
وفي عودة إلى المقارنة بين «فوكو» و«ألتوسير» يرى جورج لارين بأنها مقارنة تنير العقل ، بسبب أنها تظهرهما يشتركان في اهتمامات وخصائص أساسية، فكلاهما يربط بقوة المعرفة المؤسساتية . وكلاهما يتجه إلى رفض مركزية الذات ، ويتصورها بوصفها تكويناً خطابياً " أي مكونة بواسطة الخطاب " . والأكثر أهمية أنهما يريدان التعبير عن الصور المختلفة للسيادة والسيطرة . ولكن الاختلافات النظرية بالطبع جوهرية جدا ً. يرفض «فوكو» مقولات الكلية والانحياز والبناء الفوقي ، ولديه تحفظات خطيرة على كل مفهوم للإيديولوجيا . وهو يرفض قبول التناقض بين الإيديولوجيا والعلم ، بين المعرفة والقوة ، ويعتبر إشكالية القوة متجاوزة مجال الحكم الطبقي والدولة والسيادة أو السيطرة .
وبينما يحلل «ألتوسير» نمط الإنتاج بوصفه كلاً مصنوعاً من ظواهر اجتماعية مختلفة مترابطة ، أو متمفصلة وفقاً لمحددات دقيقة محددة بشكل نهائي بواسطة البناء الاقتصادي ، يؤكد «فوكو» عدم التواصل والتشتت والاختلاف ، بإثبات أن إمكانية التاريخ الكلي قد بدأت تختفي ، بينما بزغت إمكانية التاريخ العام : وصف جامع يجذب كل الظواهر حول مركز واحد ، هو مبدأ ، أو معنى ، أو عالم من الرأي وشكل واق .. وعلى العكس يمتد التاريخ العام ، أو يباعد مكان التشتت .. وهذه هي نتيجة الانتشار المتنوع لعلاقات القوة ، ولكن هذا ليس معناه أن التاريخ هو فوضى . فالتاريخ الذي يحمل إلينا محددات شكل ، أو صورة الحرب ، أكثر من شكل أو صورة اللغة ، أي علاقات القوة ، وليس علاقات المعنى . فالتاريخ ليس له معنى ، وليس معنى هذا أننا نقول إنه سخف أو عبث أو هو مفكك وغير متواصل ، بل على العكس ، إنه معقول ويجب أن يكون قابلاً للتحليل إلى تفاصيل أدق، ولكن هذا في توافق مع معقولية الصراعات ومعقولية الاستراتيجيات والتكتيكات أو فنون التنظيم والتدبير .
هكذا ، فإن ما يقلق الفيلسوف الكامن في كل من «فوكو» و«ألتوسير» ، هو أساساً تلاشي المعنى وانسحابه من حياتنا الفردية والجماعية وصعود التفاهة واللا معنى .
أخيراً ، لا بد من أن أشيد بمترجمة الكتاب ، فقد بذلت جهداً عميقاً وموصولاً حتى جاء بهذه الحلّة الدالة على المعنى بإشراق لغوي نافذ .
عن جريدة أوان
14 - آذار 2009
اللوحة للفنانة الجزائرية : كريمة لعرابة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق