يونيو 20، 2009

من السرد المجري


" قصص في دقيقة واحدة "
وطن
كان عمر الطفلة أربعة سنوات فقط ، وبدون شك ، فأن ذكرياتها بدأت تنمحي ، ولكي تشعرها أمها بالتغيرات وشيكة الحدوث ، اخذتها إلى سياج الأسلاك الشائكة ، وأشارت لها من بعيد إلى عربات القطار .
- ألا يفرحك ذلك ، هذا القطار سيأخذنا الى الوطن .
- وماذا سيحدث عندئذ
- عندها سنكون في وطننا
- سألت الطفلة : ماذا يعني هذا ، ما هو الوطن ؟
- حيث كنا نسكن .
- وماذا يوجد هناك ؟
- أما زلت تذكرين دبك الصغير ، ربما عرائسك لا تزال موجودة .
- ماما هل يوجد في الوطن حراس ايضا ؟
- كلا ، لايوجد .
- إذن هل سيمكننا الهروب من هناك ؟
#
مغزى الحياة
إذا نظمنا كثيرا من الفلفل الأحمر بخيط ، سنصنع منه إكليلا من الفلفل . وإن لم ننظم الفلفل الأحمر بخيط ، فلن نحصل منه على إكليل . بينما الفلفل ذاته وبنفس الكمية ، أحمر تماما ، وحاد تماما ، لكنه ليس إكليلا .
لو وضعنا الخيط بحد ذاته ، فلن يعمل شيئا . . كلنا يعلم أن ذلك الخيط لا أهمية له . إنه شيء من الدرجة الثالثة .
إذاً ماذا ؟
من يفكر بهذه الأشياء ، ويمعن النظر فيها ، ولا يطلق العنان لأفكاره أن تجول كيفما تشاء ، وإنما تتقدم في الإِتجاه الصحيح ، عندئذ سيكون بإمكانه تقفي آثار الحقيقة .

#
الخلود
لم يعد شابا ، مع ذلك استطاع أن يفترض نفسه كذلك ، عرفه وخافه سكان الأحراش ، وبصفة خاصة كل الكائنات التي تدب في القرب والبعد . لم تضعف رؤيته ، وإذا اختار غنيمته على ارتفاع آلاف الأمتار ، ينقضّ عليها كالمطرقة التي تهوي على المسمار بضربة واحدة .
وهكذا بعنفوان عمره ، وبكامل قوته ، بين خفقتي جناحيه البطيئتين ، على حين غرة توقف قلبه . مع ذلك لم تجرأ أن تدب أمامه لا الأرانب ولا السلاحف ، ولا حيوانات القرى الداجنة ، لأنه هناك على ارتفاع ألف متر يخفق باسطا جناحيه ، منذرا بثبات ، بالرغم من أن أنفاسه انطفأت منذ دقيقتين أو ثلاثة ، حتى توقفت الريح .

#
أبناؤنا
كان هناك أرملة فقيرة ، لها ولدان وسيمان يافعان . أحدهما ، وهو الأكبر ، كان يشتغل على إحدى السفن التي انطلقت على الفور في رحلتها الأولى إلى المحيط الهادي . ما حدث له ، وما لم يحدث ، لا يوجد من ينبئنا بذلك ، لأن السفينة أضاعت مسارها في البحار . بقي الأصغر في البيت . لكنه في أحد الأيام ، عندما أرسلته أمه إلى " الصيدلية التي تقع في البناية السابعة " لجلب الدواء ، لم يعد إلى البيت ثانية ، وضاع أثره إلى الأبد . حدث هذا في الواقع . ولكن في الحكايات ، اعتاد أن يكون للنساء الأرامل ثلاثة أبناء . والإبن الثالث هو الموفق دائما .
#
المبدع :
إشتفان أوركين 1912 ـ 1979
كاتب مجري معروف بحسه المرهف اتجاه لا عقلانية الحياة المعاصرة ومفارقاتها ، إلى الحد الذي أُطلق عليه لقب " سيد المفارقة ". إنه أحد أكثر كتاب المسرحية المجريين نجاحا في فترة الستينات والسبعينات . انحدر من أسرة غنية ، والده صيدلي ورئيس مستشاري الدولة . لذا كان على الأبن أن يحذو حذو الأب فدرس الصيدلة ، ثم نال شهادة دبلوم في الهندسة الكيميائية . اتجه نحو الكتابة في نهاية الثلاثينات ونشر أول قصة قصيرة في عام 1941 . في عام 1942 دعي إلى الخدمة في العمل الأجباري ضمن الجيش المجري ، وفي ربيع هذا العام كان على أطراف فورونييج حيث سقط المجريون في موت جماعي . وفي 1943.1.12 وفي درجة 47 تحت الصفر انهار الجيش المجري وضاع الآلاف منهم . ووقع أوركين أسيرا قضى أكثر من ثلاث سنوات في معسكرات الاعتقال . وقد انعكست تلك السنوات بشكل ظاهر على أعماله ، حيث جسد بعضها نمط الحياة داخل هذه المعسكرات ، كما أنه اختار بعض أبطاله منها أيضا . اتجه أوركين لكتابة المسرحية في الفترة ما بين 1949 ـ 1953 بينما نشر قصصه القصيرة ورواياته في عدة مجموعات خلال الفترة ما بين الخمسينات والستينات . منذ بداياته كان مولعا بروح المفارقة والسخرية اللاذعة ، واستمر هذا الولع في أسلوبه ليصبح الميزة الأساسية لأعماله منذ منتصف الستينات . في ذلك الوقت بالذات كتب أوركين مسرحيته الناجحة " عائلة توت " واعتبرت عملا مسرحيا بارزا، تم عرضها في 15 دولة أجنبية وعلى خشبة تسعين مسرحا . تُرجمت إلى العربية أيضا وأخرجها الفنان جواد الأسدي . ابتكر أوركين نوعا غريبا وجديداً من أسلوب المفارقة الكوميدية أسماها " قصص في دقيقة واحدة ". تميزت هذه القصص بقدرتها على تشخيص لا عقلانية حياتنا المعاصرة ، والتي يتقبلها معظمنا كأشياء يومية عادية ، من خلال بضع صفحات أو سطور . ترجمت أعماله إلى أكثر من 12 لغة ، وتضمنتها ثلاثون طبعة . لاقت مسرحياته نجاحا باهرا في هنغاريا والخارج . إضافة إلى مسرحية " عائلة توت " لاقت مسرحيته الشهيرة الأخرى " لعب القطة " نجاحا عالميا مماثلا وتم عرضها في أكثر من ثمانين مسرحا خارج هنغاريا . نال إشتفان أوركين جائزتي لايوش كوشوت واتيلا يوجف تقديرا لنشاطه الأدبي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق