يونيو 29، 2009

باب زويلة - بوابة المتولي



من هذا الباب التاريخي الشهير .. باب زويلة .. دخل أمير المؤمنين الخليفة المعز لدين الله , قبل ألف عام الى عاصمتها الجديدة التي أمر بتأسيسها " القاهرة" , وهنا أيضا على باب زويلة شنق طومان باي سلطان مصر وبطل نضالها , وقائد مقاوماتها ضد الغزو العثماني.. فمن بين كل أبواب القاهرة القديمة .. النصر , الفتوح , القراطين , سعادة , التوقين , الشعرية وغيرها من الأبواب التي بناها حكام مصر لترد عنهم كيد المعتدين , وليدق عليها الزائرون فتفتح لهم مصاريعها , واختلف علماء الآثار حول عددها , ولم يتبق منها سوى عدد محدود للغاية لا يتعدى أصابع اليد الواحدة , من بين كل هذه الأبواب , سيظل باب زويلة أكثرها شهرة وأوثقها ارتباطا بأيام لها تاريخ , أيام كانت فيها مصر مقرا للخلافة الاسلامية , فما هي حكاية باب زويلة ، ولماذا سمي بهذا الاسم ، وما هي قصة هذا السلطان الشهيد طومان باي الذي تولى السلطنة بعد قنصوه الغوري , ولمدة مائة يوم فقط , نادى فيها على الفتوات والصبيان الشطار ليشتركوا مع قوات المماليك في قتال الغزاة العثمانيين والدفاع عن بلادهم , فكتبوا أروع الملاحم بدمائهم في شوارع القاهرة , وكيف جرت وقائع شنقه .
لم تظهر فكرة بناء البوابات حول المدن في مصر سوى في عصر الدولة الفاطمية عندما جاء جوهر الصقلي يقود قوات الخليفة المعز لدين الله من القيروان لدخول مصر , حيث قام بتأسيس مدينة القاهرة التي لم تعرف بهذا الاسم إلا بعد أربع سنوات من انشائها وعند قدوم المعز لدين الله إلى مصر , حيث يذكر لنا المقريزي أن حصن القاهرة قد أطلق عليه في أول الأمر اسم المنصورية تيمنا بتلك الضاحية التي أنشأها المنصور والد المعز بجوار القيروان , ثم تغير الاسم الى القاهرة ثم أطلق عليها " القاهرة المحروسة " في عهد الخليفة الحاكم , إلا أنه في عهد المستنصر أصبح اسمها " المعزية القاهرة المحروسة " ثم تغير مرة أخرى الى المعزية القاهرة في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله .
ومن المرجح تاريخيا أن يكون القائد جوهر الصقلي قد اختار لها هذا الموقع لاعتبارات عسكرية , ذلك أن جبل المقطم الذي يقوم ناحية الشرق منها يعتبر بمثابة خط دفاعي حصين وفرته الطبيعة , ولم يكن في المكان كله سوى دير قبطي قديم " دير العظام " وبستان جميل يعرف بحديقة كافور الذي حكم مصر قبل مجئ الفاطميين , وما أن وضع العمال القوائم الخشبية لتحديد الحصن الجديد أو القصر الجديد الذي سيكون مقرا للخليفة الفاطمي حتى حدثت واقعة لها العجب يحكيها لنا المؤرخون .
" فقد وقف المنجمون المغاربة يتشاورون فيما بينهم لتحديد موعد بدء العمل , وكانت الاجراس معلقة على الحبال الممتدة من عمود لآخر , وذلك انتظارا للموعد الذي يحدده أولئك الحكماء , وحتى يبدأ العمال .. إلا أن شيئا ما قد حدث أصاب الجميع بالدهشة والذهول , إذ وقف طائر على طرف أحد الأعمدة , فأخذت جميع النواقيس تدق , ومن ثم بدأت المعاول تحفر , ولحظة دق الأجراس , كان كوكب المريخ في صعود , والمريخ أحد أسمائه هو القاهر .. ومن هنا بدأت أولى خطوات بناء القاهرة عبر الزمن " .
ومنذ أسس جوهر الصقلي مدينة القاهرة , كان حريصا كل الحرص على بناء سور حولها تتخلله ثمانى بوابات , ولجوهر أسباب عديدة لهذا , أهمها أن الدولة الفاطمية التي آل اليها حكم مصر كانت شيعية المذهب , بينما أهل مصر على المذهب السني , وهو مذهب الدولتين العباسية والأموية , ولهذا كان الحكام الفاطميون يخشون منذ اللحظات الأولى لحكمهم من ارتداد المصريين عن الولاء لهم والانضمام تحت لواء الدولة العباسية السنية المذهب , هذا الى جانب أن الفاطميين لم يكونوا في مأمن من غيرهم من الشيعة الذين كانوا يطمعون في أن يكون لهم نصيب في الخلافة وعلى رأسهم القرامطة , كما أن مصر في عهد الفاطميين أصبحت دارا للخلافة , وليست مجرد دار امارة, و لكل هذه الأسباب رأى جوهر الصقلي أن يحيط المدينة الجديدة بسور يقيه شر الأعداء ويحفظ للفاطميين هيبتهم ويمكنهم من اداء شعائرهم حسب المذهب الشيعي .
كانت القاهرة في السنوات الأولى من عمرها مدينة ملكية ارستقراطية , مقصورة على سكنى الخلفاء الفاطميين ورجال دولتهم وجندهم وعبيدهم , وكانت الدعوة الفاطمية ذات طابع سري في بدايتها , وأثر هذا على تصميم المدينة الجديدة أيضا .. وكان المصريون محرومين من دخول المدينة إلا بعد الاستئذان و كان هذا الأمر يسري أيضا على سفراء الدول الأجنبية , فبمجرد وصولهم للمدينة , كان عليهم أن يترجلوا عن جيادهم , ويسيروا نحو القصر بين صفين من الجنود , كما أن الصناع والفنانين الذي يعملون داخل حصن القاهرة كانوا مطالبين بمغادرتها في آخر النهار , ومن هنا يظهر لنا الغرض الحقيقي من بناء القاهرة والذي لخصه المقريزي بقوله : " وضعت القاهرة في منزل سكنى للخليفة وحرمه وجنده وخواصه , ومعقل قتال يتحصن بها ويتجه اليها .. فقد كانت الأسوار والاستحكامات التي بناها جوهر تحيط بقصر الخليفة المعز ودواوين الحكومة ومساكن الجند وبيت المال ودار الأسلحة ومقابر الخلفاء" .
ويصف رحالة ومؤرخ آخر وهو الفيلسوف الفارسي ناصر خسرو الوضع فيقول : " ويبدو هذا القصر من خارج المدينة كأنه جبل لكثرة ما فيه من الأبنية المرتفعة , وهو لا يرى من داخل المدينة لارتفاع أسواره , وهذا القصر يتكون من اثني عشر بناء , وله عشرة أبواب فوق الأرض , فضلا عن أبواب أخرى تحتها , وتحت الأرض باب يخرج منه السلطان راكبا , وهذا الباب على سرداب يؤدي الى قصر آخر خارج المدينة , و لهذا السرداب الذي يصل بين القصرين سقف محكم , وجدران القصر من الحجر المنحوت بدقة , تقول انها قدت من صخر واحد " .
وكانت حراسة القصر يقوم بها ألف رجل مسلح , وتقترن بعروض مهيبة , فبعد الاذان لصلاة العشاء يقوم الإمام بالصلاة , ويتقدم أحد الأمراء الى سلم القصر , وعند انتهاء الصلاة يصدر أمره لفرقة من قارعي الطبول ونافخي الأبواق أن يعزفوا , كما تعزف آلات أخرى قطعا موسيقية جميلة لمدة ساعتين , ثم يترك القصر ضابط معين خصيصا لهذا الأمر فيلوح برمحه ويقذف بها أولا الى الأرض عند المدخل , ثم يلتقطها ويغلق الباب ويسير حول القصر سبع مرات , وبعد أن يتم جولاته يقيم العسس الليلي , وكان المرور يمنع حتى الفجر .. وكانت مواكب الخلفاء الفاطميين ومرات ركوبهم في رمضان والعيدين ويوم عاشوراء من المشاهد القاهرية المهيبة .
أما باب زويلة , فقد سمي بهذا الاسم نسبة الى قبيلة من البربر بشمال افريقيا , انضم جنودها الى جيش جوهر لفتح مصر .. وباب زويلة هو الباب الثالث الذي لا يزال يقاوم عوامل الزمن والاهمال بعد بابي النصر والفتوح , ويعتبر هذا الباب أجمل الأبواب الثلاثة وأروعها , وله برجان مقوسان عند القاعدة , وهما أشبه ببرجي باب الفتوح, ولكنهما أكثر استدارة , ويشغل باب زويلة مساحة مربعة , طول كل ضلع من أضلاعها " 25 مترا " وممر باب زويلة مسقوف كله بقبة , وقد اختفت منه معظم العناصر الزخرفية .. وعندما بنى الملك المؤيد أبو النصر شيخ مسجده عام 818 هجرية , اختار مهندس الجامع برجي باب زويلة وأقام عليهما مئذنتي الجامع .. ويذكر المؤرخ الشهير " القلقشندي " الكثير عن باب زويلة , ويورد في كتابه " صبح الأعشي " أبياتا من الشعر كتبها على بن محمد النيلي تتحدث عن عظمة هذا الباب , ومنها قوله : " يا صاح لو أبصرت باب زويلة .. لعلمت قدر محله بنيانا .. لو أن فرعونا رآه لم يرد .. صرحا ولا أوصى به هامانا "
ويطلق العامة على باب زويلة بوابة المتولي .. حيث كان يجلس في مدخله " متولي " تحصيل ضريبة الدخول الى القاهرة وهذه هي حكاية باب زويلة .

اما عن حادثة شنق السلطان طومان باي وتعليق جثته على الباب لمدة ثلاثة أيام .. إن حكاية طومان باي تبدأ بعد مقتل عمه السلطان الغوري في موقعة " مرج دابق " والتي اختفت فيها جثته ولم يعثر لها بعد على أثر .. ولولا خيانة امراء المماليك لسلطانهم وقائدهم الغوري , لكان استطاع أن يهزم العثمانيين الزاحفين الى مصر , وأن يصدهم عن التقدم نحوها .. لكن الموقعة انتهت بهزيمة الغوري , وأخذت فلول جيشه تعود الى مصر , وأخذ جيش الغزاة العثمانيين يواصل زحفه الى مصر بقيادة السلطان سليم الأول , وساور الناس في مصر القلق , وأصبحوا في حيرة على المستقبل , وأثار بعض المماليك فتنة .. وتم نهب خان الخليلي , وقتل من فيه من التجار الأروام بحجة انتمائهم الى العثمانيين , وشماتتهم في مقتل الغوري , الذي كان قد عين ابن أخيه " طومان باي " نائبا له قبل خروجه لقتال العثمانيين , وبعد قتله أجمع أمراء القاهرة على اختيار الأمير طومان باي سلطانا للبلاد .. لكنه امتنع لحرج الموقف وقلة المال وضعف وسائل الدفاع وتفرق قلوب الأمراء والجند , ثم عاد ووافق بعد إلحاح , وبعد أن أقسم أمراء المماليك أمامه على المصحف على عدم خيانة سلطانهم الجديد , وأخذ يعد العدة لمواجهة الغزاة .. ولم يعتمد طومان باي على المماليك وحدهم , وإنما حرص على أن يشترك أبناء القاهرة في الدفاع عن وطنهم , وكان معسكر تجمع القوات المصرية عند منطقة " الريدانية " وهي حي العباسية الآن وكان من رأي طومان باي أن يخرج بقواته لقتال العدو قبل أن يصل الى القاهرة , لكن الأمراء لم يطيعوا وفضلوا الانتظار حتى يقتحم عليهم العدو ديارهم , ويشير ابن إياس أن طومان كان يرتدي رداء الحرب ويحمل الحجارة مع البنائين والتراب مع الفعلة أثناء حفر الخنادق , ويصف ما جرى يوم معركة الريدانية وهو يوم الأربعاء 28 من ذي الحجة سنة 922 هجرية فيقول : " وصلت طلائع عسكر ابن عثمان عند بركة الحاج بضواحي القاهرة , فاضطربت أحوال العسكر المصرية , وأغلق باب الفتوح وباب النصر وباب الشعرية وباب البحر وأغلقت الأسواق , وزعق النفير , وصار السلطان طومان باي راكبا بنفسه وهو يرتب الأمراء على قدر منازلهم , ونادى للعسكر بالخروج للقتال , وأقبل جند ابن عثمان كالجراد المنتشر , فتلاقى الجيشان في أوائل الريدانية , فكان بين الفريقين معركة مهولة وقتل من العثمانية ما لا يحصى عددهم " . ويستطرد ابن إياس فيقول : " ثم دبت الحياة في العثمانية , فقتلوا من عسكر مصر ما لا يحصى عددهم " .
وكان ذلك بارشاد بعض الأمراء الخونة .. لكن السلطان طومان باي ثبت وهو يقاتل بنفسه في نفر قليل من العبيد الرماة والمماليك السلحدارية , ثم تكاثرت عليه العثمانية ورأى العسكر قد قل من حوله , خاف أن يقبضوا عليه , فطوى " السنجق " السلطاني ـ أي العلم واختفى جهة طره ".
ودخل العثمانيون مدينة القاهرة في اليوم الثاني للمعركة وخطب باسم السلطان سليم شاه على منابر المساجد , إلا أن طومان باي لم يستسلم وراح ينظم الصفوف وانضمت اليه جموع حاشدة من فتيان القاهرة وشجعانها , واستمرت المواجهات بين طومان باي وبين العثمانيين فترة طويلة شهدت فيها شوارع القاهرة وأحيائها القديمة معارك وهجمات المقاومة الشعبية ضد العثمانيين , وفي واحدة من هجمات المقاومة الشعبية والتي جرت في بولاق , كاد أن يقتل سليم الأول بعد أن أحاط طومان ورجاله بمعسكره وأخذوا يرجمونه بالنيران والحجارة , وفي مرحلة من مراحل المقاومة ضد الغزاة , اتخذ طومان باي من جامع شيخون مركزا للمقاومة الشعبية , وهذا الجامع يقع في شارع شيخون بالجمالية , وكان يسمى قديما شارع " الصليبة " وعرفت المنطقة من حوله بمنطقة الصليبة , وقد دارت في هذه المنطقة معارك عنيفة بين قوات المماليك والعثمانيين استبسل فيها طومان باي ثم هرب وانسحب بعد أن تأكد أن ميزان القوة لم يعد في صالحه .
وبعد هربه أحرق العثمانيون جامع شيخون والبيوت من حوله , وقتلوا أكثر من عشرة آلاف من العامة والغلمان , ورغم بشاعة هذا الانتقام إلا أن المقاومة لم تنته , واستمر طومان يحشد الرجال لصد الغزاة , الى أن كانت المعركة الأخيرة التي وقعت عند منطقة وردان " إمبابة الآن " وأحرز فيها عسكر مصر انتصارات في البداية , إلا أن العثمانيين قد انتصروا في النهاية لتفوقهم في العدد والعتاد , وكانت تلك هي المعركة الفاصلة التي أنكسرت بعدها المقاومة , وأخذ طومان باي يبحث عن مكان يلجأ اليه حتى لا يقع في أيدي غريمه السلطان سليم الأول , ولجأ الى صديقه شيخ العربان " حسن بن مرعي " والذي كان قد أخرجه من السجن الذي دخله أيام السلطان الغوري , ولكن شيخ العربان وشى به .. وأبلغ عنه السلطان سليم الذي أعجبته شجاعته وصلابته في حواره الأخير معه , إلا أنه أمر في النهاية بشنقه .
كان المؤرخ المصري ابن إياس شاهد عيان على ما حدث وقدم وصفا دقيقا لوقائع يوم شنق طومان باي قال فيه : " عند باب زويلة توقف ركب السلطان الأسير طومان باي .. كان في حراسة 400 جندي من الانكشارية .. وكان مكبلا فوق فرسه .. وكان الناس في القاهرة قد خرجوا ليلقوا نظرة الوداع على سلطان مصر .. وتطلع طومان باي الى " قبو البوابة " فرأى حبلا يتدلى , فأدرك أن نهايته قد حانت .. فترجل .. وتقدم نحو الباب بخطى ثابتة .. ثم توقف وتلفت الى الناس الذين احتشدوا من حول باب زويلة .. وتطلع اليهم طويلا .. وطلب من الجميع أن يقرأوا له الفاتحة ثلاث مرات .. ثم التفت الى الجلاد , وطلب منه أن يقوم بمهمته " .

وبشنق السلطان طومان باي استتب الأمر للسلطان سليم بمصر والشام وأقام في القاهرة لفترة رتب خلالها أحوالها ودبر أمورها , وأمر بحمل أموال مصر وذخائرها وتحفها ونفائسها ومخطوطاتها الى عاصمة ملكه , وجمع مئات من الصناع والعمال وذوي الخبرة وأهل الحرف وقام بترحيلهم الى القسطنطينية , وغادر مصر الى عاصمة ملكه بعد ثلاثة أشهر من شنق طومان باي الذي بقيت سيرته كبطل قومي ورمز للمقاومة , وبقى سيفه المحفوظ في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة , والذي يحمل ألقابه مكتوبة بالذهب .. وهي السلطان العادل أبو النصر طومان باي .. سلطان الاسلام والمسلمين .. أبو الفقراء والمساكين .. قاتل الكفرة والمشركين .. محيي العدل في العالمين .

يونيو 27، 2009

وهم تعدد الزوجات



الزواج بأكثر من امرأة في وقت واحد يُبغضه كل عادل . هل من معارض !

و لذا جاء الثائر العربي محمد " ص " ليمنع تعدد الزوجات إلا في حالة واحدة يجعله فيها واجبا .

"وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا , وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ". النساء : 2 ، 3

ألا ترى أن العجز عن العدل و القسط في يتامى أنت وَصيهم شرط هنا للزواج بأمهم ؟ أليس واضحا ؟ فلماذا إذن علمونا في المدارس أنه العدل الجنسي الذي يتقرر على أساسه حل أو حرم تعدد الزوجات .

أليس هذا تأويل على كيف اللي خلفوهم .

أليس هذا هو تحريف الكلم عن مواضعه .

فإن خفتم ألا تعدلوا عند الزواج في اليتامى الذين قد تعجزون عن القسط فيهم و أنتم أوصياؤهم دون الزواج بأمهم فلا تتزوجوا . كما هو واضح للمنصف فالزواج الثاني ممنوع إلا إذا تحققت الضرورة إلى ذلك بأن يعجز الوصي عن إعالة أيتام دون الزواج بأمهم لأسباب . أما في زمننا هذا , فكثير من الدول تعيل اليتامى دون اضطرار الأقارب إلى المساعدة اللهم إلا نفسيا . و الوصاية على أموال اليتامى غير واردة هذه الأيام إلا ما ندر .

صوت النوبة

حمزة علاء الدين : موسيقى و مطرب نوبي مصري عالمي ، أحد أجمل من عزف على آالة العود ، استخدم آلة العود و التار " نوبية الأصل " في نشر الطرب النوبي و الموسيقى النقية نقاء سريرة النوبيين .. برع عالميا في العزف على آلة العود حيث صدّر هذه الآلة إلى ثقافات أخرى .. و تدين له آلة العود بهذا الانتشار كثيرا .. بالرغم من شهرته العالمية إلا أنها لم تصل إلى مصر بلده لعدة أسباب أهمها جهل مثقفي و فناني مصر بالتراث النوبي الأصيل و عنصرية التعامل مع النوبيين و انحطاط الزوق العام في السماع .

ولد حمزة علاء الدين في 10 يوليو عام 1929 م بقرية توشكي بالقرب من وادى حلفا جنوب مصر حيث الجمال و الروعة وهاجر مع عائلته بعد بناء السد العالي بأسوان بعد أن غرقت قريته عام 1960 م .

يعتبر حمزة علاء الدين بما قام به للتراث النوبي سيد الطرب و الموسيقى النوبية على الإطلاق لرحلته على ظهر حمار متنقلا بين القرى النوبية المهدمة و التي مازالت قائمة لجمع أغاني الحقل و اغاني التراث القديمة و اغاني الأفراح النوبية الشفافة و الأصيلة ، لقد كان حمزة الدين و هو الأسم الذي اشتهر به في الغرب حائط الصد الأول و المدافع عن اندثار التراث النوبي .

جذب أداء حمزة الدين وعزفه أنتباه وأعجاب الكثيرين من المطربين الغربيين أمثال بوب ديلان وفرقة جريتفل ديد والمطربة جوان بيز ، واستقر حمزة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن وقع عقد مع شركة تسجيلات فانجارد .
في عام 1964 م سجل حمزة أول ألبوم له وهو موسيقى النوبة ، وفى نفس العام قدم أول حفلة موسيقية له على مسرح بالولايات المتحدة الأمريكية ، وفى العام 1968 سجل حمزة ألبومه إسكاليه أو الساقية بالنوبية والذى أكتسب شهرة وصيت ذائع في الغرب ، كما وضع الموسيقى التصويرية لفيلم الحصان الأسود للمخرج
فرانسيس فورد كوبولا
.
تولى حمزة العديد من مناصب التدريس كمؤلف موسيقى وأستاذ للموسيقى العرقية في الفترة من 1980 إلى 1990 في العديد من الجامعات الأمريكية ومنها جامعة أوهايو وجامعة واشنطون وجامعة تكساس .
وفى الثمانينيات أقام حمزة لفترة في اليابان حيث كان قد حصل على منحة دراسية لدراسة أوجه الشبه بين آلة العود الشرقية وآلة بيوا اليابانية وهى آلة تشبه العود .
شارك حمزة الدين في العديد من المهرجانات الدولية ، وقد أصدر ألبومه الأخير عام 1999 م بعنوان أمنية " Wish "، وكانت زيارته الأخيرة لمصر في العام 2000 بندوة أقيمت
بدار الأوبرا المصرية .

أعماله :

1964 - موسيقى النوبة (Music of Nubia)
1965 - العود
(Al Oud)
1968 - إسكاليه
(Escalay: The Water Wheel)
1987 - كسوف
(Eclipse )
1982 - أغنية النيل
(A Song of the Nile)
1995 - ورد النيل
(Lily of the Nile)
1996 - (Available Sound: Darius)
1996 - موشح
(Muwashshah)
1999 - أمنية (A Wish)

المولوية - الجيلانية

مولانا جلال الدين الرومي

الرقص الطقوسي : " هو الرقص الذي يؤدى وفقا لشعائر أو مبادئ معينة وتصاحبه أعمال وأدوات تقليدية ، ومنه الرقص الديني ، والجنائزي " .
في المسيحية وكما هو متعارف عليه ثمة رقصات عدة تقام كطقوس دينية لذكرى مريم العذراء أو المسيح بل وفي بعض الاحتفالات تشارك الراهبات بأنفسهن في تلك الطقوس فيدرن ويدرن مضمومات إلى بعضهن . عند اليهود الذكر بالرقص والمزمار والدفوف حيث ورد ذلك فى " العهد القديم " المزمار 149 " ليبتهج بنى صهيون بملكهم ليسبحوا اسمه برقص بدف وعود , ليرنموا , هللو يا , سبحوا الله في قدسه , سبحوه برباب وعود , سبحوه بدف ورقص , سبحوه بأوتار ومزمار , سبحوه بصنوج الهتاف "

قد يكون شيء من هذه الطقوس وغيرها قد انتقلت إلى المتصوفة الذين اختزلوا الكثير والمركز من كل دين .الرقص الصوفي متصل بفكرة حركة الجسم الإيقاعية كنوع من التسبيح بحمد الله . يمثل الرقص عند الصوفي ما يمثله قبول باطنه اللاوعي للعبور إليه .. تسبيح وابتهال الروح في موجتها البعيدة .. والشفافة .

تقول إكرام الأشقر في كتابها " الرقص لغة الجسد " :

" الرقص الصوفي هو ذاكرة النفس المضيئة , لأنه ليس مجموعة حركات تم ضبطها وتنظيمها من الخارج , بل هي مرتبطة بفاعلية الكائن الأسمى , وهو يؤكد على تلاحم وتفاعل كل المعاني المؤكدة لإنسانية الإنسان ماضيا وحاضرا ومستقبلا .الرقص الصوفي هو محاولة حماية الجسد وتحصينه وتطهيره والوصول به إلى التطهير / الكتارسيس ، من كل ماهو مادي يغلق على النفس " .

المولوية هي : احدى الطرق الصوفية التي تميزت بفنون الموسيقى والرقص . أتباع هذه الطريقة يسمون بـ " الدراويش الراقصين " . المولوين هم أول من أدخل الموسيقى والرقص كفن منتظم في حفلات الغناء والسماع الصوفي . بقدرة عجيبة في آداء تلك الطقوس . التي تبدأ بالتفافهم على شكل حلقة كبيرة لابسين الـ " لبدة " وهي قبعات طويلة يسمونها " الكلاه " . يلبسون الأبيض عادة وينتعلون نعالان من الجلد .يرتكز الدوران عند المولوي المتمرس على إبهام قدمه .. تزداد سرعته بخفة حتى تنفتح تنورته . يرافق هذا الدوران انغام جميلة على الناي وهم يرددون بصوات واحد بعض الأذكار .

تقول الـ أ.د/هدى درويش في وصف رقص المولوية :

" اشتهرت الطريقة المولوية بما يعرف بالرقص الدائرى لمدة ساعات طويلة يدور الراقصون حول مركز الدائرة التى يقف فيها الشيخ ، ويندمجون فى مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحى فيتخلصون من المشاعر النفسانية ويستغرقون فى وجد كامل يبعدهم عن العالم المادى ويأخذهم إلى الوجود الإلهى كما يرون . اشتهرت الطريقة المولوية بالنغم الموسيقى عن طريق الناى ، وكان مولانا يرى فيه وسيلة للجذب الإلهى ، ويعتبره أكثر الآلآت الموسيقية ارتباطا بعازفه ، ويشبه انينه بأنين الإنسان للحنين إلى الرجوع إلى أصله السماوى فى عالم الأزل .لاتزال الطريقة المولوية مستمرة حتى يومنا هذا فى مركزها الرئيسى فى قونية . ويوجد لها مراكز أخرى فى استنابول ، وغاليبولى ، وحلب ، ورغم منع الحكومة التركية كل مظاهر التصوف إلا أن الجهات الرسمية فى تركيا تستخدم مراسم المولوية كجزء من الفولكلور التركى . ويحضر جلسات ذكر المولوية كل من يريد من كل الأجناس ومع كل الأديان ويلقى الجميع تسامحا ملحوظا من المولويين " .

أما إكرام الأشقر فتقول في كتابها عن طريقتهم في الدوران ووضع أكفهم على أكتاف بعضهم : " يمكن أن يقال بشيء من التجاوز إن التصوف قد عرف شيئا قريب الشبه برقص الباليه الحديث باعتباره معاني حركية تحكي قصصا رمزيا أو واقعيا " .
هناك نوعين من طقوس الرقص لدى المتصوفة :

الطقس الأول : " السماع " وهو مرتبط بالصوت / الموسيقى .

الطقس الثاني هو : " الذكر " وهو مرتبط باستخدام الكلام واالحركة .

عرفت المستشرقة الفرنسية المعاصرة " ايفا دي فيتراي " في كتابها " جلال الدين الرومي و التصوف " طقس السماع بقولها :

" يعد السماع ، أو الرقص الكوني للدراويش الدوارين ، من أشهر فنون الطريقة المولوية . وهو طقس له رمزيته ، فالثياب البيض التي يرتديها الراقصون ترمز إلى الأكفان ، والمعاطف السود ترمز إلى القبر ، وقلنسوة اللباد ترمز إلى شاهدة القبر ، والبساط الأحمر يرمز إلى لون الشمس الغاربة ، والدورات الثلاث حول باحة الرقص ترمز إلى المراحل الثلاث في التقرب إلى الله ، وهي طريق العلم ، والطريق إلى الرؤية والطريق المؤدي إلى الوصال . وسقوط المعاطف السود يعني الخلاص ، والتطهر من الدنيا ، وتذكر الطبول بالصور يوم القيامة . ودائرة الراقصين تقسم على نصفي دائرة ، يمثل أحدهما قوس النزول أو انغماس الروح في المادة ، ويمثل الآخر قوس الصعود ، أي صعود الروح إلى بارئها . ويمثل دوران الشيخ حول مركز الدائرة الشمس وشعاعها ، أما حركة الدراويش حول الباحة فتمثل القانون الكوني ، ودوران الكواكب حول الشمس وحول مركزها " .

يلعب الرقص عند الدراويش المولوية دورًا هامًا كوسيلة من وسائل التقرب إلى الله - تعالى - ، ومن ثَم فهو يفي بصفة العبادة كسمة أولية من سمات الفن الإسلامي .

وابتداع رقصتهم المشهورة باسم " السما " مولانا جلال الدين الرومي الشاعر الصوفي الشهير ، وتستخدم الموسيقى والدفوف لإعطاء الإيقاع السمعي المصاحب وكل حركات الرقصة ذات معانٍ رمزية مركبة أما طقس الذكر فكتب عنه الصحفي " لي أرينتوفت " مقالة لميدل إيست تايمز بعنوان " الصوفية يبحثون عن الاتحاد بالله عن طريق الذكر " : " في كل سبت عند الساعة الثامنة يؤدي دراويش المولوية عرضهم المؤثر في خان الخليلي . حيث يبدأ الموسيقيون وهم مرتدين جلابياتهم البيضاء بعزف موسيقاهم والراقص يدور حولهم . الذي لا تبدو عليه الدوخة بالرغم من اللف لمدة نصف ساعة على نفسه . وعيناه مغلقتان أو رافعهما للسقف ، حيث يبدو أنه في عالم آخر . وإضافة إلى أنهم يؤدون عرضاً ممتعاً للأجانب والمواطنين أيضاً فالدراويش في واقع الأمر يؤدون ، " الذكر " وهو من الطقوس الصوفية المهمة . ويبدأ موسيقيو الحفل بالعزف البطيء لنغمة واحدة بينما المغني يصف الحب الإلهي وحياة الأولياء . وبعد قليل يمتلئ المكان الضيق أمام الموسيقيون بالناس ، بعضهم جالس يستمع باهتمام للتراتيل ، والآخرون واقفون يتمايلون ببط مع الموسيقى ، وأعينهم مغلقة يبدءون بإمالة رؤوسهم ببطء من جانب لآخر ، وحالما تبدأ وتيرة الموسيقى بالارتفاع تبدأ حركتهم بالزيادة المطردة . وكل هذه الطقوس تأخذ مدة ساعتين ، حيث في نهايتها يدير المشاركين أجسادهم بكل وحشية تستغرب معها كيف أنهم لا يقعون أرضاً ، وخصوصاً لا يبدو على أحد منهم أنه يشعر بالعالم المادي حولهم . وهم بإغلاق أعينهم وتغطية وجوههم بغطاء الرأس أو بالشال ، يحاولون إغلاق أي شد لانتباههم أو إزعاج يأخذهم من مواصلة عالمهم الذي هم فيه . الرقصة مبنية على حركات تكرر مرات ومرات حتى تبعث على النشوة . وفي نفس الوقت هذه الحركات اللاإرادية محاطة بجو روحاني ، والذي لا يسهل فهمه للأجنبي . وربما أقرب مقارنة لذلك في رأيي أستطيع أن أقوله للأوربيين هو أنه مثل حالة الشعور بالنشاط والخفيّــة في حالة الهيجان . وفي نهاية الساعتين ينهار على الأرض العديد من الراقصين في حالة وجد صوفي ونشوة وابتهاج ، ويبدو للحظات أنهم في عالم خاص بهم . وهذا الأمر لا يثير أي استغراب للواقفين الذين يستمرون بالترتيل معاً بحميمية ، وبكل لطف يقودون الراقصين المنهارين خارج وسط الدائرة . ويشارك النساء جنباً إلى جنب مع الرجال في الذكر ، وأحياناً ينضم إليهم بعض الأطفال . إن الذكر هو أهم طقس في التصوف ، وهدفه تذكير المسلم بالله وبوجوده . ويمكن الرقص المشارك من الوصول إلى حالة وجد صوفي بوجوده ، وباتحاده بالله ، وأنه مملوء بحب الله " .

إن الذكر يمد المولوية بفرصة التعبير وتمتين استقامة وعيهم بحقيقة أن الله هو الخالق ومكانهم بين الخلق ، وأنهم يعتمدون على رحمة الله لوجودهم ، وأخيراً ينشئ الذكر فيهم عادة الاستذكار ، وهذه العادة هي اللغة التي تحب اتخاذها أجسادهم كارتياح الطفل بترديده لها . حيث يمنحهم الذكر لإنشاء عادة في أجسادهم تحيي قلوبهم بمستوى عميق و للإعلان عن بدء الذكر ينشد المولوية الصلاة الكمالية ، وهي نوع من الصلوات التي يسألون الله فيها أن يرسل صلاته ورحمته على النبي المقدس محمد .

الافتتاح : " دستور " يبدئون بطلبهم من شيخهم الولي الإذن ببدء الذكر ثم يبدئون بترديد بسم الله الرحمن الرحيم وهم يهتزون للأمام والخلف .. إذ أنه يوجد حركات معينة ترافق ترديدهم لكلمات الذكر .. وهذه مبنية على حركات موجودة في الطبيعة .. وطريقة حركاتهم مبنية على كيفية تحرك الرسل ، وكمثال نجد أنه لدى اليهود حركات يهتزون بها للأمام والخلف عند صلواتهم مثلما يفعل المولوية – الصوفية – عند الذكر .. وحركاتنا تجمع كل حركات الأديان ، والتي هي في الحقيقة دين واحد .

يقول المولوية إننا في البدء كنا مع الله ، ثم هبطنا إلى هذا العالم المادي مع وعدنا لله بأننا سنتذكره . ولكن في هذا العالم المادي نسينا خالقنا ، وعندما نلاحظ هذا نسأل الله المغفرة . وهو يرينا كيف نعود إليه . فالذكر هو صعودنا لله .

بعد الافتتاح يسألون الإذن مرة أخرى بترديد لا إله إلا الله مع حركة يتمايلون فيها من جانب لآخر ، مع إدارة الرأس يمنة ويساراً .. وهذه الحركة أتت من شعر يوسف إمري الشاعر الصوفي مع المصادر الأخرى .. و يقولون : لا إله .. وهم يديرون رؤوسهم لليمين ، وهذه الحركة تمثل النفس والجسد والعالم المادي . ثم يقولون : إلا الله .. وهم يديرون رؤوسهم لليسار ، جهة القلب حيث يوجد الجوهر الإلهي فيهم .. الظهور ليس الله بل الجوهر هو الله .. وفي طريقة أخرى – للذكر – يبدئون لا إله إلا الله بتحركهم لليمين ثم للأمام ثم لليسار ثم للأمام " المركز " .. إذ أن هذا التكرار يمثل حقل القمح تهزه الريح .. وفي عودتهم للأمام – المركز – كقولهم : " إن كل شيء ينتهي بهم .. وبالطبع أن الله في كل مكان ، ولا نحتاج للنظر خارجاً لكي نجده ، إذ يمكننا أن نجده في ذاتنا " ، الله .. الله .. مع حركة واحدة للرأس من اليمين لليسار مع نَـفَـسٌ قصير بين كلمتي الله .. وهذه الحركة أتت كمثال لحركة صوت المنشار ، وهي مبنية على قصة نبي الله زكريا لما طورد صاح بشجرة كي تخفيه ، فانفتحت الشجرة فدخلها ، ولكنه أُكتشِـف من قِبَل مطارديه ، وحالما بدئوا بنشر الشجرة من وسطها ، عرف زكريا خطأه ، إذ أنه كان عليه أن يلتجئ إلى الله لينجيه .. وكلما اقترب منه المنشار أقرب وأقرب ، كان يردد الله .. الله .. لهذا ترديدهم لكلمة الله في الذكر ، تذكرهم بطلب اللجوء لله فقط ، الله هو .. هو الله .. ثم ينبدئون بتحريك الجذع بحركة دائرية .. وهذه تمثل حركة الملائكة حول العرش .. وكل هذه الحركات تؤدى في وضع الجلوس ، ثم يقفون لأن الله قال في القرآن : " الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار " ، الله .. الله حق .. ثم يركعون مع تحريك الجذع لليمين ثم للوسط ثم لليسار ، وهذه مثل الحركة السابقة وتمثل ضمهم حقل القمح .. يا حي .. وهنا يشبكون الأيادي ليشكلوا دائرة ، لتزيد من اتحادهم مع الله .. ولكن شبك الأذرعة يكون للرجال والنساء كل على حدة في دائرة منفصلة ، لتزداد طاقة كل فرد مع المجموعة .. وإذا كان هنالك حب في قلب أحد ما ، ستستفيد من ذلك الحب .. إذ الحركة الجماعية تعطي قوة أكثر .. الله حي .. يا قيوم .. ثم يديرون كل الجسم مع تثبيت القدمين تماماً ، وعند قولهم الله حي يدورون لليمين ، وعند يا قيوم يدورون لليسار .. إذ أن الله في كل اتجاه .. وفي كل حركات الجسم هذه يحاولون إنشاء لغة للجسم .. وكل الذي يريدون فعله هو تأدية الذكر بالجسد والقلب والروح والذهن .. وكل مرة تؤدي الذكر يجب عليك أن تفعل كل ذلك بكلِّـيَّــتِـك .. يا ودود .. يا سلام .. مع تأدية نفس الحركة كما مر معنا من قبل ، وهنا ينشط الحب الإلهي والسلام في الكون .. في هذا العالم الحب والسلام لا يجتمعان عادة ، إذ أنهما لا يجتمعان معاً إلا إذا كانت النفس غير موجودة .. عند وجود الحب تكون النار والإحباط والخيبة والتوقع .. فقط الحب والسلام الإلهي يجتمعان .. وهذا ما يحاولون جذبه للكون بإذن الله .. هو .. إن كلمة هو تعود إلى الله ، وهي بالعربية تعني شخص ثالث فرد ليس بذكر أو أنثى .. إذ بعد هذا الذكر يتعب الناس ، ومع كلمة هو يرتاحون .. وفي نفس الوقت كلمة هو تختصر كل شيء .. وفي هذه اللحظة ، ينشدون أغنية يرسلون بها السلام لسلسلة أوليائهم " الشيخ وذريته " .. وهنا يذهب الولي لوسط الحلقة ليدو ويخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهم يرسلون السلام في كل الاتجاهات .. ثم ينهون الذكر . وبعد الذكر يؤدون دعاء ، حيث يتأسوا بالرسول صلى الله عليه وسلم . إذ أن الله سأله ماذا يريد .. فسأل الله أن يغفر للناس .. ثم سأله الله ماذا يريد لنفسه .. فسأل الله أن لا يخرجه من خدمته – كما يقول المسيحيون - يقصد طاعته .. " إن الله يريدنا أن ندعوه لأنه يريد أن يعطينا شيئاً ما .. وبدعائنا نؤكد بأن الله هو الرب ولسنا نحن .. وبهذه الطريقة نعود لنكون عبيده .. لقد قال الله ارجع لنعود ، إذ أننا رحلنا إلى الله خلال الذكر ، وهو يريدنا أن نعود لهذا العالم .. إنها مشيئة الله لنكون في هذه الأجساد ، نعبد الله في هذا العالم ، في الأغاني والدوران والصلوات " .

إن بعض الدراويش يدورون خلال الذكر ، والدوران لم يبدأ مع دراويش المولوية ، بل مع شمس الذي كان تلميذاً لعبد القادر الجيلاني .. الذي لبس اللون القادري الأخضر وبدأ يدور .. ومنذ البدء وهم يدورون .. والسجود أيضاً جزء من الذكر ، ولأن الله أمرهم بالسجود فهم يسجدون لإظهار التبجيل في كل الأوقات المختلفة خلال حفلة الذكر .

قراءة الفاتحة عدة مرات خلال الذكر ، والتي تعني الافتتاح ، ولهذا يفتتحون ويختمون الذكر بهذه السورة ويتلونها في أوقات السكون .. وقبيل الختام يتلو الثلاث سور الأخيرة في القرآن .. وهن كمختصر للقرآن كله .. ولتلاوتهن أثر فعلي في كل الاحتفالات الدينية .

" إن هذه السور حماية لنا الذين حضروا هذا الاجتماع ضد الشيطان وشياطين الجن .. إذ أن عمل الشيطان هو أخذنا بعيداً عن السراط أو منعنا من التقدم .. ويمكن أن يكون في الخارج عند الباب ينتظرنا ليغوينا بالشكوك والتشويش والإقتتال " .

وأيضاً خلال الذكر يرددون أناشيد والتي اُلفت لإعطاء الدافع ، إذ أن هذه الأناشيد تخبرهم عن فلسفتهم ، وحكمة الصوفية .. وكمثال في أحدها : " لا يمكنك أن تصل للأعالي بالباطل ، عليك بترك كل ما تملك وما لا تملك ، وبعدئذ تعال " .

رامي قصاب وهو نشط في البحث في تاريخ سوريا / حلب ، و مهتم بالموسيقى ، يقول عن المولوية في سوريا في بحث له عنوانه " الفتلة المولوية إعجاز في الرقص " :

" وطريقة المولوية مبنية على الخدمة الالهية وليس لدراويشها غير العبادة وقراءة الاوراد ويقيمون ذكراً جهرياً كل يوم عند صلاة الصبح يرددون فيه لفظ الله فقط وهم قعود ولهم ذكر خفي عجيب يقيمونه بعد صلاة الجمعة أو الصبح نحو ساعة‏ فيقفون على هيئة حلقة كبيرة ويهتزون من اليمين الى الشمال هزة مخصوصة على دقات العود ونغمات الكمنجة أو بقلوبهم فقط وفي أثناء ذلك يترنحون ترنح الثمل الطروب وأيضاً يفتلون حول ذاتهم بقدرة هائلة عشرات المرات وتسمى ذلك رقصة المولوية التي يكمن فيها الكثير من الألغاز والمعتقدات والبعض يفسر تلك الظاهرة بالترويح عن النفس بعد الإجهاد من العبادة ومن أراد الانتساب لهذه الطريقة عليه ان يقوم بمهمة الكنس والرش وما إلى ذلك حتى تنكسر حدة نفسه وتخضع وحتى ينال رضى الله وبعد ذلك يدمج بدراويش التكية ويعطى له غرفة وينام فيها ويجري عليه وقفها ويحضر أذكارها ويقوم بسائر تعليمها ويلبس الجلباب الفضفاض والقلنسوة المستطيلة التي تسمى عندهم الكلاه وهذه الكلاه كان يلبسها شيخ المولوية جلال الدين الرومي ‏ولايقتصر ارباب هذه الطريقة على ساكني التكية من الدراويش بل ان لها عدداً كبيراً من المريدين الذين يسكنون خارج التكية ويقومون بسائر تعليمها ويسمون المحبين . ‏وجلال الدين الرومي وحد أتباع مذهبه بلبس بسيط وملائم وجعل لاتباعه رؤساء ذوي مراتب يرأسهم الدادا يعتم بعمة خضراء فوق الكلاه وجعل جلسة ذوي المراتب وسط حلقة الذكر على بساط كبير خاص يجلس فوقه أدناهم رتبة ثم بساط آخر أضخم من الأول وأصغر يجلس عليه من رتبته أكبر ثم بساط ثالث أفخم مما قبله وأصغر يجلس عليه الدادا جعل حركة الذكر الفتلة كرقص ديني جليل فيه الهيام وادخل الناي والطنبور والطبل تعزف أروع الالحان الكلاسيكية الشرقية ويشرف مولونجانة الملحن على نغم الصبا يعد من تحف الموسيقا العالمية الكلاسيكية وبني في كل مدينة تركية دار الملاخانة مأوى ومنام ومحط رحال السائحين منهم‏ " ويقول عن المولوية الموجودة في حلب تحديدا : " وبالرغم من انقراض المولوية في حلب منذ سنوات وبدأت تعود للظهور ولكن بلا مضامين صوفية فأخذ بعض الأفراد الذين يجيدون الرقص المولوي أو الفتلة المولوية يقدمون هذه الفتلة في الموالد والاعراس وأصبح لها فرق كأية فرقة رقص شعبي تشارك في الافراح والمناسبات حيث يتطلب من الراقص أن يجيد الفتلة وله قدره على التحمل وقد كانت هذه الفتلة محل اعجاز واعجاب كل من شاهدها وبخاصة من الاجانب "

السيماهان : احتفال صوفي بدار الأوبرا ، وهذا وصف متكامل لأحد الحاضرين :-

تنقسم سيماهان و هي الساحه التي يقدم فيها العرض الى ثلاثة جوانب : الجانب الأيسر وهو المركز و ممثل العالم الروحاني / الصعود و موقع الذات الالهيه .. يغطي ارضية هذا الجانب جلد غنم احمر اللون الجانب الاخر من السيما يتكون من باقي الساحه .. تغطى ارضيته بجلد غنم ابيض اللون .. و يرمز هذا الجانب للعالم المادي / السقوط وهو مكان وقوف الراقصين .. في الخلفيه مكان جلوس العازفين يدخل الراقصون و العازفون بالتوالي إلى الساحة و يأخد كلاً منهم مكانه ثم يضعون أيديهم على صدورهم بحيث تكون اليد اليمنى على الكتف الأيسر و اليسرى على الكتف الأيمن ليكونوا بذلك في وضع التواضع .. يتحرك الراقصون في الساحة ليكونوا قوسًا حول المركز الأحمر .. يدخل الشيخ ليحتل المركز الأحمر - أقصى اليسار - يصاحبه صوت غنائي سماوي عذب للغاية يهيىء لحالة الرقص القادم .. لكن الشيخ يسجد في البداية كتحية للمركز ثم يسجد وراءه الراقصون و العازفون في خشوع .. تعتمد السيما على وجود خط الاستواء وهو خط وهمي يفصل بين المركز الأحمر و قطاع العازفين و الراقصين - العالم المادي - هذا الخط لا يخطو عليه سوى الشيخ حيث أنه الشخص الوحيد الذي يعرف الطريق إلى الحقيقة الإلهية ، يرمز اللون الأحمر إلى تجلي الله للإنسان .. و يرمز الشيخ نفسه لمولانا الجليل محمد جلال الدين الرومي حيث يرتدي الشيخ تقريبا نفس ملابس و عباءة الراقصين .. غير أن عمامته الطويلة بنية اللون ترتكز على قاعدة خضراء أو سوداء تميزها عن عمامات الراقصين الشبان يجلس الكل في مكانه المحدد , الشيخ في المركز و الراقصون في القوس من حوله و العازفون في عمق المسرح ، يبدأ احد المنشدين بغناء مقاطع من انين الناي و هي قصيده من تأليف جلال الدين الرومي .. تعبر عن الحب و التقدير لرسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام .. اما الموسيقى فهي من تأليف بحورزاده مصطفى ايتري .. الموسيقى مألوفه للغاية و صوفية إلى اللامعقول وان كانت نغماتها من مقام الراست العربي المعروف للأذن المصريه على وجه الخصوص .. خلال قراءة النات .. ينحني الشيخ و العازفين عدة مرات وهم في وضع الجلوس .. عند ذكر الله أو أسمائه كذلك عند ذكر المصطفى أو صفاته .. تنتهي القصيدة بدقات الطبول الصغيرة المسماة بالكودوم لمرات قليلة .. ترمز الدقات لأمر الله كن فيكون في سورة يس الآيه رقم 82 .. بعدها تبدأ ارتجالات الناي .. في تقاسيم بديعة على الراست أيضا ينتقل بعدها إلى الحجاز مع تزايد إيقاع الكودوم .. لإضفاء جو احتفالي .. يمثل نفخ الملاك اسرافيل في النفير ليعلن قيام يوم البعث و الحساب أي يوم القيامة حيث تبعث جميع المخلوقات من جديد .. تبدأ الفرقه الموسيقية في العزف مع الناي في توافق بديع .. الآلات المستخدمة في الفرقة عديدة و مختلفة :

الكودوم وهي طبول صغيره تشبه البونجز . و تعزف باستخدام عصي - خشبيه مزخرفه

عود شرقي - آله تشبه العود ذات صندوق أكبر و أربعة أوتار -

نايان أحدهما يشبه الناي الشرقي المعتاد .. و الآخر يشبه الفلوت الغربي وان كان خشبيا

دف و قانون

الطنبور وهو اله وتريه تستخدم في إنتاج الكوردات المصاحبة

الة بزق كبيرة الحجم

كيمنسيه وهي اله تشبه الربابه المصريه

على اي حال ينتهي ارتجال الناي و يبدأ البشرف و البشرف هي مقطوعه احتفاليه على مقام الحجاز .. تعزف على قالب إيقاعي مكون من 28 دقه و مع أول دقه يسجد الشيخ و الراقصون و يضربون الأرض بأيديهم ثم ينهضوا ليوضحوا أن كل شيء خاضع لأمر الله و يشيرون أيضا إلى بعث الموتى من قبورهم يوم الحساب .. يتوالى عزف البشرف بينما يقوم الشيخ و يتبعه الراقصون بأداء دورة السلطان فيليدو الدورة تتكون أساسا من ثلاث طوافات حول الساحة .. يطوف الشيخ و وراءه صف الراقصين .. يبدأ الطواف من الطرف الأقصى المقابل للمركز الأحمر , يتحرك الشيخ جهة المركز .. و ينحني تحيةً عند وصوله .. ثم يعبر خط الاستواء ليواجه صف العازفين .. ينحني برأسه انحناءة خفيفة بينما ينحني له كل العازفين برؤوسهم .. ثم يطوف الراقصين ثلاث مرات حول الباحه .. بينما يحيي كلا منهم زميله التالي بانحنائه بسيطة .. يرمز الطواف ثلاث مرات إلى الترفع عن العالم المادي أملا في الوصول إلى العالم الروحاني و يرمز طوافهم ثلاث مرات إلى مستويات المعرفة الثلاث التي تأتي في الصوفية و هي : الدراية و الرؤية و التحقيق .. يرمز اتباع الراقصين للشيخ إلى الطريقة المثلى لإدراك الحقيقة و هي إتباع مرشد روحاني يعرف الطريق أثناء الطواف .. يضع الراقصون أيديهم اليمنى تحت عباءاتهم فوق قلوبهم كدليل على الخشوع و الرضى و ترمز التحية إلى تحية الروح للروح .. بعيدا عن الجسد المادي الفاني ، تتم الثلاث دورات و ينتهي عزف البشرف و دورة السلطان فيليد .. يبدأ بعدها الاحتفال الموسيقي .. بما يدعى السلام الأول يتراص الراقصون بعد الطواف في صف واحد بديلا عن القوس .. جميعهم في وضع التواضع الأول ثم يقومون مع بداية الموسيقى بخلع عباءاتهم السوداء مما يرمز للميلاد الروحي و توحي هيأتهم أثناء الخشوع بالرقم واحد مشيرين إلى وحدانية الله .. يتجه قائد الرقص .. وهو رجل متوسط العمر نحو الشيخ الجالس في المركز .. ليطلب منه الأذن لبداية السيما .. و بموافقة الشيخ يقوم الراقصون واحدا تلو الآخر بالمرور لتقبيل يده اليمنى و في المقابل يقوم الشيخ بتقبيل قبعاتهم الطويلة كنوع من رد التحية تبدأ السيماهان الحقيقية هنا .. و يبدأ كل راقص بعد تقبيل يد الشيخ .. في الدوران حول نفسه لتبدأ أكثر مظاهر الاحتفال شهره و شعبية على الإطلاق موسيقى هذا السلام احتفاليه راقصه و إن كانت لا تخرج عن روح الصوفية الطاغية على المكان .. تذكرني وهي تنتقل بين الراست و الحجاز و أحيانا الصبا بالموسيقى التركية المصريه القديمة .. و لكن بروحانية عالية .. الرقص الدوراني الصوفي .. ليس دورانا اعتباطيا .. أو فطريا بأي حال من الأحوال يسبق الرقص .. صيام واجب لعدة ساعات لمنع الشعور بالغثيان من جراء سرعة الدوران .. يعتمد تكنيك الدوران أساسا على اعتماد القدم اليسرى بمثابة دعامة أو مرساه يدور حولها الجسم كله طوال مده الاحتفال و تكون القدم اليمنى بمثابة المحرك الدافع ، و فائده الارتكاز حول القدم اليسرى هو منع الجسم من السقوط أثناء الرقص في حالة الدوار .. عن طريق التركيز فقط على شد عضلات القدم اليسرى عند الشعور باختلال التوازن كما شرح لي احد الراقصين بعد العرض .. عموما تزداد سرعة الراقصين تدريجيا .. و يتحركون في اتجاه العمق مفسحين لغيرهم .. ممن انتهوا للتو من تقبيل يد الشيخ المجال لإكمال القوس وبدء دورانهم الخاص .. بينما يتجول قائد الرقص بينهم ليقوم بتوجيههم عند اشتراك كل الراقصين في تكوين القوس يثبت كلا منهم في مكانه دائرا حول ذاته .. رافعا كفه اليمنى عاليا و أبهامه الأيسر في مستوى عينيه و يوحي ذلك الوضع بسيادة عدل الله .. يكون الدوران عكس اتجاه عقارب الساعة .. وعموما تكون سرعة الدوران بطيئة نسبيا لمدة 15 دقيقه أو ما إلى ذلك .. يبدأ بعدها الراقص في زيادة سرعته إلى حد معين , و تثبيتها لمدة 30 دقيقه أو نحوها يبدأ بعدها الراقص في تخفيض سرعته تدريجيا خلال 15 دقيقه أخرى ضرورية .. و تزداد مدة تخفيض السرعة بازدياد مدة الدوران فقط لمحاولة تكييف جهاز الاتزان المعقد على سرعة الجسم و منع سقوطه أو حتى ظهور أعراض أخرى كالغثيان أو الدوار أو أي ظواهر بصرية أخرى غير مرغوبة .. أحيانا يلي الدوران طقوس أخرى لا تحدث في السيماهان .. هذه الطقوس تتضمن السقوط أرضا و النوم على البطون و ملامسة سرة الراقص العارية بالأرض .. في وضعيه تمثل الجنين في بطن الأم و اتصاله بالتراب .. يستقر الراقص على هذه الوضعية لمدة 15 دقيقه أخرى بينما تعزف موسيقي صوفية سماوية مختلفة .. حيث يقف كل راقص أمام الشيخ لينحني احتراما ثم يعود إلى موقعه الأول في وضع التواضع ليكونوا صفا في مواجهة المشاهد .. و عند انتهاء آخر راقص .. يعود الشيخ مره أخرى إلى المركز الأحمر ليبدأ فورا السلام الثاني .. بنهاية موسيقى السلام الأول , يبدأ السلام الثاني وهو عبارة عن قالب إيقاعي مكون من 9 دقات وهو أكثر بطئا من موسيقى السلام الأول .. و يدفع هذا التغيير الإيقاعي المستمع إلى التأمل .. ثم يبدأ الراقصون في الدوران بنفس المنهج السابق .. عندما تتوقف الموسيقى .. يتوقف الراقصون عن الدوران و يقفون على هيئه مجموعات ثنائيه و ثلاثية ملتصقة الأكتاف ليأخذوا و ضع الخشوع مره أخرى تتكرر نفس أحداث السلام الأول .. لكن دون تقبيل يد الشيخ .. فقط الاكتفاء بالانحناء البسيط . عند المرور أمامه يشير السلام الثاني من السيما إلى درجة الوصول للسبيل الداخلي في الصوفية - الطريقة - وهي أن يصل الإنسان لحاله من الرهبة و التعجب من قدرة الله الخارقة في مشاهدة عظمة وتآلف خلقه .. ينتهي السلام الثاني ليبدأ فورا السلام الثالث .. و ما ينبهنا لبدايته في الحقيقة هو اختلاف القالب الإيقاعي المستخدم .. ثلات قوالب ذات سرعات متزادية الأولى على 28 دقه و الثانية على إيقاع 10 دقات و أخيرا الثالثة على ايقاع من 6 دقات .. في نهاية الدقات الست الأخيرة تتصاعد شده الإيقاع تدريجيا و يرتفع صوت الموسيقى و يبدأ الراقصون في الدوران كما في السلامين الأولين .. و لكن بشده اكبر .. يمثل السلام الثالث التحول من خشية الله والتزام أوامره خوفا أو طمعا إلى الحب و التضحية في سبيل هذا الحب .. وهو ما يطلق عليه التوحد الكامل مع الله و الذوبان معه .. نيرفانا صوفية بمعنى آخر .. الهدف الرئيسي هو الوصول إلى الفناء التام في سبيل الله , وهي أعلى مراتب الإيمان به .. تستطيع في هذا الجزء أن تشعر بروحك ترقص معهم .. وان تشعر بإيمان عظيم يطغي على الساحة أو المسرح وقد يحدث أن تقتنع كليا في هذه المرحلة أن العازفين و الراقصين بل و الشيخ نفسه قد وصلوا جميعا إلى الإيمان الكامل و القناعة المطلقة بعدل الله ووجوده وان أدائهم ما هو إلا تعبير عن هذا الحب أمام الناس فحسب وقد لا يخامرك ولو للحظه شعور المتفرج الذي يتابع فرقه شعبيه .. يبدأ بعد ذلك إبطاء ايقاعات الكودوم ايذانا ببدء السلام الرابع .. سرعة هذه الموسيقى بطيئة جدا .. ومحبطه للغاية إذا صح التعبير .. و كأننا انتقلنا فجأة من عالم خيالي ساحر و اصطدمنا بالواقع ثانية .. يبدأ الراقصون بالدوران و لكن بسرعات اقل .. و حماس أكثر فتورا .. يدورون في أماكنهم و يشاركهم الشيخ و معلم الرقص الدوران و لكن دون نزع ردائهما الأسود .. حيث يمسكان ردائهما بيدهما اليسرى و ياقتهما البيضاء بيدهما اليمنى .. يمثل هذا السلام أعلى مراتب الإسلام وهي المعرفة و به تكتمل الرحلة الروحانية التي بدأت بالنات .. إذ يصل الإنسان عن طريق القناعة التامة بما قدر له و الإيمان بمهمته التي خلق لها وهي خدمة الذات الإلهية في نهاية السلام يقوم العازفين بعزف البشرف الأخير وهي موسيقى شديدة الشفافية و البطء ترسخ مفهوم الإحباط في العالم المادي بعد الرحلة السماوية الرائعة و المتعبة في آن تنتهي الموسيقى عندما يعود الشيخ إلى المركز الأحمر من جديد و يسود صمت ثقيل على السيماهان .. يقطعه صوت ملائكي يقرأ الآيه 115 من سورة البقره "َ لله المشرق و المغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم " قد تكون قليلة هي اللحظات التي ينجح فيها أي قارىء للقرآن في إيصالك إلى القشعريرة سيفعلها قارىء المولوية في دار الأوبرا الفخمة .. ليقودك للثمالة الروحية , يساعده في هذا ما سبقه من مقدمات .. ينتهي المنشد و يقرا الجميع سورة الفاتحة .. ثم يقف الشيخ و الدراويش ليقرأوا دعاءً باللغة الفارسية يسمى - جولانكي مولوي - و يتم ذكر جميع الأنبياء و أولياء الله الصالحين و الصديقين في هذا الدعاء .. و الانحناء عند ذكر أسمائهم .. يقرأون سورة الفاتحة مره أخرى .. في النهاية ينطق الدراويش و الموسيقيون بكلمة "هو " بصوت يرج القاعة ثم ينحني الجميع في هدوء و سكينه .. ينتهي هنا العرض ..

لمحة أخيرة عن تاريخ المولوية : الدراويش المولوية هي احد اشهر الفرق الصوفية في العالم - إن لم تكن اشهرها على الإطلاق - أسست أصلا بواسطة أتباع الإمام جلال الدين محمد الرومي وبالتحديد ابنه " سلطان فيليد شليبي " حوالي العام 1237 للميلاد في كونيا / كونيه بانطاليا / تركيا ، المولويه " نسبة الى مولانا جلال الدين الرومي " تحمل اغلبيه صفات الطرق الصوفيه المختلفه .. الفقر و التقشف و البحث عن التوحد و الجمال و الاندماج في الذات الالهيه .. في عصر الدوله العثمانيه ذاعت المولويه كطريقه صوفيه مبجله .. و انتجت في عصر ازدهارها ذاك العديد من القصائد و المدائح و الموسيقى و الموسيقيين العظام .. كان السبب الرئيسي لهذا هو ترقى العديد من رجالها في سلك خدمة الخليفة في اسطانبول مما ضمن لها رعاية خاصة واهتماما كبيرا من اكبر أقطاب الدولة و رجالاتها كان مقر المولويه في كونيه " حيث دفن جلال الدين " مركزا حقيقيا للطرق الصوفية التركية ولحركة التصوف بشكل عام و كان لتلك المدينة الداخلية القريبة من اسبرطة الفضل الأكبر في انتقال الرقص الصوفي إلى مصر و سوريا و البلقان و غيرها من البلاد الإسلامية ، في ثلاثينات القرن الماضي و كنتيجه لثورة أتاتورك العلمانية في تركيا .. الغيت أوقاف المولويه .. واعتبرت أي من أنشطتها مخالفا للقانون و مجرَما و نتيجة لذلك اختفت العديد من أنشطتها و قل عدد ممارسيها حتى أوشكت على الاختفاء في صفحات التاريخ .. في خمسينات القرن الماضي .. أدركت الدولة أهمية المولويه كعامل جذب سياحي و سمح لهم بتقديم عروضهم من جديد لاول مره في السابع عشر من ديسمبر عام 1955 وهو التاريخ الذي يوافق الذكرى السنوية لوفاة جلال الدين الرومي .

يونيو 24، 2009

تاريخ الأرض الفلسطينية


تاريخ و جغرافيا قضاء الناصرة
" الجزء الأول "

منها ظهر النبي يونس، وفيها قام السيد المسيح ببعض معجزاته، وضم ترابها الصحابي " دحية الكلبي ابن عامر " وغيره من المجاهدين والأبطال.

القسم الشمالي من بلاد الناصرة

كَوْكب

بفتح أوله وثالثه، بينهما واو وباء في آخره، على لفظ الواحد من الكواكب، قرية كوكب هذه آخر أعمال الناصرة من الشمال، تقع في شمال " كفر منده " وتعلو 400 متر عن سطح البحر. مساحتها عشرة دونمات. وكثيراً ما تذكر باسم " كوكب أبو الهيجا " نسبة إلى الشيخ أبو الهيجا المدفون في شمالها.
والأرجح أن قرية كوكب بنيت على موقع " كوكبا " الرومانية. ويذكرنا اسمها بقرية " كوكبا " من أعمال غزة التي دمرها اليهود و بـ " خربة كواكب " الأثرية في قضاء جنين.
ولـ " كوكب " الناصرية أراض مساحتها 18674 دونماً. منها 3 للطرق والوديان ، ولا يملك اليهود فيها أي شبر ، وقد غرس الزيتون في 213 دونماً. وتحيط بالأراضي المذكورة ، أراضي قرى سخنين وكفر منده ومعار وتمرة " من أعمال عكا "
كان في كوكب في عام 1912م 246 مسلماً. وفي عام 1922م 222 و في عام 1931 بلغوا 285: 141 ذكور. و144 إناث مسلمون، لهم 57 بيتاً. وفي عام 1945 ارتفع عددهم إلى 490.
وفي الإحصاءات التي أصدرها الأعداء كان في كوكب في 8/11/1948 م 478 عربياً. وفي 31/12/1948م 457. وفي 1/1/1961 ارتفع عددهم إلى 690 شخصا .
#
كفر منده

لم نهتد لمعرفة " مَنده " الذي نسبت إليه القرية .
تقع في الجنوب من كوكب وعلى الطرف الشمالي من سهل البطوف. تبعد عن صفورية نحو 9 كم باتجاه الشمال. ترتفع 170 متراً عن سطح البحر. مساحتها 47 دونما .
تقوم كفر منده على البقعة التي كانت تقوم عليها " كفر منداه " في أيام الرومان. ذكرها صاحب معجم البلدان 4: 471 بأنها " قرية بين عكا وطبرية والأردن " وقد وهم في قوله أنها " مَدْين "
وينسب إلى كفر منده الفقيه الحنفي " زين العابدين ". قال عنه صاحب خلاصة الأثر 2:199 ما يأتي: " كان من فضلاء زمانه، قدم دمشق في عنفوان عمره، واشتغل بها على علماء ذلك العصر وحصل فضلاً باهراً. ثم رحل إلى بلدته صفد و أقام بها، وولي إفتاء الحنفية مدة ودرّس وأفاد واشتهر صيته، وكان ذا همة عالية ومكارم أخلاق، واصله من قرية كفر منده من ضواحي صفد. وكانت وفاته في سنة أربعين و ألف تقريبا "
تبلغ مساحة أراضي كفر منده : 14935 دونماً منها 11 للطرق ، ولا يملك اليهود فيها شيئاً ، غرس الزيتون في 585 دونماً. وتحيط بأراضي هذه القرية أراضي قرى كوكب وسخنين وصفورية وعبلين وتمرة "عكا "
كان في كفر منده في عام 1912م 321 مسلماً وفي عام 1922م بلغوا 428 نسمة وفي عام 1931م كان عددهم، بما فيهم عرب الحجيرات 975 مسلماً ـ 490 ذكور و485 إناث ـ لهم 187 بيتاً. وفي عام 1945م ارتفع عددهم إلى 1260 .
وفي إحصاءات الأعداء كان بها في 8/11/1948م 1242 عربياً وفي 31/11/1949م بلغوا 1262. وفي نهاية عام 1961 ارتفع العدد إلى 2060 .
كان لكفر منده في العهد البريطاني الغاشم مدرسة ، اعلي صفوفها في عام 1942 ـ 1943 المدرسي الرابع الابتدائي وتحتوي القرية على " بقايا قديمة، قطع معمارية ، نواويس بالقرب من العين ، وقطع أعمدة وتيجان أعمدة "
و تقع الخرب الآتية في جوار كفر منده :-
( 1 ) خربة قانا : " قانا " كلمة سريانية بمعنى العش، وتقع هذه الخربة في الشمال الشرقي من القرية، مرتفعة 200 متر عن سطح البحر. تحتوي على " هضبة من الأنقاض وآثار جدران ، صهاريج ، وشقف فخار " . وكانت خربة قانا عامرة في العهد الروماني تحمل اسم : قانا ، و" قانا " أيضا قرية على بعد 14 كم من صور في لبنان .
( 2 ) خربة اللون : في ظاهر كفر منده الجنوبي الغربي، كانت تقوم على بقعتها قرية " اسوخيس " الرومانية. ونسب إليها في العهد المذكور " سهل البطوف " وسُمّي بسهل اسوخيس .
( 3 ) خربة جفات أو " خربة شيفات " : بين " خربة قانا " وقرية كوكب وتقع " صفورية " في جنوبها على بعد سبعة أميال. وبالقرب منها أقام الأعداء مستعمرتهم " يودفات ". كانت تقوم على خربة شيفات قرية " يوتاباتا " الرومانية المحصنة. ولعلها تحريف " يُطبات " بمعنى الطيبة
وتحتوي خربة جفات على " آثارات أبنية وجدران متهدمة، صهاريج، مغر لها سلم، نحت في الصخر، خزان " .
#
رُمّانة

على لفظ الثمرة المعروفة، تقع على طرف سهل البطوف الجنوبي. تقع الناصرة في جنوبها على مدى نحو عشرة كيلومترات، لعلها تقوم على بقعة " بِمّون " ، بمعنى رمان ، الكنعانية. وبقيت تحمل نفس الاسم في العهد الروماني، وفي العهد العربي عرفت باسمها الحالي، قرية صغيرة مساحتها خمسة دونمات ويذكرنا اسمها بسميتها من أعمال جنين و بـ (رمون) من أعمال رام الله.
مساحة أراضي رمانة 1493 دونماً، منها 8 للطرق والوديان وجميعها ملك لأهلها، غرس الزيتون في 28 دونماً. وتحيط بأراضيها، أراضي قرى " صفورية ومشهد و عزير و طرعان وسخنين ". وتعتبر " عزير " أقرب قرية لها .
كان في رمانة في عام 1912م 45 مسلماً. وفي عام 1922م 37 نفراً وفي عام 1931م ارتفع عددهم إلى 197 ـ 89 ذ. و108 ث ـ مسلمون، وذلك بما فيهم عرب الهيب وعرب الحجيرات. وللجميع 36 بيتاً. وفي عام 1945 كانونا 590 مسلماً.
وفي إحصاءات المغتصبين كان في رمانة في 8/12/1948 م 11: من العرب وفي 31/12/1949 انخفض عددهم إلى 97. وفي عام 1961 بلغوا 120 .
تقع خربة " الرومة " في ظاهر قرية رمانة الشمالي الغربي. كانت تقوم عليها قرية " روما " الرومانية وذكرها ياقوت في المشترك، ص 226 " رومة : من قرى فلسطين ". وفي هذه الخربة " أنقاض مبان، وحجارة أبنية متساقطة وصهاريج ، نواويس ، شقف أعمدة ، تاج عمود ". والأرجح أن " رومة " تحريف لـ " راوما " السريانية بمعنى العالي والمرتفع .
#
العُزَير

لم اهتد لمعرفة " عزير" الذي نسبت إليه هذه القرية الصغيرة " سبعة دونمات ". تقوم العزير على الطرف الجنوبي من سهل " البطوف " بين قريتي رمانة و" البُعَينة ". ترتفع 200 متر عن سطح البحر. ذكرتها المصادر الإفرنجية باسم " كفر عزير " ، و لقرية العزير أراض مساحتها 776 دونماً جميعها ملك لأهلها. وقد خصص دونمان للطرق والوديان ، غرس الزيتون في 65 دونماً. وتحيط بأراضي القرية أراضي قرى عرابة البطوف وطرعان ورمانة وسخنين. و تعتبر " رمانة " اقرب قرية لها .
كان في الغزير في عام 1912م 65 مسلماً، وفي عام 1922م كانوا 70 نسمة وفي سنة 1931م ارتفع عددهم إلى 88 مسلماً ـ 48 ذكور و40 إناث ـ ولهم 15 بيتاً وفي عام 1945 بلغوا 150 مسلماً، وذكر الأعداء انه في كان في القرية المذكورة في 31 ـ 12 ـ 1949م 198 نسمة .
#
ألبعينة

تقع على سفح جبل طرعان الشمالي وعلى حافة سهل البطوف الجنوبي. ترتفع 300 متر عن سطح البحر. مساحتها 30 دونماً. العزير اقرب قرية لها .
و" ألبعينة " تصغير كلمة " بعنة " الآرامية ، بمعنى " بيت الغنم والضأن " ، على الطريقة العربية. ويذكرنا اسمها بقرية " البعنة " من أعمال عكا .
لقرية ألبعينة أراض مساحتها 9214 دونماً منها 3 للطرق والوديان و115 دونماً من أملاك اليهود. غرس الزيتون في 672 دونماً. تحيط بأراضي القرية أراضي " عرابة البطوف ونمرين وطرعان .
كان يقطن ألبعينة في عام 1912م 162 مسلماً . وفي عام 1922م بلغوا 212. وفي عام 1931 وصل عددهم إلى 349 نسمة ـ بما فيهم عرب المحيدث ـ 164 ذ. و185 ث. ـ مسلمون، بينهم يهوديان ولهم 67 بيتاً. وفي عام 1945 ارتفع عددهم إلى 540 مسلماً .
وفي إحصاءات الأعداء كان سكان ألبعينة في 8 ـ 11 ـ 1948م 693 عربياً وفي 31 ـ 12 ـ 1949 انخفض العدد إلى 569. وفي نهاية عام 1960 بلغ عدد قاطني القرية 750 نفراً.
وتحتوي قرية ألبعينة على " عقد، ومدافن ، وبركة منقورة في الصخر، جامع ، وكنيسة قديمة .
#
طُرعان

بضم أوله وسكون ثانيه . تقع بين الجبل والسهل المنسوبين إليها، ففي شمالها جبلها الممتد إلى ألبعينة و العزير و في جنوبها سهلها الخصب الذي يتصل بسهل البطوف عند رمانة .
تبعد طرعان عن الناصرة نحو 13 كم باتجاه الشمال الشرقي. تعلو 226 متراً عن سطح البحر، مساحتها 34 دونماً. الشجرة اقرب قرية لها.
يرجح أن طرعان هذه تقوم على البقعة التي كانت عليها " طرعان " الرومانية. لعلها تحريف " طارانة " السريانية بمعنى " الصوان ".
تبلغ مساحة أراضي هذه القرية 743ر29 دونما، منها 617 للطرق والوديان، وليس لليهود فيها أي شبر، وتحيط بالأراضي المذكورة، أراضي قرى " لوبيا ونمرين و ألبعينة و العزير ورمانة ومشهد وكفر كنّا والشجرة ". غرس الزيتون في 1410 دونمات فهي بذلك ثانية قرى القضاء غرساً له .
بلغ عدد ساكني طرعان في عام 1912م 713 عربياً بينهم 486 مسلماً و227 مسيحياً ـ 170 كاثوليك و57 روم وفي عام 1922م كانوا 768 شخصاً، ارتفع عددهم في عام 1931 إلى 961 شخصاً ، ولهم 188 بيتاً
و في عام 1945 كانوا 1350 عربياً بينهم 350 مسيحياً والباقي مسلمون و في إحصاءات العدو ذكر أنه كان فيها في 8 ـ 11 ـ 1948م 1268 عربياً وفي 31 ـ 12 ـ 1949م 1444 نسمة. وفي عام 1961م زاد عددهم بحيث أصبح 2200 ، و كان أعلى صف في مدرسة طرعان في عام 1942 ـ 1943 المدرسي السادس الابتدائي .
وطرعان موقع أثري يحتوي على " بعض حجارة أبنية قديمة ، مغر ، صهاريج منقورة في الصخر، مدافن ، بئر مبنية إلى الشمال .
ومن حوادث طرعان وناحيتها مع الأعداء ، المعركة التي حدثت في 3 ـ 8 ـ 1938. رابط المجاهدون بقيادة الشيخ سليمان داود من كفر كنّا بين قريتي طرعان وكفر كنا بعد أن سدوا الطريق بالحجارة الكبيرة الضخمة. و عندما وصلت دورية بريطانية إلى الطريق المسدود نزل عدد من جنودها لإبعاد الحجارة وإفساح الطريق لسياراتها بالسير. فانهال عليهم الرصاص من كل جانب وطلبوا النجدة باللاسلكي. فحضرت على الفور ثلاث طائرات ، وأخذت جنود عديدة تتجه نحو ساحة المعركة من طبرية والناصرة. ألقت الطائرات قنابلها على الثوار واشتبكت الجنود مع النجدات العربية الآتية من عين ماهل وعرب الصُبيح وغيرها .
وقد أبلى المجاهدون بلاءً حسناً في هذه المعركة وفي مقدمتهم عرب الصبيح. وقد استشهد في هذه المعركة 16 شهيداً من قنابل الطائرات وبلت خسائر الإنكليز أكثر من 30 قتيلا .
#
كفر كنّا

تقع في الشمال الشرقي من الناصرة ، على بعد 6 كم. تقوم على ارتفاع 250 ـ 275 متراً عن سطح البحر. مساحتها 58 دونماً. و تعتبر قرية " المشهد " اقرب قرية لها .
يعتقد أن " عت قاصين " العربية الكنعانية هي موقع قرية كفر كنا الحالية
ذهب جماعة من أهل البحث إلى أن هذه القرية تقوم على بقعة " قانا الجليل " المذكورة في العهد الجديد ، و" قانا الجليل " هي المكان الذي تذكر التقاليد المسيحية أن المسيح عليه السلام صنع فيها معجزتين من معجزاته. الأولى تحويله الماء إلى خمر . والثانية شفائه عن بعد ابن خادم الحاكم أو الملك المريض في كفر ناحوم . و في كنيسة الروم في كفر كنا جرّة يعرضونها على السياح ويزعمون أنها استعملت في عجيبة تحويل الماء خمراً .
مر بقرية كفر كنا " ناصر خسرو " في زيارته لفلسطين في نحو عام 438هـ: 1947م. ذكرها بقوله : " سرت بعد ذلك إلى قرية تسمى " كفر كنا " بجانبها تل بنيت على قمته صومعة جميلة بها قبر النبي يونس. وعليها باب متين بقربه بئر ماؤها عذب " ، وكتب عنها صاحب معجم البلدان ، 4 : 470 ما يأتي : " بفتح الكاف وتشديد النون ، بلد بفلسطين و بها مقام ليونس النبي عليه السلام وقبر لأبيه ". وفي " نخبة الدهر في عجائب البر والبحر " : " ومن أعمال طبرية كفر كنا وهي قرية كبيرة بها مقدمو العشائر ورؤساء الفتن والهوى يسمون قيس الحمراء " .
مر بكفر كنا بيركهارت في صيف عام 1812م ، قال عنها : " قرية نظيفة وفيها نبع غزير المياه محاط بمزارع الزيتون والأشجار المثمرة الأخرى وأكثر سكانها مسيحيون كاثوليك. وهذه هي قانا التي يذكرها الإنجيل بسبب المعجزة التي تمت في حفلة العرس ، ويظهر البيت الذي قام فيه بهذه المعجزة . استرحنا تحت شجرة تين ضخمة أظلت من الشمس 12 رجلاً ومثل عددهم من الخيل والبغال " .
وينسب إلى كفر كنّا :-
( 1 ) شهاب الدين أحمد المشهور بزعبوب الشافعي: توفي بكفر كنا في رمضان من عام 885هـ .
( 2 ) خليل الغرس الكناوي نسبة إلى كفر كنا ، الدمشقي الشافعي : تولى مشيخة الإقراء بجامع بني أمية. من علماء القرن التاسع الهجري .
( 3 ) عبد الله بن عمر بن سليمان بن عمر بن نصر الكناوي الصفدي الشافعي : ذكره صاحب الكواكب السائرة بقوله : " كان عالماً مؤثراً للصمت والعزلة عن الناس . لا يحضر مجالسهم إلا لحضور الصلاة والجنائز ونحو ذلك ، وللتدريس وقراءة صحيح البخاري على كرسي بصوت حسن ونغمة طيبة ، وترتيل وتأدية وحضور قلب وسكون جوارح ، وكان يقرر معاني الأحاديث لمن يحضر مجلسه . وكان إماما بالمسجد الذي يجري إليه الماء خارج كفركنا وكان يفتي أهل تلك البلاد ، ويقرئ الطلبة بها في الفقه والفرائض والحديث ولنحو ومكث على ذلك قريباً من خمسين سنة وكان صوته في القراءة لطيفاً " وكانت وفاة الشيخ عبد الله ببلدة كفر كنا سنة 912هـ .
و من حوادث كفر كنا في العهد البريطاني اللعين هجوم اليهود عليها في نحو منتصف كانون الثاني من عام1948. ولكن مجاهديها تمكنوا من صدهم وتعقبوهم حتى مستعمرة «الشجرة» وقد غنم الجاهدون بعض الغنائم في معركتهم هذه .
و كفر كنا أراض مساحتها 19455 دونماً منها 126 للطرق والوديان، وجميعها ملك لأهلها. تحيط بهذه الأراضي، أراضي قرى طرعان وعرب الصبيح والمشهد وعين ماهل وقضاء طبرية. غرس الزيتون في 1100 دونم. قال صاحب شجرة الزيتون : " ولقد اشتهرت كفر كنا دون قرى القضاء بزيتها الفاخر وذلك راجع إلى أن قسماً كبيراً من أشجارها من النوع المعروف بالملليصي، ومنه يستخرج أحسن زيت للأكل في فلسطين. و فوق ذلك فإن في هذه القرية ، على قلة مساحة الزيتون فيها ، ثلاث معاصر ميكانيكية . وهذا يدل على شدة اهتمام أهلها بتقدم صناعة استخراج الزيت وبعنايتهم الكبيرة . كان في كفر كنا في عام 1912م 548 مسلماً و612 مسيحيا
و في عام 1922 بلغ عدد المتوطنين في كفر كنا 1175 نسمة. وفي عام 1931 ارتفع العدد إلى 1378 نسمة ولهم 266 بيتاً. و في عام 1945 كان عددهم 1930 عربياً بينهم 1320 مسلماً و610 من المسيحيين .
و في إحصاءات الأعداء كان في بها 8 ـ 11 ـ 1948 2328 نفراً في 31 ـ 12 ـ 1949م 2478 شخصاً وفي عام 1965 ارتفع العدد إلى 4140 شخصاً.
و كان أعلى صف في مدرسة كفر كنا في عام 1942 ـ 1943 المدرسي الخامس الابتدائي
تحتوي كفر كنا على " آثار كنيسة من العصور الوسطى، قطع معمارية، أعمدة، مدفن منقور في الصخر، إلى الغرب بقايا بناء بقرب الدير .
تقع خربة " كنّا " في ظاهر كفر كنا. كانت تقوم عليها قرية " جريس " في العهد الروماني. تحتوي الخربة على أساسات وصهاريج عديدة منقورة في الصخر .
#
المشهد

المشهد : الحضور وما يشاهد، ومعناها أيضاً المجتمع من الناس. وهي هنا بهذا المعنى. ومنه قيل : مشهد سيدنا الحسين في "مجدل عسقلان " وغيره . والجمع مشاهد .
قريتنا هذه تبعد عن الناصرة نحو ثلاثة أميال باتجاه الشمال الشرقي وتجاورها من الغرب صفورية " نحو ميلين ". مساحتها 54 دونماً. وتعتبر كفر كنا أقرب قرية لها .
يرجح إن " خربة الزرّاع " ، للجنوب الغربي من قرية المشهد، تقوم على البقعة التي كانت تقوم عليها مدينة " جت حافر " ، بمعنى معصرة البئر أو الحفرة الكنعانية. وذكر أن النبي يونس ولد في هذه البلدة الكنعانية. وفي العهد الروماني عرفت باسم " جت بوفير "
والمعروف انه في الزلزلة التي حدثت في عام 1837م لم يبق في المشهد بيت قائم .
و لقرية المشهد أراض مساحتها 11067 دونماً، جميعها ملك لأهلها، منها 25 دونماً للطرق والوديان، غرس الزيتون في 365 دونماً. وتحيط بهذه الأراضي قرى : عين ماهل، و الرينة ، وكفر كنا، ورمانة وصفورية وطرعان .
بلغ عدد ساكني المشهد في عام 1912م 403 نسمة من المسلمين وفي عام 1922م انخفض عددهم إلى 356، وفي عام 1931م ارتفع العدد إلى 478 ـ 212 ذكور ، 275 إناث و بينهم مسيحي واحد ولهم 111 بيتاً. و في عام 1945 كان تعدادهم 660 مسلما .
وفي إحصاءات الأعداء كان في المشهد في 8 ـ 11 ـ 1948م 823 وفي 31 ـ 12 ـ 1949م 807 وفي عام 1961 بلغوا 1265 ، وتحتوي المشهد على " تل أنقاض ، مدافن منقورة في الصخر " .

يونيو 22، 2009

فطرة الشعور التشكيلي




أدهم وائلي
فنان تشكيلي مصري مرهف الحس والشعور كان لايرسم إلا عن إيمان واقتناع ولم يتجه أبداً إلى اللاتشخيصية بل إنه كان يقف من الأساليب التجريدية والمذاهب المعاصرة في الفن موقف المتحفظ . ولد إبراهيم أدهم وانلي في قصر " عرفان باشا " بمحرم بك بالإسكندرية يوم 25 فبراير 1908 بعد عامين من مولد أخيه الأكبر الفنان سيف وانلي .
كان كل شيء في منزله يوحي بالثراء والجمال والفن فبه حديقة غناء ومكتبة كبيرة تضم مراجع بالفرنسية عن حروب " نابليون " وأشعار " لامارتين " وكتب مزينة برسوم الفن الإيراني وعلى الجدران لوحات بالخط العربي والفارسي .



في أكتوبر عام 1929 وصلهم خطاب من البروفيسور " بيكي " يعلن اعتزامه المجيء إلى مصر والإقامة بمدينة الإسكندرية لكي يفتتح مرسماً يستقبل فيه الطلاب ، فكانا أول تلميذين ينتظمان في مرسم الفنان " أتورينو بيكي " يوم افتتاحه في 9 أكتوبر عام 1930 ، ظل الأخوان " وانلي " أربع سنوات متتالية في مرسم الفنان " أتورينو بيكي " الذي لم يعاملهما كطلبة وإنما كأصدقاء وكان يتحدث معهما بعد فترة الرسم عن تاريخ الفن وأشهر اللوحات العالمية كان " بيكي " يفتخر بهم بين فناني الإسكندرية ، وقد ترك " بيكي " الإسكندرية عام 1934 ، وفي حفل الوداع أعلن للأخوين وزميلهما " أحمد فهمي " الذي كان قد انضم إليهما لدراسة هذا الفن أنهم يستطيعون أن يشقوا طريقهم كفنانين .



أدهم وانلي فنان تشكيلي ذو منهج متميز يعتمد على الأحاسيس و المشاعر بدلا عن الرؤية المباشرة ، جمعت لوحاته بين اكتشافات الانطباعية و الرومانسية و حب الطبيعة فنان من وديان الصمت .



يصعب الحديث عن الفنان ادهم وانلي دون ذكر شقيقه الاكبرسيف وانلي الذى وصفه الدكتور نعيم عطيه في كتابه العين العاشقة بفنان الاسكندريه .



في قصره كان يحكي الجد للحفيدين سيف وانلي 1906 وادهم وانلي 1908 الحواديت ، وعلي شاطئ الاسكندريه الجميل يفرح الصبيان بالافق البعيد ويتأملان الصخور بخيالهما حين تتشكل أشكال حيوانات ، غزال واسد وبقرة ، ويتحول لون الصخور الاخضر الغامق ليصبح بنيا ، ويحتضن السحاب عيون الصغير ادهم فيرى فيه اشكالا تتراقص وخيول تجرى ومعارك صاخبه .



واقتصادا في المصاريف تنتقل الاسرة منطقة محرم بك بالقرب من ترعة المحمودية حيث المساحات الخضراء ولون الترعة البني وما فيها من طين وسمك وصوت ناى ، ورجل يجر مركبا بحبل والصغيران يرصدان صورا بصرية بالمدرسة والحارة ورواد المقاهي بشارع البير ، واول من باع لهما الالوان أو بعبارة أصح بقايا ألوان كان يستعملها فنان استرالي .



تعلم الفن بتلقائية وعصامية فلا توجد نقود ويجب أن يعلم من كان مفلسا مثلهما نفسه بنفسه ، العزيمه تروى سطح القماش والحزن في القلب كرة ثقيلة ، صنوف الحرمان لا اخر لها ، وعندما تخرج لوحات الاخوين الي المعارض و تلفت انظار المشترين تحاك المؤامرات ضد الاخوين ويشاع انهما لايبيعان ما يرسمانه ، وتظل اللوحات تتراكم في المرسم دون مشتر ، بينما الحلم يتجدد كل يوم في أن يأتي مشتر غدا وعندما يتحمس لأعمالهما احد النقاد في جريدة يتهم بأنه يتقاضى نقودا من الاخوين لقاء دعايته لهما ومن اين بالله يأتيان بهذه النقود المزعومة والنقود في جيوبهما لاتكفي حتي للالوان ، ويأتي الزوار الى المرسم ويذهبون ، يبدون كلمات الاعجاب ولا يشترون ، حتي كانت اوائل الاربعينات ومن خلال صديق الماني تحقق للاخوين اول بيع للوحاتهما .



كم من سنين مضت اذا قبل ان تنزل الي الارض العطشى قطرة مطر ، ويرحل الفنان ادهم وانلي الي وديان الصمت مبكرا عام 1959تاركا اخاه الاكبر يواجه العالم وقد فقد اعز سند واغلي نصير .



كان الفنان ادهم وانلي فنانا متمكنا من فنه تلقائي التعبيرعن مشاهدته ، فهو انطباعي يلتقط خصائص النور من الموضوع الموجود امامه بأحساس غير عادى وهو لا ينقل عناصر الموضوع الموجود امامه بقدر ما يسجل بسرعة خصائص هذا الموضوع و قيمه اللونية والمعمارية وعلي الرغم من السرعة التي ينفذ بها لوحاته الا انك تشعر بالاناقة والرقة وجمال الانجاز والتوافق في التكوين والقيم اللونية . وقد وصلت اعماله في رسوم الباليه و السيرك إلي مستوى عالمي ، وهي الأعمال التي تقوم علي ديناميكية الموضوع ، مما يحتاج الي قدرات فنية وتكنيكية غير عادية . وفي النهاية لانستطيع ان نقول ان عملهما كان تأثيريا او تجريديا او تكعيبيا ولكن نقول انه كل ذلك أو نقول انهم الاخوين ادهم وسيف وانلي وكفي .



المعارض التي أقامها مع شقيقه سيف بالإسكندرية :


1942 بالمعهد البريطاني بالإسكندرية ، 1945 بجمعية الصداقة المصرية الفرنسية ، 1948 بجمعية الصداقة المصرية الفرنسية وكان يضم لوحاتهم عن الباليه وقد أقيم بمناسبة تكريم الممثل الفرنسي لويس جوفيه ، 1949 أتيليه الإسكندرية ، 1952 بجمعية الصداقة المصرية الفرنسية وكان يضم لوحاتهم عن المناظر الإيطالية ، 1954 بجمعية الصداقة المصرية الفرنسية حول موضوع مصارعة الثيران ، 1955 اتيليه الإسكندرية عن الباليه والمسرح والأوبرا ، 1957 متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية بمناسبة مرور 25 سنة على تأسيس مرسم الأخوين وانلي ، 1958 بنادي الصيد المصري حول موضوع رقصات باليه البولشوي ، 1958 متحف الفنون الجميلة وكان معرضاً عاماً، 1961 متحف الفنون الجميلة بمناسبة ذكرى مولد أدهم وانلي .


المعارض التي أقامها مع شقيقه سيف بالقاهرة :




1946 صالة العرض بمدرسة الليسيه ، 1950 متحف الفن الحديث بالقاهرة ، 1952 صالون القاهرة حيث عرضا 114 لوحة لمناظر من إيطاليا وفرق الباليه الوافدة من أمريكا اللاتينية ، 1954 صالة كلتورا ، 1955 صالة أتيليه القاهرة .




المعارض الدولية التي شارك فيها أدهم :




1947 معرض أرت كلوب بروما ، 1949 معرض اليونسكو في بيروت ، 1949 معرض مصر فرنسا في باريس ، 1950 معرض بينالي البندقية بإيطاليا ، 1952 معرض بينالي البندقية بإيطاليا ، 1955 معرض بينالي ساوباولو بالبرازيل ، 1956 المعرض الأسيوي الإفريقي بالقاهرة ، 1956 معرض الفن المصري في بكين ، 1956 معرض بينالي البندقية بإيطاليا ، 1957 معرض بينالي ساوباولو بالبرازيل ، 1957 معرض مهرجان الشباب العالمي بموسكو في الاتحاد السوفيتي .




يتم الاحتفاظ بمقتنيات من أعمال أدهم وانلي في متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية ومتحف الفن الحديث بالقاهرة ووزارة الخارجية المصرية والسفارة المصرية في بكين بالصين كما تنشر أعماله في المجموعات الخاصة بالقاهرة والإسكندرية وانجلترا واسكتنلندا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وألمانيا والسويد والنرويج والأرجنتين والولايات المتحدة وله مجموعة في مدرسة الباليه بباريس " رولان بيتيه " وأخرى عند الماركيز كريفاس . توفي في 20 ديسمبر 1959 .

يونيو 20، 2009

من السرد المجري


" قصص في دقيقة واحدة "
وطن
كان عمر الطفلة أربعة سنوات فقط ، وبدون شك ، فأن ذكرياتها بدأت تنمحي ، ولكي تشعرها أمها بالتغيرات وشيكة الحدوث ، اخذتها إلى سياج الأسلاك الشائكة ، وأشارت لها من بعيد إلى عربات القطار .
- ألا يفرحك ذلك ، هذا القطار سيأخذنا الى الوطن .
- وماذا سيحدث عندئذ
- عندها سنكون في وطننا
- سألت الطفلة : ماذا يعني هذا ، ما هو الوطن ؟
- حيث كنا نسكن .
- وماذا يوجد هناك ؟
- أما زلت تذكرين دبك الصغير ، ربما عرائسك لا تزال موجودة .
- ماما هل يوجد في الوطن حراس ايضا ؟
- كلا ، لايوجد .
- إذن هل سيمكننا الهروب من هناك ؟
#
مغزى الحياة
إذا نظمنا كثيرا من الفلفل الأحمر بخيط ، سنصنع منه إكليلا من الفلفل . وإن لم ننظم الفلفل الأحمر بخيط ، فلن نحصل منه على إكليل . بينما الفلفل ذاته وبنفس الكمية ، أحمر تماما ، وحاد تماما ، لكنه ليس إكليلا .
لو وضعنا الخيط بحد ذاته ، فلن يعمل شيئا . . كلنا يعلم أن ذلك الخيط لا أهمية له . إنه شيء من الدرجة الثالثة .
إذاً ماذا ؟
من يفكر بهذه الأشياء ، ويمعن النظر فيها ، ولا يطلق العنان لأفكاره أن تجول كيفما تشاء ، وإنما تتقدم في الإِتجاه الصحيح ، عندئذ سيكون بإمكانه تقفي آثار الحقيقة .

#
الخلود
لم يعد شابا ، مع ذلك استطاع أن يفترض نفسه كذلك ، عرفه وخافه سكان الأحراش ، وبصفة خاصة كل الكائنات التي تدب في القرب والبعد . لم تضعف رؤيته ، وإذا اختار غنيمته على ارتفاع آلاف الأمتار ، ينقضّ عليها كالمطرقة التي تهوي على المسمار بضربة واحدة .
وهكذا بعنفوان عمره ، وبكامل قوته ، بين خفقتي جناحيه البطيئتين ، على حين غرة توقف قلبه . مع ذلك لم تجرأ أن تدب أمامه لا الأرانب ولا السلاحف ، ولا حيوانات القرى الداجنة ، لأنه هناك على ارتفاع ألف متر يخفق باسطا جناحيه ، منذرا بثبات ، بالرغم من أن أنفاسه انطفأت منذ دقيقتين أو ثلاثة ، حتى توقفت الريح .

#
أبناؤنا
كان هناك أرملة فقيرة ، لها ولدان وسيمان يافعان . أحدهما ، وهو الأكبر ، كان يشتغل على إحدى السفن التي انطلقت على الفور في رحلتها الأولى إلى المحيط الهادي . ما حدث له ، وما لم يحدث ، لا يوجد من ينبئنا بذلك ، لأن السفينة أضاعت مسارها في البحار . بقي الأصغر في البيت . لكنه في أحد الأيام ، عندما أرسلته أمه إلى " الصيدلية التي تقع في البناية السابعة " لجلب الدواء ، لم يعد إلى البيت ثانية ، وضاع أثره إلى الأبد . حدث هذا في الواقع . ولكن في الحكايات ، اعتاد أن يكون للنساء الأرامل ثلاثة أبناء . والإبن الثالث هو الموفق دائما .
#
المبدع :
إشتفان أوركين 1912 ـ 1979
كاتب مجري معروف بحسه المرهف اتجاه لا عقلانية الحياة المعاصرة ومفارقاتها ، إلى الحد الذي أُطلق عليه لقب " سيد المفارقة ". إنه أحد أكثر كتاب المسرحية المجريين نجاحا في فترة الستينات والسبعينات . انحدر من أسرة غنية ، والده صيدلي ورئيس مستشاري الدولة . لذا كان على الأبن أن يحذو حذو الأب فدرس الصيدلة ، ثم نال شهادة دبلوم في الهندسة الكيميائية . اتجه نحو الكتابة في نهاية الثلاثينات ونشر أول قصة قصيرة في عام 1941 . في عام 1942 دعي إلى الخدمة في العمل الأجباري ضمن الجيش المجري ، وفي ربيع هذا العام كان على أطراف فورونييج حيث سقط المجريون في موت جماعي . وفي 1943.1.12 وفي درجة 47 تحت الصفر انهار الجيش المجري وضاع الآلاف منهم . ووقع أوركين أسيرا قضى أكثر من ثلاث سنوات في معسكرات الاعتقال . وقد انعكست تلك السنوات بشكل ظاهر على أعماله ، حيث جسد بعضها نمط الحياة داخل هذه المعسكرات ، كما أنه اختار بعض أبطاله منها أيضا . اتجه أوركين لكتابة المسرحية في الفترة ما بين 1949 ـ 1953 بينما نشر قصصه القصيرة ورواياته في عدة مجموعات خلال الفترة ما بين الخمسينات والستينات . منذ بداياته كان مولعا بروح المفارقة والسخرية اللاذعة ، واستمر هذا الولع في أسلوبه ليصبح الميزة الأساسية لأعماله منذ منتصف الستينات . في ذلك الوقت بالذات كتب أوركين مسرحيته الناجحة " عائلة توت " واعتبرت عملا مسرحيا بارزا، تم عرضها في 15 دولة أجنبية وعلى خشبة تسعين مسرحا . تُرجمت إلى العربية أيضا وأخرجها الفنان جواد الأسدي . ابتكر أوركين نوعا غريبا وجديداً من أسلوب المفارقة الكوميدية أسماها " قصص في دقيقة واحدة ". تميزت هذه القصص بقدرتها على تشخيص لا عقلانية حياتنا المعاصرة ، والتي يتقبلها معظمنا كأشياء يومية عادية ، من خلال بضع صفحات أو سطور . ترجمت أعماله إلى أكثر من 12 لغة ، وتضمنتها ثلاثون طبعة . لاقت مسرحياته نجاحا باهرا في هنغاريا والخارج . إضافة إلى مسرحية " عائلة توت " لاقت مسرحيته الشهيرة الأخرى " لعب القطة " نجاحا عالميا مماثلا وتم عرضها في أكثر من ثمانين مسرحا خارج هنغاريا . نال إشتفان أوركين جائزتي لايوش كوشوت واتيلا يوجف تقديرا لنشاطه الأدبي .

يونيو 18، 2009

الثقوب السوداء .. حياة من جديد


الكون هو كل شي في هذا الوجود من مادة وطاقة ، و مادته الصغيرة من كواركات والكترونات وغيرها متماسكة مع بعضها لتكوين أجزاء اكبر هي الذرات والتي بدورها وبتماسكها مع بعضها تشكل الجزيئات ، والجزيئات تجتمع مع بعضها لتكون الغبار والأجرام السماوية التي منها النجوم والكواكب والأقمار والكويكبات والشهب وغيرها ، وتجتمع النجوم ضمن مجموعات كبيرة جدا تعرف بالمجرات والتي توجد بدورها ضمن مجموعات أكبر تدعى عناقيد المجرات والتي تجتمع مع بعضها في ما فوق العناقيد المجرية مكونة الكون الكبير ضمن حلقة دائرية كبيرة تمتد من الكوارك حتى المجرة .
و يحتوي كوننا على العديد من الأسرار والألغاز لعل من بين أشدها غموضا لغز الثقب الأسود الخفي ، الذي يعد من أكثر الأسماء غرابة في علم الفيزياء و الكيمياء وأكثر الظواهر إخافة ، وهي نقاط رعب في السماء ، ويعتقد بأن الثقوب السوداء قد تكون الأداة الكونية التي سخرها المولى عز وجل لطي السماء وما يحيط بها من أجرام ، راتقة الكون في نقطة تفرد كما بدأ. قال تعالى " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده " ، و لعل الثقوب السوداء هي منطق لبداية حيوات جديدة بما يعني أنها بداية تكوين لنجوم جديدة ، وقبل الحديث عن الثقب الأسود يجب التعرف على النجوم بشكل أكثر ؛ و معرفة كيف تولد وكيف تعيش ؟ وكيف تموت ؟ وكيف وصل بها المطاف لتصبح ثقبا اسود في هذا الكون ؟ .

حياة النجوم :

ولدت النجوم بعد ولادة الكون ، فبعد عملية فتق الرتق ظهرت ذرات الهيدروجين الثقيل " الأول " واجتمعت هذه الذرات مع بعضها ومع الغبار الكوني فيما يعرف بالسديم الذي هو عبارة عن سحابة من الغاز والغبار الكوني ونتيجة لوجود ذرات الهيدروجين وبتأثير من قوة الثقالة تتقلص السحابة وتزداد درجة الحرارة والضغط حتى تقترب الذرات من بعضها البعض لمسافات معينة تظهر عندها أثر القوة النووية حيث يندمج الهيدروجين مع بعضه ليكون الهيليوم ويشع باقي الكتلة طاقة وينبعث الضوء حسب معادلة اينشتاين ، وتعد هذه اللحظة بالذات ولادة النجم ، وينتقل بعدها النجم لحياته الطبيعية التي يستهلك خلالها غذائه النووي ويقدر عمر النجوم من خلال مدى إشعاعها " أي اللون الذي تظهر فيه " ، فنجم مثل شمسنا " التي تعتبر من النجوم المتوسطة " يقترب لونها من البرتقالي ويقدر عمرها بعمر الشباب ، ويوجد بها وقود يكفي خمسة آلاف مليون سنة فقط ‍وبانتهاء التفاعلات النووية في باطن النجم تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة الشيخوخة أو مرحلة الموت حيث تتحول النجوم إلى عمالقة حمراء نتيجة القوى الشديدة داخلها وبتوالي عمليات الاندماج النووي يأخذ النجم في استهلاك طاقته دون إمكانية إنتاج المزيد منها مما يؤدي إلى تقلصه في الحجم وبذلك يصبح النجم كثيفا بما فيه الكفاية وعندها تصبح قوة التنافر أقل من قوة الجاذبية وتعرف بحدود " شاندرا زيخار " وعندها فان مصير النجم سيحدد طبقا لمقدار كتلته .

الحالة الأولى : إذا كـانت كتلة النجم مثل كتلة الشمـس أو اقل قليلا فان النجم يتقلص متحولا لقزم ابيض ذو حجم مثل حجم الأرض وذلك لان قوة التنافر بين الإلكترونات أكبر من باقي القوى ولا يشع القزم الأبيض ، ومن أمثلته الشمس التي ستبتلع كوكب عطارد والزهرة والأرض والمريخ وتصل لحدود المشتري وذلك في مرحلة العملاق الأحمر وتعود بعد فترة كونية لقزم ابيض .

الحالة الثانية : إذا كانت كتلة النجم اكبر من كتلة الشمس بـ 1,4 فانـه أثناء نضوب طاقته سيتهاوى تلقائيا ، وخلال هذا الانهيار فان الإلكترونات السالبة الشحنة والبروتونات الموجبة الشحنة ستتحد مكونة نيترونات متعادلة الشحنة ، ويتوقف هذا الانهيار عندما يصبح ضغط النيترونات عاليا ليساوى تأثير قوة الجذب للداخل " أي أن الضغط الغازي يماثل قوة الجاذبية " وبذلك يصبح ما بقي من مادة النجم نجما نيترونيا ذا نصف قطر يصل إلى عشرات الأميال مع كثافة عالية تعد بمئات الملايين من الأطنان في السنتيمتر المربع .

الحالة الثالثة : إذا كانت كتلة النجم اكبر بثلاثة أضعاف كتلة الشمس ، فلا يتمكن أي من الإلكترونات أو البروتونات من مقاومة عملية النقص التثاقلي للنجم وسيستمر النجم في الانهيار حتى تنضغط جميع كتلته في نقطة ذات كثافة لا نهائية تـسمى " نقطة التفرد " ، وقبل الوصول لهذه المرحلة فان النجم المـنهار سيعبر من داخل نصف قطر شـوارزشيلد الخاص به مختفيا عن الأنظار ومكونا " الثقب الأسود " وهذه المرحلة لا يمكن إدراكها بصورة مباشرة ، ولكن يمكن تحديد مواقعها بعدد من الملاحظات غير المباشرة مثل صدور موجات شديدة من الأشعة السينية من الأجرام الواقعة تحت تأثيرها ، أو اختفاء الأجرام السماوية بمجرد الاقتراب من مجال جاذبيتها .

هل الثقوب السوداء هي ثقوب فعلا ؟

الثقوب السوداء ليست ثقوبا على الإطلاق وإنما نقيض ذلك بحيث إنها كتلة كبيرة انكمشت إلى حجم صغير جدا ذو كثافة عالية ، وطبقا لنظرية اينشتاين ، فان قوة الثقالة في جرم كالثقب الأسود تعد كبيرة جدا بحيث أنه يجب إليه كل من جاوره من مادة وضوء

والآن يمكننا تعريف الثقب الأسود :
هو عبارة عن منطقة في الفضاء الزمكاني تكون فيها الجاذبية قوية جدا ، بحيث لا يمكن أن ينفلت منها أي ضوء أو مادة أو إشارة من أي نـوع ، وهذا إما يكون نتيجة انهيار نجوم عملاقة بعد أن تنتهي عملية التوازن بين الضغط والجاذبية نتيجة حرق المواد الخفيفة وتحولها لمواد ثقيلة كالحديد ، وإما أن يكون نتيجة تمركز كتلة كبيرة جدا من عشرات النجوم في حيز صغير نسبيا في قلب المجرة .

ماهية الثقوب السوداء :

يتكون الثقب الأسـود البسيط غير الدوار من نقطة تفرد مركزية تحيط بها منطقة كروية لها نصـف قطر يسمى شعاع شوارزشيلد و في نصف القطر هذا تكون الجاذبية قوية جدا ولا يمكن لأي شيء الهروب منه ، وتسمى حدود تلك المنطقة بـ " أفق الحدث " وهـي عبارة عن حدود منطقة الزمكان " الزمان / المكان " التي لا يمكن الإفلات منها ، وتعمل على شكل غشاء ذو اتجاه واحد وهو داخل الثقب لا خارجه وهو مسار الضوء في الزمكان وهو يحاول الإفلات من الثقوب السوداء ، و بما أنه لا شي يسـير أسرع من الضوء فإن أي شي يقع في هذه المنطقة سوف يبلغ بسرعة منطقة ذات كثافة عالية ونهاية الزمان ، أي أنه لا تصل معلومات ولا أي حادث ممكن حصوله داخل تلك الحدود " حدود أفق الحدث "
و من المعروف من قوانين النسبية العامة أن المكان والكتلة كميتان مترابطتان ، فالكتلة تسبب ميل المكان وانضغاطه ، والمكان يحدد مسار المادة .
ففي الفضاء العادي كلما زادت الكتلة زاد الميل وإذا زادت الكتلة بشكل كبير جدا تصبح نهاية الميل نقطة شاذة تكون عندها الجاذبية عالية لا يفلت منها الضوء وهي الثقب الأسود .

ما هو شكل النجوم التي تكون منها الثقب الأسود وهل يجب أن تكون مكورة ؟

إن الطاقة التي يفقدها نجمين في بث مـوجات جاذبة تجعلهما يلتويان الواحد تجاه الآخر وقد بين عالم كندي أن الثقوب السوداء غير الدوارة وفقا للنسبية العامة لابد أن تكون بسيطة جدا فهي كروية وقـد تبين أن موجات الجاذبية المنبعثـة من انسحاق النجم تجعله أكثر كروية و إلى أن يستقر ويصـبح بشكل كروي دقيق ، وبالتالي فان أي نجم دوار يصبح كرويا مهما كان شكله وبنيته الداخلية معقدتين ، سوف ينتهي بعد انسحاقه إلى ثقب اسود كروي تماما يتوقف حجمه على كتلته .
وقد جاء العالم " دوي كير "مجـموعة من الحلول لمعادلات النـسبية العامة ، والتي تصف الثقوب السوداء الدوارة ، فإذا كانت الدورات صفر يكون الثقب الأسود كروي تماما
وإذا كانت غير الصفر فان الـثقب ينتفخ نحو الخارج قرب مستوى خط استواءه " تماما مثل الأرض منتفخة من تأثير دورانها .

تباطؤ الزمان و الإزاحة الحمراء :

من المفاهيم التي وضحتها النسبية العامة أن عقارب الساعات تسير ببطء أكبر في وجود مجالات جاذبية عالية وذلك عند مقارنتها بالمجالات الضعيفة ، وقد أيدت هذا المفهوم العديد من التجارب العملية ويصبح هذا التباطؤ التجاذبي للزمان كبير جدا في مجالات الجاذبية القوية المتوفرة بجوار أفق الحدث للثقوب السوداء .
و بفرض أن رجل يحمل ساعة دقيقة وهو ساقط من مكان بعيد نحو أفق الحدث لثقب أسود بينما يراقبه راصد آخر من مكان بعيد وآمن ، فعندما يكون رجل الفضاء هذا بعيدا عن الأفق فإن الساعة ستكون متوافقة مع ساعة الراصد ، وعندما تقترب هذه الساعة من الأفق فإن تباطؤ الزمان التجاذبي سيكون واضحا أكثر فأكثر وسيلاحظ الراصد إن ساعة رجل الفضاء تسير بصورة أبطأ من تلك التي لديه .
وعندما يصل رجل الفضاء بساعته إلى منطقة الحدث فان الفترة الزمنية بين اللحظة الأخيرة والتي تسبقها بالنسبة للراصد ستكون طويلة بشكل غير متناه وسيستنتج الراصد البعيد أن الزمن قد يتوقف بالنسبة لرجل الفضاء كما انه هو وساعته سيدوران حول أفق الحدث إلى الأبد ، أما بالنسبة لرجل الفضاء المتجهة نحو مركز الثقب هو وساعته فسينقضي الزمن بشكل طبيعي حيث انه سيقتحم أفق الحدث ويصطدم بنقطة التفرد بعد حوالي واحد من العشرة آلاف من الثانية ومع الفارق الكبير الظاهر بين الشخصين إلا أن وجهة نظر كل منهما صحيحة تماما وذلك حسب الإطار المحدد والموجود فيه وبالمثل أيضا فان النجم المنهار سيبدو لمشاهد بعيد على انه يدور في أفق الحدث إلى الأبد ولكن في حقيقة الأمر سيتلاشى ذلك النجم عند وصوله لتلك المنطقة وذلك بسبب الإزاحة الحمراء التجاذبية وهي الظاهرة التي مفادها : أن الضوء الخارج من مصدر جذب قوي سيفقد طاقة فيقل تردده كما أن طوله الموجي سيزداد ، وقريبا من أفق الحدث فإن الإزاحة الحمراء التجاذبية تكون كبيرة جدا ، ولكنها عند الأفق تكون كبيرة بشكل لا نهائي ، وعندما يصل النجم المنهار إلى نصف قطر شوارزشيلد فإن جميع موجات الضوء المنبعثة منه تمدد بسرعة بعيدا عن المدى المرئي ، وعندها تكون المسافة بين الموجة النهائية والسابقة لها وذلك من وجهة نظر المشاهد كبيرة بشكل لا نهائي وتكون الطاقة التي تحملها الموجة مساوية للصفر ومن ثم فان النجم المنهار يتلاشى .

الثقوب السوداء المتبخرة :

الثقوب السوداء لا ترسل أيا كان باتجاه الخارج ولكنها بدلا من ذلك تستمر في امتصاص أي مادة أو إشعاع يسقط في أفق الحدث ، وعند مقارنة القوانين المؤثرة في تداخلات الثقوب السوداء مع قوانين الديناميكا الحرارية ، وبالأخذ بعين الاعتبار ظاهرة الكم ، فقد وضح ستيفن هوكنز أن للثقب حرارة محددة ولذا فانه سيشع طاقة وجسيمات ، فثقب أسود ذو كتلة تساوي كتلة الشمس تكون درجة حرارة سطحه تساوي 17كلفن " واحد من العشرة ملايين من الدرجة فوق الصفر المطلق " ، وعند مثل هذه الحرارة لا يشع الثقب الأسود سوى كمية من الممكن إهمالها بل إنه سيمتص أكثر مما يشع من المادة والإشعاع إلا أن درجة حرارة الثقب الأسود تتناسب عكسيا مع كتلته ، فلو كان لدينا ثقب اسود كتلته تساوي 1 بليون طن فان حرارته ستكون في حدود 121 كلفن وسيشع بشكل كبير جدا وكلما قلت كتلة الثقب الأسود كلما ازدادت حرارته وفقد كتلته ومادته بشكل أسرع ، لذا فإن صحت فكرة " هوكنز " فإن الثقوب السوداء ستفقد كتلتها بمعدل سريع جدا ، متبخرة وينطلق منها جسيمات و أشعة جاما قوية .

الثقوب السوداء كمصدر للطاقة :

بالرغم انه لا يوجد طاقة تنبعث من أفق الحدث إلا إن المادة الساقطة نحوه تسير بسرعة الضوء لذا فان طاقته الحركية ستتحول إلى حرارة وطاقة إشعاعية إذا ما سقطت في قرص الالتحام " قرص من المادة خارج أفق الحدث "
إن تحطم نجم ليشكل ثقبا اسود أو التهام كمية هائلة من المادة بـثقب اسود أو اصطدام و اتحاد ثقبين أسودين هي أمثلة على عمليات لإنـتاج كميـة مهولة من الطاقة ، معظمها على شكل موجات تجاذبيه وعملية إنتاج وتحرير الطاقة هذه أكبر بكثير من تلك التي للاندماج النووي والتي تحرر في النجوم .
إن الثقوب السوداء الموجودة في الأنظمة المزدوجة والتي تلتهم الكتلة والمادة من النجوم المحيطة بها ، أو الثقوب السوداء العملاقة والتي تبتلع سحب الغاز ، والنجوم في مراكز المجرات قد تكون من أقوى مصادر الطاقة في الكون .

الثقوب السوداء الدوارة :

إن الخصائص الوحيدة الثابتة التي من الممكن قياسها من راصد بعيد هي : الكتلة ، والعزم الزاوي " مقدار كمية الحركة الدورانية داخل جسم ما " ، والشحنة الكهربائية .
وتختلف الثقوب السوداء الدوارة عن تلك المستقرة غير الدوارة في عدد من الأمور ، حيث يعتمد نصف قطر أفق الحدث على كل من الكتلة والعزم الزاوي للثقب الدوار ، كما يحيط به منطقة على شكل قطع ناقص تسمى الارجوسفير والذي لا ينجو شيء من الانجذاب نحو اتجاه دوران الثقب ومن الممكن اشتقاق جزء من طاقة دوران ثقب اسود وذلك بإرسال جسيم إلى منطقة الارجوسفير ، فإذا انشطر هذا الجسيم إلى جزأين داخـل الارجوسفير بحيث أن احدهما سقط في الثقب الأسود فان الآخر سيظهر حاملا طاقة اشد من تلك للجسيم كاملا وتسـمى هذه الظاهرة بظاهرة " نسور " وهو اسم مكتشف هذه العملية .
كما أن نقطة التفرد في الثقب الأسود الدوار تكون على هيئة حلقة أو خاتم بدلا من نقطة ومن الممكن نظريا لجسيم أو راصد مثلا من أن يسقط في منطقة أفق الحدث لتجنب الاصطدام بالتفرد وان يظهر في موقع آخر من زمان كوننا هذا .

أول دليل لرصد الثقوب السوداء :

ورد مؤخرا أنه تم رصد أول دليل مادي على وجود ثقب اسود في مركز كوكـبة الدجاجة والذي يبعد عن الأرض بمقدار 6000 سنة ضوئية وقد وجد إن الغاز المنبعث من نجم مجاور له يتم سحبه إلى ثقبه الأسود حيث رصد منظار هابل الفضائي ومضات لأشعة فوق بنفسجية من غاز ساخن يدور حول هذا الثقب .
ولا يرصد ذلك إلا عندما ينجذب الغاز خلال الحافة الخارجية للثقب الأسود " أفق الحدث " ولم يتمكن منظار هابل من رصد هذه المنطقة لأنها صغيرة جدا بالإضافة لبعدها الشاسع ولكنة تم رصد حالتين لإشارات فوق بنفسجية متلاشية لغاز ساخن يدخل الثقب الأسود , وقد تم اخذ هذه الأرصاد على بعد 1600 كم فقط من أفق الحدث " .

كيف يمكن اكتشاف أو استشعار الثقب الأسود بما انه لا يبعث ضوء ؟

يمكن ذلك من خلال دراسة القوة التي يمارسها الثقب الأسود على الأجسام المجاورة ، ومع هذه الجاذبية العالية والطاقة الهائلة التي يبثها الثقب الأسود فانه قد يتولد جسيمات ذات طاقة عالية جدا قرب الثقب الأسود ، ويكون الحقل المغناطيسي شديدا بحيث تتجمع الجسيمات في نوافير تنطلق خارجا على طول محور الدوران ، فقد شوهد نجم يدور حول آخر غير مرئي ، ولكن ليس هذا شرط أن يكون النجم غير المرئي ثقب اسود فقد يكون باهت .

ما هو احتمال مشاهدة هذه الثقوب ؟

قد يتم البحث عن أشعة جاما التي تبثها الثقوب السوداء الأولية طوال حياتها ومع أن معظم الإشعاعات ستكون ضعيفة بسبب بعدها ولكن اكتشافها يكون ممكنا ومن خلال النظر إلى خلفية أشعة جاما لا يوجد أي دليل على ثقوب سوداء أولية ولكنها تفيد بأنه لا يمكن تواجد أكثر من 300 منها في كل سنة ضوئية مكعبة في الكون , ولمشاهدة ثقب اسود أولي يجب كشف عدد من أشعة جاما صادرة في اتجاه واحد خلال مدى معين من الزمن " كأسبوع مثلا " من خلال جهاز استشعار كبير لأشعة جاما ، ويجب أن يكون في الفضاء الخارجي لان أشعة جاما لا يمكنها اختراق الطبقة الهوائية .
القمران الصناعيان اللذان تمكنا من تقديم الدليل وللمرة الأولى على أن ثقبا اسود كبير يمزق ويستوعب جزء من احد الكواكب التي ابتعدت عن مسارها وهما " شاندرا " التابع لوكالة الفضاء الأمريكية و " نيوتن " التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ، يمثلان أجهزة استشعار كبيرة لأشعة جاما ، وتعتبر الطبقة الهوائية للأرض بكاملها أكبر مكشاف " أشعة جاما " يمكنه التقاط وتحديد نقط الثقوب السوداء .

الهدف من دراسة الثقوب :

إن دراسة الثقوب السوداء بأنواعها المختلفة تؤكد على صحة النظريات الموضحة للمراحل التي يمر بهـا الكون بدءا من الانفجار الكبير " الفتق " حتى نهايته " الرتق " ، وقد يستطيع البشر مستقبلا استغلال الطـاقة الصادرة منها حيث إن الثقوب السوداء من أقوى مصادر موجات التجاذب وبدراسة هذه الثقوب نستطيع التعرف على قوى أساسية في الكون وهي الجاذبية الأرضية كما إنها تشبع رغبة البشر الدءوبة للبحث والمعرفة وخاصة أنها من أكثر الأجرام السماوية غموضا في الكون ، وأخيرا فهي دافع قوي للتفكر والتدبر في آيـات إعجاز الخالق في الكون وأنها كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بقوة وحكمة وقدرة وعلم .

منذ القرن السابع الميلادي لم يكن أحد على وجه الأرض يتصور أن في السماء نجوماً تجري وتكنسُ وتجذب إليها كل ما تصادفه في طريقها، ولم يكن أحد يتوقع وجود هذه النجوم مع العلم أنها لا تُرى أبداً، ولكن القرآن العظيم كتاب رب العالمين حدثنا عن هذه المخلوقات بدقة علمية مذهلة ، ولكن كيف بدأت قصة هذه النجوم الغريبة .
منذ عام 1790 اقترح الانكليزي جون ميشيل والفرنسي بيير سايمون وجود نجوم مخفية في السماء، ثم في عام 1915 توقعت نطرية النسبية العامة لآينشتاين وجود هذه الأجسام في الفضاء وأثرها على الزمان والمكان ، وأخيراً في عام 1967 تحدث الأمريكي جون ولير عن الثقوب السوداء كنتيجة لانهيار النجوم .
في عام 1994 أثبت العلماء بواسطة مرصد هابل وجود جسم غير مرئي في مركز المجرة " إم 87 " ويلتف حوله الغاز في دوامة واضحة ، وقد قدروا وزن هذا الجسم بثلاثة آلاف مليون ضعف وزن الشمس ، ثم توالت الأدلة على وجود هذه الأجسام بواسطة أشعة إكس .

حتى يتحول النجم إلى ثقب أسود في نهاية حياته يجب أن يتمتع بوزن كبير ، فالشمس مثلاً وبعد أربعة آلاف مليون سنة سوف تستهلك وقودها النووي وتنطفئ بهدوء، ولن تتحول إلى ثقب أسود لأن وزنها غير كاف لذلك .
وربما نجد في كتاب الله تعالى إشارة لطيفة إلى هذا التحول في قوله تعالى : " إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " [التكوير: 1] . إذن ليس هنالك أي انهيار للشمس إنما انطفاء بطيء، وهذا ما عبّر عنه القرآن بكلمة " كُوِّرَتْ ". ففي القاموس المحيط نجد كلمة " كوَّر " أي أدخل بعضه في بعض وهذا ما سيحدث للشمس حيث تتداخل مادتها بعضها في بعض حتى تستهلك وقودها وتنطفئ ، و هذه بالتأكيد نفس فكرة الثوب السوداء فهي بداية حياة أو ربما امتداد لحياة نجم أو مجرة .

بين كلام العلماء وكلام القرآن

يخبرنا علماء الغرب اليوم حقيقة علمية وهي أن الثقوب السوداء تسير وتجري وتكنس كل ما تصادفه في طريقها، وقد جاء في إحدى الدراسات حديثاً عن الثقوب السوداء ما نصه:
" It creates an immense gravitational pull not unlike an invisible cosmic vacuum cleaner. As it moves, it sucks in all matter in its way — not even light can escape."
وهذا يعني : إنها " أي الثقوب السوداء " تخلق قوة جاذبية هائلة تعمل مثل مكنسة كونية لا تُرى، عندما تتحرك تبتلع كل ما تصادفه في طريقها ، حتى الضوء لا يستطيع الهروب منها وفي هذه الجملة نجد أن الكاتب اختصر حقيقة هذه الثقوب في ثلاثة أشياء :
- هذه الأجسام لا تُرى
- جاذبيتها فائقة تعمل مثل المكنسة
- تسير وتتحرك باستمرار
و ربما نعجب إذا علمنا أن هذا النص المنشور في عام 2006 قد جاء بشكل أكثر بلاغة ووضوحاً في كتاب منذ القرن السابع الميلادي ، فقد اختصر القرآن كل ما قاله العلماء عن الثقوب السوداء بثلاث كلمات فقط.
يقول تعالى : " فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ " [التكوير: 15-16] . و نحن في هذا النص أمام ثلاث حقائق عن مخلوقات أقسم الله بها وهي :
- الْخُنَّسِ : أي التي تخنس وتختفي ولا تُرى أبداً ، وقد سمِّي الشيطان بالخناس لأنه لا يُرى من قبل بني آدم . وهذا ما يعبر عنه العلماء بكلمة غير مرئي .
- الْجَوَارِ : أي التي تجري وتتحرك بسرعات كبيرة . و هذا ما يعبر عنه العلماء بكلمة تتحرك ، مع العلم أن اللفظ القرآني أدق لأن فيه إشارة إلى الجريان والسرعة ، أما كلمة " تتحرك " فلا تعبر عن السرعة الكبيرة التي يتحرك بها الثقب الأسود .
- الْكُنَّسِ : أي التي تكنس وتبتلع كل ما تصادفه في طريقها. وهذا ما يعبر عنه العلماء بكلمة " مكنسة " .
لقد اكتشف علماء وكالة ناسا الأمريكية للفضاء ذبذبات صوتية تصدر عن الثقوب السوداء فقد رصدوا موجات تقع ضمن الترددات الصوتية تصدر عن الغاز المحيط ببعض الثقوب السوداء في تجمع للمجرات البعيدة . وقد تكون هذه الأصوات التي تصدرها الثقوب السوداء هي تسبيح وامتثال لأمر الله تعالى ، وهنا نتذكر البيان الإلهي : " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا " [الإسراء: 44 ]

أيهما أدق القرآن أم العلم الحديث؟

دائماً يحدثنا كتاب الله تعالى عن حقائق مطلقة لا تتغير ، ولا يتطرق إليها التبديل أو التعديل ، أما علماء البشر فهم يكتشفون الأشياء تدريجياً وخلال رحلة اكتشافهم للثقوب السوداء يختارون من الأسماء لهذه المخلوقات حسب حدود معرفتهم .
فعندما أطلقوا على هذه النجوم اسم " الثقوب السوداء " كانت هذه التسمية خاطئة تماماً ولا تعبر عن حقيقة هذه النجوم ، ولكنهم لم يعودوا قادرين على تغيير هذا الاسم لأنه التصق بهذه المخلوقات ، فكلمة " ثقب " تعني " خرق " وهذا يعني أن الثقب هو فراغ في السماء وهذا خطأ ، لأن هذه النجوم ثقيلة جداً تزن ملايين المرات وزن الشمس فكيف نسميها ثقوباً .
وكذلك كلمة " أسود " هي لون من الألوان ، والواقع أن هذه النجوم لا تُرى أي لا أحد يعرف لونها وحقيقة ما تبدو عليه فمن الخطأ وصفها باللون الأسود . و من هنا نستنتج أن الوصف البشري غير دقيق ، بينما كتاب الله تعالى أخبرنا عن الاسم الدقيق الذي يعبر عن حقيقة هذه النجوم .
فكلمة " الخُنَّس " جاءت من فعل " خَنَسَ " أي اختفى ، وكلمة " الجوارِ " أي مجموعة النجوم التي تجري بسرعة . وكلمة " الكُنَّس " جاءت من فعل " كَنَسَ " أي جذب إليه كل شيء من حوله . وهذه الكلمات الثلاث تصف لنا آلية عمل هذه النجوم ، فهي لا تُرى وهي تجري وهي تكنُس ، ولذلك نجد أن العلماء حديثاً يفضلون تسمية هذه النجوم بـ " المكانس الكونية " ويجدونها أكثر دقة من " الثقوب السوداء "
نستنتج أن القرآن يسبق العلماء دائماً في الحديث عن الحقائق الكونية ، ويتفوق عليهم في إطلاق التسمية الصحيحة ، وأن هذه المخلوقات ما هي إلا آية تشهد على قدرة الخالق في كونه ، وهذا يدل على أن القرآن كتاب الله تعالى وليس كتاب بشر ، ولذلك قال تعالى عن هذا القرآن : " وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " [النساء: 82 ]

خاتمة :
إن النسبية العامة بعظمتها جاءت للعلم ببعض أسرار الكون المخيفة وسيأتي العلم في المستقبل القريب بأسرار أكثر غرابة ، و كل بحث عن طبيعة الكون و آفاقه وكل كشف عن بعض ألغازه وعجائبه تفيض إلى مساحات ممتدة الأبعاد مما نجهل عنه ، وسيبقى الكون دائما وأبدا منبع للألغاز ، وما تم اكتشافه حتى اليوم ما هو إلا غيض من فيض من مكتشفات مثيرة مازالت تنتظر . وصدق الله القائل : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "