهم لم يعودوا قادرين على تغيير هذا الاسم لأنه التصق بهذه المخلوقات ، فكلمة " ثقب " تعني " خرق " وهذا يعني أن الثقب هو فراغ في السماء وهذا خطأ ، لأن هذه النجوم ثقيلة جداً تزن ملايين المرات وزن الشمس فكيف نسميها ثقوباً .
وكذلك كلمة " أسود " هي لون من الألوان ، والواقع أن هذه النجوم لا تُرى أي لا أحد يعرف لونها وحقيقة ما تبدو عليه فمن الخطأ وصفها باللون الأسود . و من هنا نستنتج أن الوصف البشري غير دقيق ، بينما كتاب الله تعالى أخبرنا عن الاسم الدقيق الذي يعبر عن حقيقة هذه النجوم .
فكلمة " الخُنَّس " جاءت من فعل " خَنَسَ " أي اختفى ، وكلمة " الجوارِ " أي مجموعة النجوم التي تجري بسرعة . وكلمة " الكُنَّس " جاءت من فعل " كَنَسَ " أي جذب إليه كل شيء من حوله . وهذه الكلمات الثلاث تصف لنا آلية عمل هذه النجوم ، فهي لا تُرى وهي تجري وهي تكنُس ، ولذلك نجد أن العلماء حديثاً يفضلون تسمية هذه النجوم بـ " المكانس الكونية " ويجدونها أكثر دقة من " الثقوب السوداء "
نستنتج أن القرآن يسبق العلماء دائماً في الحديث عن الحقائق الكونية ، ويتفوق عليهم في إطلاق التسمية الصحيحة ، وأن هذه المخلوقات ما هي إلا آية تشهد على قدرة الخالق في كونه ، وهذا يدل على أن القرآن كتاب الله تعالى وليس كتاب بشر ، ولذلك قال تعالى عن هذا القرآن : " وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " [النساء: 82 ]

خاتمة :
إن النسبية العامة بعظمتها جاءت للعلم ببعض أسرار الكون المخيفة وسيأتي العلم في المستقبل القريب بأسرار أكثر غرابة ، و كل بحث عن طبيعة الكون و آفاقه وكل كشف عن بعض ألغازه وعجائبه تفيض إلى مساحات ممتدة الأبعاد مما نجهل عنه ، وسيبقى الكون دائما وأبدا منبع للألغاز ، وما تم اكتشافه حتى اليوم ما هو إلا غيض من فيض من مكتشفات مثيرة مازالت تنتظر . وصدق الله القائل : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق