يونيو 16، 2009

في فلسفة الحداثة

من الكتب التي قرأتها مؤخراً ، وأعتقد أنها مهمة جداً، كتاب «الإيديولوجيات والهوية الثقافية .. الحداثة وحضور العالم الثالث» للكاتب جورج لارين ، وترجمة د - فريال حسن خليفة . وهو كتاب نقدي في فلسفة الحداثة والفلسفة المعاصرة ، يتطرق المؤلف في جانب منه ، إلى مقارنة ما بين فيلسوفين فرنسيين كبيرين هما «ميشال فوكو» .. و«لويس التوسير» ، نظرا في العمق لفلسفة الحداثة ونقد خطابها في البنيوية وما بعد البنيوية، وفي الحداثة وما بعد الحداثة، ومعارضته " أي المؤلف " في المحصلة لمقوله «نهاية الأيديولوجيا» ، التي هي ليست أكثر من تقليعة سطحية وإطلاقية ، ولم تكن أكثر من نوع من الإرهاب المفتوح باسم «فكر ليبرالي» وحيد ، هو في الواقع خال من كل تفكير ، وهمه فقط كان التنظير لإيديولوجيا السوق والعولمة ، وإلزام الناس في العالم أجمع ، بممارسة تمارين عقلية في غاية الغرابة ، هدفها الخضوع والسيطرة التامة لسلطة مدبري إيديولوجيا السوق والعولمة بطبعتها السياسية الأميركية التي جاء بها المحافظون الجدد ، وسقطت بسقوطهم ، كما يرى أغلب الليبراليين الأميركيين أنفسهم .
وفي عودة إلى المقارنة بين «فوكو» و«ألتوسير» يرى جورج لارين بأنها مقارنة تنير العقل ، بسبب أنها تظهرهما يشتركان في اهتمامات وخصائص أساسية، فكلاهما يربط بقوة المعرفة المؤسساتية . وكلاهما يتجه إلى رفض مركزية الذات ، ويتصورها بوصفها تكويناً خطابياً " أي مكونة بواسطة الخطاب " . والأكثر أهمية أنهما يريدان التعبير عن الصور المختلفة للسيادة والسيطرة . ولكن الاختلافات النظرية بالطبع جوهرية جدا ً. يرفض «فوكو» مقولات الكلية والانحياز والبناء الفوقي ، ولديه تحفظات خطيرة على كل مفهوم للإيديولوجيا . وهو يرفض قبول التناقض بين الإيديولوجيا والعلم ، بين المعرفة والقوة ، ويعتبر إشكالية القوة متجاوزة مجال الحكم الطبقي والدولة والسيادة أو السيطرة .
وبينما يحلل «ألتوسير» نمط الإنتاج بوصفه كلاً مصنوعاً من ظواهر اجتماعية مختلفة مترابطة ، أو متمفصلة وفقاً لمحددات دقيقة محددة بشكل نهائي بواسطة البناء الاقتصادي ، يؤكد «فوكو» عدم التواصل والتشتت والاختلاف ، بإثبات أن إمكانية التاريخ الكلي قد بدأت تختفي ، بينما بزغت إمكانية التاريخ العام : وصف جامع يجذب كل الظواهر حول مركز واحد ، هو مبدأ ، أو معنى ، أو عالم من الرأي وشكل واق .. وعلى العكس يمتد التاريخ العام ، أو يباعد مكان التشتت .. وهذه هي نتيجة الانتشار المتنوع لعلاقات القوة ، ولكن هذا ليس معناه أن التاريخ هو فوضى . فالتاريخ الذي يحمل إلينا محددات شكل ، أو صورة الحرب ، أكثر من شكل أو صورة اللغة ، أي علاقات القوة ، وليس علاقات المعنى . فالتاريخ ليس له معنى ، وليس معنى هذا أننا نقول إنه سخف أو عبث أو هو مفكك وغير متواصل ، بل على العكس ، إنه معقول ويجب أن يكون قابلاً للتحليل إلى تفاصيل أدق، ولكن هذا في توافق مع معقولية الصراعات ومعقولية الاستراتيجيات والتكتيكات أو فنون التنظيم والتدبير .
هكذا ، فإن ما يقلق الفيلسوف الكامن في كل من «فوكو» و«ألتوسير» ، هو أساساً تلاشي المعنى وانسحابه من حياتنا الفردية والجماعية وصعود التفاهة واللا معنى .
أخيراً ، لا بد من أن أشيد بمترجمة الكتاب ، فقد بذلت جهداً عميقاً وموصولاً حتى جاء بهذه الحلّة الدالة على المعنى بإشراق لغوي نافذ .

عن جريدة أوان

14 - آذار 2009

اللوحة للفنانة الجزائرية : كريمة لعرابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق