اثنان و ستون عاماً مرت على نكبة 1948 ، و هي سنوات طوال و لكنها لم تُفقد الحلم الفلسطيني تجدده و امتداده ، و لم تصب القضية بالشيخوخة مع من عاصروا المأساة و يتذكرونها اليوم بتفاصيل عميقة أو سطحية ، طبقًا لمدى حيوية ذاكرتهم ، فما زال كل لاجئ فلسطيني يحلم بالعودة إلى الوطن الأم ، و يشعر بالغربة في أرض لم يحمل جذوره معه و هو يغادر إليها مضطراً بعد أن صار وطنه محتلاً سليباً .
من الواضح أن ثمة علاقة وثيقة بين موجات الفلسطينيين التي تدفقت إلى مصر، و تبلور الشخصية الفلسطينية ، مطلع عشرينات القرن العشرين . فقد دفعت الصدامات و ثورة 1936-1939، الكثير من الفلسطينيين للجوء إلى مصر و الحصول على الجنسية المصرية، حتى قبل وقوع نكبة 1948 الفلسطينية .
ثم جاء لاجئو 1948، بأعدادهم الكبيرة ، نسبياً، و بعدهم توافدت أعداد قليلة ، ممن قذف بهم احتلال القوات الإسرائيلية لقطاع غزة ، خريف 1956 خلال العدوان الثلاثي . على أن أعداداً أكبر وصلت مصر بعد احتلال القوات الإسرائيلية للضفة الغربية و قطاع غزة ، في حرب حزيران 1967.
يسرد الأستاذ عبد القادر ياسين موجات الفلسطينيين التي قدمت مصر في دراسته الهامة " الفلسطينيون في مصر " فيقول : الكتلة الأكبر التي وردت إلى مصر من الفلسطينيين كانت تلك التي هاجرت ، بفعل نكبة 1948 الفلسطينية . فمع اشتداد القصف المدفعي للعصابات الصهيونية المسلحة " الهاغاناه ، و الأرغون ، و شتيرن " على مدينة يافا، و تشديد هذه العصابات الخناق حول المدينة التي أخذت دفاعاتها المتواضعة في الانهيار المتوالي ، أخذت جموع أهالي يافا تتدافع إلى شاطئ البحر ، الذي تركته العصابات الصهيونية دون أن تغلقه ، مكتفية بمحاصرة المدينة على شكل حدوة حصان . و استخدمت هذه الجموع القوارب و نزلت بها إلى ماء البحر متجهة إلى الجنوب ، في اتجاه قطاع غزة و مصر، يدفعها إلى ذلك الساحل الآمن ، و قصر المسافة نسبياً، ناهيك عن تحدر نسبة غير قليلة من أهالي يافا من مصر .
توالى وصول اليافيين إلى بور سعيد ، أول ثغر قابلهم في القطر المصري ؛ و سارعت السلطات المصرية إلى ضرب طوق حول قوارب الوافدين ، و حاصرتهم في مبنى الحجر الصحي التابع لشركة قناة السويس ، جنوب شرقي المدينة ، حمل اسم " المزارطية " ، فيما أخذت هذه السلطات مَن وصل مِن الفلسطينيين عبر البر ، إلى معسكر في " العباسية " ، أحد ضواحي العاصمة المصرية . و تسرد وثيقة اللجنة العليا لشؤون اللاجئين الفلسطينيين ، و هي وثيقة رسمية مصرية قصة هذه الموجة سنة 1948 فتقول بأنه في 24 نيسان/أبريل 1948، طلب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية في مصر الاستعداد لاستقبال المهاجرين من أبناء فلسطين . فأسرعت الوزارة إلى إعداد مخيم في منطقة العباسية استقبلت فيه الأفواج الأولى منهم .
إلا أن جموع المهاجرين تدفقت تدفقاً شديداً ، ما بين 28 نيسان/أبريل وأول أيار/مايو سنة 1948 ، بعد تشديد الهجوم العسكري الصهيوني على مدينة يافا، التي سقطت فعلاً في أيدي العصابات الصهيونية ، يوم الجمعة 14-5-1948. و لم يبق فيها سوى ثلاثة آلاف نسمة ، من قرابة 120 ألفاً ، هم مجموع أهاليها. مما جعل وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية تنهض إلى استقبالهم في مدينة القنطرة شرق في معسكر ضخم هناك ، اتسع لهم جميعاً .
في الثالث من أيلول/سبتمبر 1948 نقل المهاجرون من معسكر العباسية إلى القنطرة شرق ، و أضيفت إليهم دفعة أخرى ، كانت محتجزة في معسكر " المزارطية " في بور سعيد. و هكذا تجمع في معسكر القنطرة ما يقرب من اثني عشر ألف لاجئ فلسطيني . و ما لبثت العائلات التي خرجت من ديارها ببعض المال ، أن طلبت السماح لها بترك المعسكر ، و الإقامة داخل القطر المصري . هنا تشكلت لجنة خاصة للنظر في هذه الطلبات ، و سمحت اللجنة بالخروج لكل من توفر فيه شرطان أساسيان : القدرة المالية ، و كفيل ميسور من أهل البلاد. و استمرت لجنة الإفراجات في عملها هذا ، و أخذت تصرف بطاقات الإقامة المؤقتة للمغادرين ، إلى أن بقي داخل معسكر القنطرة حوالي سبعة آلاف لاجئ فقط تحت إشراف اللجنة العليا .
عندما استقر قطاع غزة تحت رعاية الإدارة المصرية ، أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً في أيلول/سبتمبر سنة 1949، يقضي بترحيل اللاجئين الفلسطينيين من معسكر " القنطرة " إلى قطاع غزة . و لعل الذي عجّل في استصدار هذا القرار هو تململ لاجئي المعسكر و تبرمهم من احتجازهم فيه ، حتى بعد أن عقدت الحكومة المصرية اتفاقية الهدنة مع " دولة الاحتلال الصهيوني " ، و وضعت الحرب أوزارها ، وفقد وضع هؤلاء اللاجئين طابعه المؤقت . تم تنفيذ هذا القرار ، و سلم نزلاء معسكر " القنطرة " إلى هيئة " الكويكرز " في قطاع غزة ، التي تشرف على إغاثة اللاجئين في القطاع ، كما سلمت لهذه الهيئة شتى المهمات التي كانت تقدم للمقيمين في المعسكر ، علاوة على قرابة ثلاثين ألف جنيه ، دفعتها اللجنة العليا من إعانات .
بانتقال القاطنين في معسكر القنيطرة إلى قطاع غزة ، و بالتحديد إلى مخيم المغازي ، انتقلت أعمال " اللجنة العليا لشؤون المهاجرين الفلسطينيين " إلى القاهرة و المحافظات . و أصدرت جامعة الدول العربية ، عام 1950 " قرار ضم الشمل " الذي يقضي بترحيل اللاجئين الراغبين في السفر إلى المناطق العربية في فلسطين ، من أجل الانضمام إلى أسرهم و ذويهم . و بلغ عدد هؤلاء 589 لاجئاً ، سافروا بطريق الجو ، على نفقة الحكومة المصرية ، فيما سافر على نفقة الأمانة العامة للجامعة العربية في المدة نفسها 123 شخصاً ، حسب جلسة جامعة الدول العربية في تشرين الأول 1951 .
و قد أعيد فتح معسكر العباسية ، لتجميع الراغبين في مغادرة مصر. و في 5 آب/أغسطس 1951 نقل إلى قطاع غزة 184 لاجئاً، فيما كان قد نقل في 5 حزيران/ يونيو من السنة نفسها و ما تلاها ، 516 لاجئاً إلى القدس ، صرفت لهم 458 تذكرة ، و قامت طائرات شركة مصر للطيران بنقلهم تباعاً من القاهرة إلى عمان ، في حوالي 17 رحلة. و تراجع دور اللجنة العليا ، حتى اختفى تماماً، إلى أن قامت ثورة في 23 تموز/يوليو 1952 ؛ التي قررت في 12 تشرين الأول/أكتوبر 1953 إعادة تشكيل هذه اللجنة . و سرعان ما أخذت جموع اللاجئين الفلسطينيين تستقر في أرجاء مصر .
و في سنة 1960 ، و استناداً إلى الإحصاءات الرسمية المصرية ، كان في القطر المصري 15.493 فلسطينياً. لكن عدد الوافدين إلى مصر من أهل قطاع غزة ازداد أوائل الستينيات بسبب استعادة الاقتصاد الفلسطيني عافيته من جديد .
و انتشر الفلسطينيون في أربعة عشر محافظة ؛ تراجع عدد هذه المحافظات بعد حرب 1967 إلى عشر محافظات ، بعد أن احتلت القوات الصهيونية صحراء سيناء ، و هددت مدن القناة ، فدفعت سكانها إلى هجر مدنهم و قراهم ، في محافظات القناة الثلاث ، و ارتفع عدد الفلسطينيين في مصر سنة 1969 إلى قرابة 33,000 نسمة .
في أواسط الثمانينات حددت إحصائيات إدارة الحاكم العام لقطاع غزة مجموع الفلسطينيين المقيمين في مصر ، بصورة قانونية بحوالي 27.500 شخصاً ، فضلاً عن قرابة ثمانية آلاف آخرين يقيمون في مصر بصورة غير رسمية . فيما تؤكد مصلحة الجوازات و السفر و الجنسية المصرية بأن العدد الصحيح هو 25.423. و معروف بأن ثمة 1.800 شخصاً قد أبعدتهم سلطات الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة ، و آوتهم مصر في مديرية التحرير .
تركز الفلسطينيون في محافظات القاهرة و الجيزة و الإسكندرية ، و بوجه الخصوص في محافظة القاهرة التي تستقطب أكثر من نصف مجموع الفلسطينيين في مصر (52%). أما الجيزة فتستقطب 7%، فيما بقي في سيناء زهاء 25 ألف فلسطيني ، و تجمع في الوادي حوالي 43 ألفاً، و بهذا يصبح ترتيب التجمع الفلسطيني في مصر السادس ، من حيث الأهمية العددية للفلسطينيين خارج وطنهم المحتل بجزأيه أراضي 1948 و الضفة و القطاع .
و يمكن تلخيص أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مصر في عدة نقاط . فقد ارتبطت معاملة الفلسطينيين في مصر بالشأن السياسي ارتباطاً قوياً . فقد شهدوا عصرهم الذهبي في ظل الحكم الناصري الراديكالي ذي التوجه القومي العربي ؛ على أنه ما إن اتجه السادات إلى الغرب بقوة حتى بدأت معاملة الفلسطينيين في مصر تنحو منحى آخر ، آخذاً في التدهور المطرد .
بعد ثورة 23 تموز/يوليو 1952 تزايد الاهتمام باللاجئين الفلسطينيين عموماً و في مصر على وجه الخصوص . حيث استهلت اللجنة العليا أعمالها ، بعد إعادة تشكيلها بعملية حصر شامل للفلسطينيين في مصر ، مستعينة بمصلحة الجوازات ، و بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية ، و بحكومة عموم فلسطين .
استمرت أوضاع الفلسطينيين في مصر على حالها ، طوال حكم عبد الناصر ، و في السنوات الخمس الأولى من حكم السادات . و جاءت أولى الأزمات بين قيادة منظمة التحرير و الحكم المصري ، في أيلول/سبتمبر 1975، مع توقيع السادات اتفاقية فصل القوات الثانية مع " جيش الاحتلال الصهيوني " ، و التي تضمنت ما اعتبرته قيادة منظمة التحرير في حينه ، تنازلاً وطنياً. فعمد السادات إلى إغلاق إذاعة " صوت الثورة الفلسطينية " ، و أخذت الأجهزة المصرية تتعسف في التعامل مع الفلسطينيين . و هكذا ، انعكس الخلاف السياسي بين قيادة منظمة التحرير و الحكم المصري لأول مرة ، على معاملة الفلسطينيين في مصر.
بعد أقل من سنة ، و في 4 حزيران/يونيو 1976، أعاد السادات الإذاعة إلى العمل ، في مواجهة التدخل السوري في لبنان ، الذي ابتدأ في اليوم ذاته . لكنه عاد و أغلقها بعد 17 شهراً حين أقدم على زيارة " تل أبيب " ، في سياق مبادرته الشهيرة ، هنا دخلت معاملة الفلسطينيين في مصر منحى آخر ، عانى فيه الفلسطينيون ما عانوا ، فكانت التشريعات الجائرة ، ثم الإجراءات المتعسفة ، جاءت بداية التحول مع زيارة السادات للكيان الصهيوني ، في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1977 ، حيث قامت أجهزة الأمن المصرية بترحيل عشرات الطلبة الفلسطينيين ، ممن احتجوا على هذه الزيارة ، أو اشتبهت هذه الأجهزة في ارتباطهم العضوي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالذات ، كما تم ترحيل أربعة من قيادة فرع الاتحاد العام للكتاب و الصحفيين الفلسطينيين ، من بين تسعة أعضاء هم مجموع قيادة الفرع " الهيئة الإدارية ؛ و مندوبي المؤتمر العام " ، و أغلقت هذه الأجهزة مقر فرع الاتحاد في العاصمة المصرية . و سرعان ما ألحقتهم بطرد معتمد فتح في مصر ، و مدير مكتب منظمة التحرير ، و رئيس الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين .
اتخذ السادات من إقدام مجموعة فلسطينية تنتمي إلى " فتح المجلس الثوري ، جماعة أبو نضال البنا " المنشقة عن منظمة التحرير ، على قتل الأديب المصري المعروف يوسف السباعي ، في لارنكا بقبرص ، في شباط/فبراير سنة 1978، ذريعة للإجراءات التعسفية ضد الفلسطينيين دون أن يراعي أن " فتح ، المجلس الثوري " تلاحق حتى قيادات المنظمة أنفسهم . و هكذا لم يستمر في نشاطه من الاتحادات الشعبية الفلسطينية ، سوى فرعي اتحادي المرأة و العمال .
في تموز/يوليو 1978، صدر قرارا رئيس الجمهورية ، رقما 47 و48 لسنة 1978 ، بإلغاء القرارات التي كانت تعامل الفلسطينيين معاملة المصريين ، كما حظرت وزارة القوى العاملة اشتغال الأجانب و منهم الفلسطينيين في الأعمال التجارية ، و الاستيراد و التصدير ، إلا لمن كان متزوجاً بمصرية ، منذ أكثر من خمس سنوات .
لقد سنّت الحكومات العربية قوانين تحظر على اللاجئين الفلسطينيين العمل في بلادها، و تفرض كفالة مالية كبيرة ، و عقوبة بالحبس على رعاياها الذين يستخدمون فلسطينيين ، بأجر أو بدون أجر . و ظلت هذه القوانين سارية المفعول لفترة طويلة ، في البلاد التي فرضتها و لم يوقف العمل بها في معظم البلدان ، على عكس ما سارت علية العادة في بلاد العالم جميعاً .
في مصر عومل اللاجئون الفلسطينيون معاملة الأجانب الغرباء ، فلم يسمح لهم بمزاولة أي عمل من الأعمال ، سواء أكان ذلك العمل وظيفياً ، أو تجارياً ، أو صناعياً . بل لقد كانت مصلحة الهجرة و الجوازات و الجنسية تكتب على بطاقة الإقامة ، أو جواز سفر أي لاجئ فلسطيني العبارة التالية : " لا يجوز له العمل ، بأجر أو بدون أجر "، مما دفع بعض خريجي الجامعات الفلسطينية للتوجه إلى دول الخليج . و صدر قرار وزير التربية و التعليم المصري بنقل الطلاب الفلسطينيين من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة ، ما عدا أبناء العاملين في الجيش و إدارة الحاكم . و أُتبع بقراري الوزير نفسه ، رقم 87 لسنة 1983 و رقم 75 لسنة 1984 ، اللذين تضمنا معاملة الفلسطينيين معاملة الأجانب الوافدين . و تراوحت رسوم الطالب الجامعي ما بين 600-1.200 جنيه إسترليني ، فضلاً عن رسم القيد . و حظر على الطلبة الفلسطينيين الالتحاق بكليات الطب و الهندسة و الصيدلة و الاقتصاد و الإعلام .
طال التعسف سفر الفلسطينيين و إقامتهم . و كان الفلسطينيون في مصر و قطاع غزة يحملون وثائق سفر من " حكومة عموم فلسطين " ، حتى سنة 1960 ، حتى صدر في مصر القانون رقم 28 لسنة 1960 ، و منح بموجبه فلسطينيو مصر و قطاع غزة وثائق سفر مصرية ضعيفة الفاعلية ، حيث لم تمنح حاملها حق الدخول إلى مصر ، إلا بإذن مسبق من قنصليات مصر في الخارج .
و تفاوتت سنوات الإقامة التي تمنح دورياً للفلسطيني في مصر بحسب سنة قدومه إلى البلاد ، و سنوات إقامته . فمن قدم ما بين سنتي 1948 - 1953 منح إقامة لمدة خمس سنوات متصلة . و من مضى على إقامته في البلاد أكثر من عشر سنوات ، يمنح إقامة لمدة ثلاث سنوات ، أما أقل من هذه المدة فيمنح إقامة لمدة سنة كاملة ، عليه تجديدها من مصلحة الجوازات ، عند انتهائها . و إذا ما افتقد الفلسطيني سبب الإقامة ، مثل العمل أو الدراسة ، فيمكنه إبراز ما يفيد إيداعه مبلغاً من المال في صندوق البريد ، أو أحد البنوك كمبرر للحصول على هذه الإقامة .
في مطلع سنة 1984 ، صدر قانون " تنمية موارد الدولة "، الذي اعتبر الفلسطينيين أجانب ، و فرضت وزارة الداخلية المصرية على الإقامة السنوية لكل فلسطيني رسماً قدرة 42,5 جنيهاً مصرياً . بينما لا تتعدى نسبة القادرين 2% من مجموع الفلسطينيين في مصر . فيما على الفلسطينيين الوافدين إلى مصر و الراغبين في الإقامة فيها أن يحولوا 180 دولاراً عن كل فرد شهرياً ، عدا ما أصبح الفلسطيني يتعرض إليه من مضايقات في المنافذ المصرية ، في مقدمتها إهماله و تركه ينتظر ساعات طوالاً قبل أن يسمح له بالدخول ، رغم حمله تأشيرة دخول مسبقة . أما القادمون من فلسطين المحتلة ، فتواجههم مشكلة عند قدومهم حيث يتم احتجازهم أحياناً بمنطقة رفح لمدة لا تقل عن 36 ساعة ، قبل السماح لهم بدخول مصر ، رغم أنهم يحملون موافقات مسبقة للدخول . و فرضت مصر منذ صيف 1994 قيوداً قاسية تحد من دخول الغزيين إلى مصر إلا في حالات إنسانية و بعد تنسيق مسبق مع السلطات .
منذ العام 1994 و استقرت أوضاع المعاملة مع اللاجئين بعد أن تم تأطيرهم داخل مخيمات اللجوء في مدينة رفح المصرية بصحراء سيناء و فرض العزلة عليهم و بعدما تركتهم حكومة فلسطين و تعسفت الحكومة المصرية في معاملتهم تحولت إقامتهم لسجن كبير لا يطاق و زاد ذلك أكثر في الآونة الأخيرة بعدما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة و تدهور الاتفاق الوطني الفلسطيني ، تركوهم في رفح للمساعدات الأهلية التي انطلقت من كل المدن المصرية و تأسست لجان شعبية لدعم اللاجئين و دعم المقاومة بعد انتفاضة ال 2000 ، ليعيش الفلسطينيين في مخيم رفح " كندا " على المساعدات الإنسانية و في ظروف مأساوية .
يقع مخيم كندا على الشريط الحدودي بين مصر و قطاع غزة و يحده من الشمال السلك الحدودي الجديد " بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بموجب اتفاقية كامب ديفيد" . و تحده من الجنوب أرض البراهمة المصرية التي اشتهرت بزراعة الخضروات و الفواكه و أشجار اللوزيات و هي امتداد لأحراش رفح و من الشرق أراض زراعية تملكها عائلة فلسطينية " تولت بعد ذلك منذ تأطير اللاجئين في رفح أمورهم باتفاق بين الجانب المصري و حكومة فلسطين و برعاية الكيان الصهيوني " و يحده من الغرب طريق رئيسي يصل المخيم بمدينة رفح و سيناء المصرية . و يعتبر المخيم مغلقاً من جميع الجهات و له طريق واحد فقط يصله بالشارع الرئيسي . و أنشئ مخيم كندا بعد الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1967 في معسكر الكتيبة الكندية التي كانت من ضمن قوات الطوارئ الدولية التي جاءت بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في عام 1956 . و قد أطلق عليه اسم " مخيم كندا " نسبة إلى الكتيبة الكندية التي كانت تشغل هذا المكان و هو من المخيمات غير المنظمة التي لا تعترف بها وكالة الغوث رغم وجود بعض الخدمات التي تقدمها الوكالة للسكان.
تقدر مساحة مخيم كندا بحوالي 5.1 كم مربع و مساحة الأراضي الزراعية التابعة له تقدر بـ 260 دونماً. و ظل مخيم كندا بكامله في الجانب المصري بعد تقسيم مدينة رفح إلى قسمين : رفح المصرية و رفح الفلسطينية و ذلك بعد تطبيق اتفاقية كامب ديفيد عام 1982 . و ظل ما مجموعه نحو 500 عائلة فلسطينية لاجئة في هذا المخيم و يقدر عدد أفرادها بـ5.800 نسمة و قد فصل هؤلاء اللاجئون عن أهلهم و ذويهم و أصبحوا يعيشون في ظروف قاسية ينتظرون الأمل في حل مشكلتهم و إعادة جمع شملهم مع أبنائهم و إخوتهم و أقاربهم الذين يفصل بينهم سلك شائك و ذلك لمنع هؤلاء من الالتقاء بأقاربهم في الطرف الفلسطيني المجاور، و أحياناً يتم اللقاء عن بعد بالنظرات و العويل و الإشارات و الصراخ و البكاء.
في عام 1982 اتفق الجانبان الإسرائيلي و المصري على حل المشاكل الإنسانية لهؤلاء اللاجئين و السماح لهم بالعبور على كلا الجانبين للاتصال بعائلاتهم و متابعة أشغالهم و مصالحهم اليومية كما تم الاتفاق على نقل هذه العائلات من مكانهما الحالي إلى المشروع السكني في منطقة تل السلطان داخل حدود قطاع غزة بالقرب من مدينة رفح على أن يتم إعادتهم على دفعات متباعدة من الزمن و أن تقدم السلطات المصرية لهذه العائلات تعويضاً مناسباً عن ممتلكاتهم و بيوتهم حتى يتمكنوا من بناء مساكن جديدة في تل السلطان ، و تم الاتفاق بين مصر و إسرائيل في عام 1985 على إسكان هذه العائلات في منطقة تل السلطان داخل القطاع بالقرب من مدينة رفح و قد عارض المستوطنون هذا الاتفاق لكن الحكومة الإسرائيلية ظلت ملتزمة بهذا الاتفاق و لكنها كانت تماطل في تنفيذ كل مرحلة من مراحله . و في عام 1989 بدأ الانتقال الفعلي للعائلات اللاجئة من الجانب المصري إلى الجانب الفلسطيني بمعدل عائلتين كل أسبوع من مجموع العائلات المتواجدة في مخيم كندا و التي أصبح عددها 883 أسرة و التي استمرت وكالة الغوث في تزويدها بالخدمات الصحية و التعليمية المحدودة جداً بالإضافة إلى الأغذية و الملابس و البطانيات و خاصة للعائلات التي تعتبر من حالات العسر الشديد.
في عام 1990 تم إيواء 25 عائلة من مخيم كندا في مخيم تل السلطان من أصل 838 حيث لا يزال في مخيم كندا نحو 813 عائلة ينتظرون يوم عودتهم إلى قطاع غزة للالتقاء مع ذويهم و أقاربهم. و في عام 1995 عادت إلى تل السلطان 45 أسرة من مخيم كندا و الذين حصلوا على مساعدة نقدية من مصر بـ 8 آلاف دولار كتعويض لكل أسرة عن الأملاك التي ستتركها في مخيم كندا . أما في عام 1997 فقد دخلت نحو 40 أسرة إلى القطاع و سكنت في المساكن المخصصة لها و قد بلغ عدد أفرادها 200 لاجئ و بقى نحو 2800 لاجئ في مخيم كندا داخل الأراضي المصرية .
في عام 1998 أنهت نحو 37 أسرة من بين 40 أسرة التي عادت إلى تل السلطان بناء مساكنها بشكل كامل وحصلت على تعويضات كاملة و لم يسمح لبقية الأسر من دخول القطاع كما كان مقرراً من البداية بسبب عدم إتمام منازلهم و هم لا يزالون في مخيم كندا و حتى هذه اللحظة ، و منذ صمت الجانب المصري و انشغل الجانب الفلسطيني و دخلت قضية فلسطين برمتها في النفق المسدود و مازال يعاني ما يقرب من 4000 نسمة في مخيم كندا بعد نزوح أعداد جديدة في انتفاضة 2000 و حرب 2006 ضد قطاع غزة .، هؤلاء فقدوا عون وكالة غوث و عون النظام المصري و تركوا لحالهم إلى أن بدأت قوافل الإغاثة الشعبية تنطلق من محافظات الدلتا المصرية تحديدا و تم إنشاء لجنة إغاثة و دعم المقاومة الدائمة في مدينة المنصورة التي كانت تقدم قوافل دائمة لدعم اللاجئين و لدعم المقاومة في الضفة و القطاع
منذ العام 2009 حينما دخلت القضية الفلسطينية نفق التجميد و ضغط السلطات المصرية لتفكيك اللجان الشعبية و الأهلية التي تدعم المقاومة و اللاجئين و صارت الظروف المعيشية بائسة لهؤلاء من تركوا وحدهم دون عناية أو دعم .
المخيم منذ 6 أشهر عندما ذرته و تركته كمقبرة حقيقية لدفن هؤلاء من لم يعد يتذكرهم أحد من أي جانب حكومي أو شعبي حيث يعيش أهله في هذه الآونة على اصطياد الكلاب و الذئاب الجبلية و مياه الأمطار و ما أعان الله أهل رفح و العريش من أهلهم و ذويهم أصحاب الإقامة الكاملة في مصر على دعمهم به من قمح و حبوب .، إلا أن الوضع الصحي و المعيشي صار مستحيل في مخيم اللاجئين في رفح .، صار مستحيل تصديقه بالفعل و لم تعد حياة هناك .
ــــــــــــــــ
الصورة من مخيم رفح حينما كانت الحياة تشي بأمل
من الواضح أن ثمة علاقة وثيقة بين موجات الفلسطينيين التي تدفقت إلى مصر، و تبلور الشخصية الفلسطينية ، مطلع عشرينات القرن العشرين . فقد دفعت الصدامات و ثورة 1936-1939، الكثير من الفلسطينيين للجوء إلى مصر و الحصول على الجنسية المصرية، حتى قبل وقوع نكبة 1948 الفلسطينية .
ثم جاء لاجئو 1948، بأعدادهم الكبيرة ، نسبياً، و بعدهم توافدت أعداد قليلة ، ممن قذف بهم احتلال القوات الإسرائيلية لقطاع غزة ، خريف 1956 خلال العدوان الثلاثي . على أن أعداداً أكبر وصلت مصر بعد احتلال القوات الإسرائيلية للضفة الغربية و قطاع غزة ، في حرب حزيران 1967.
يسرد الأستاذ عبد القادر ياسين موجات الفلسطينيين التي قدمت مصر في دراسته الهامة " الفلسطينيون في مصر " فيقول : الكتلة الأكبر التي وردت إلى مصر من الفلسطينيين كانت تلك التي هاجرت ، بفعل نكبة 1948 الفلسطينية . فمع اشتداد القصف المدفعي للعصابات الصهيونية المسلحة " الهاغاناه ، و الأرغون ، و شتيرن " على مدينة يافا، و تشديد هذه العصابات الخناق حول المدينة التي أخذت دفاعاتها المتواضعة في الانهيار المتوالي ، أخذت جموع أهالي يافا تتدافع إلى شاطئ البحر ، الذي تركته العصابات الصهيونية دون أن تغلقه ، مكتفية بمحاصرة المدينة على شكل حدوة حصان . و استخدمت هذه الجموع القوارب و نزلت بها إلى ماء البحر متجهة إلى الجنوب ، في اتجاه قطاع غزة و مصر، يدفعها إلى ذلك الساحل الآمن ، و قصر المسافة نسبياً، ناهيك عن تحدر نسبة غير قليلة من أهالي يافا من مصر .
توالى وصول اليافيين إلى بور سعيد ، أول ثغر قابلهم في القطر المصري ؛ و سارعت السلطات المصرية إلى ضرب طوق حول قوارب الوافدين ، و حاصرتهم في مبنى الحجر الصحي التابع لشركة قناة السويس ، جنوب شرقي المدينة ، حمل اسم " المزارطية " ، فيما أخذت هذه السلطات مَن وصل مِن الفلسطينيين عبر البر ، إلى معسكر في " العباسية " ، أحد ضواحي العاصمة المصرية . و تسرد وثيقة اللجنة العليا لشؤون اللاجئين الفلسطينيين ، و هي وثيقة رسمية مصرية قصة هذه الموجة سنة 1948 فتقول بأنه في 24 نيسان/أبريل 1948، طلب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية في مصر الاستعداد لاستقبال المهاجرين من أبناء فلسطين . فأسرعت الوزارة إلى إعداد مخيم في منطقة العباسية استقبلت فيه الأفواج الأولى منهم .
إلا أن جموع المهاجرين تدفقت تدفقاً شديداً ، ما بين 28 نيسان/أبريل وأول أيار/مايو سنة 1948 ، بعد تشديد الهجوم العسكري الصهيوني على مدينة يافا، التي سقطت فعلاً في أيدي العصابات الصهيونية ، يوم الجمعة 14-5-1948. و لم يبق فيها سوى ثلاثة آلاف نسمة ، من قرابة 120 ألفاً ، هم مجموع أهاليها. مما جعل وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية تنهض إلى استقبالهم في مدينة القنطرة شرق في معسكر ضخم هناك ، اتسع لهم جميعاً .
في الثالث من أيلول/سبتمبر 1948 نقل المهاجرون من معسكر العباسية إلى القنطرة شرق ، و أضيفت إليهم دفعة أخرى ، كانت محتجزة في معسكر " المزارطية " في بور سعيد. و هكذا تجمع في معسكر القنطرة ما يقرب من اثني عشر ألف لاجئ فلسطيني . و ما لبثت العائلات التي خرجت من ديارها ببعض المال ، أن طلبت السماح لها بترك المعسكر ، و الإقامة داخل القطر المصري . هنا تشكلت لجنة خاصة للنظر في هذه الطلبات ، و سمحت اللجنة بالخروج لكل من توفر فيه شرطان أساسيان : القدرة المالية ، و كفيل ميسور من أهل البلاد. و استمرت لجنة الإفراجات في عملها هذا ، و أخذت تصرف بطاقات الإقامة المؤقتة للمغادرين ، إلى أن بقي داخل معسكر القنطرة حوالي سبعة آلاف لاجئ فقط تحت إشراف اللجنة العليا .
عندما استقر قطاع غزة تحت رعاية الإدارة المصرية ، أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً في أيلول/سبتمبر سنة 1949، يقضي بترحيل اللاجئين الفلسطينيين من معسكر " القنطرة " إلى قطاع غزة . و لعل الذي عجّل في استصدار هذا القرار هو تململ لاجئي المعسكر و تبرمهم من احتجازهم فيه ، حتى بعد أن عقدت الحكومة المصرية اتفاقية الهدنة مع " دولة الاحتلال الصهيوني " ، و وضعت الحرب أوزارها ، وفقد وضع هؤلاء اللاجئين طابعه المؤقت . تم تنفيذ هذا القرار ، و سلم نزلاء معسكر " القنطرة " إلى هيئة " الكويكرز " في قطاع غزة ، التي تشرف على إغاثة اللاجئين في القطاع ، كما سلمت لهذه الهيئة شتى المهمات التي كانت تقدم للمقيمين في المعسكر ، علاوة على قرابة ثلاثين ألف جنيه ، دفعتها اللجنة العليا من إعانات .
بانتقال القاطنين في معسكر القنيطرة إلى قطاع غزة ، و بالتحديد إلى مخيم المغازي ، انتقلت أعمال " اللجنة العليا لشؤون المهاجرين الفلسطينيين " إلى القاهرة و المحافظات . و أصدرت جامعة الدول العربية ، عام 1950 " قرار ضم الشمل " الذي يقضي بترحيل اللاجئين الراغبين في السفر إلى المناطق العربية في فلسطين ، من أجل الانضمام إلى أسرهم و ذويهم . و بلغ عدد هؤلاء 589 لاجئاً ، سافروا بطريق الجو ، على نفقة الحكومة المصرية ، فيما سافر على نفقة الأمانة العامة للجامعة العربية في المدة نفسها 123 شخصاً ، حسب جلسة جامعة الدول العربية في تشرين الأول 1951 .
و قد أعيد فتح معسكر العباسية ، لتجميع الراغبين في مغادرة مصر. و في 5 آب/أغسطس 1951 نقل إلى قطاع غزة 184 لاجئاً، فيما كان قد نقل في 5 حزيران/ يونيو من السنة نفسها و ما تلاها ، 516 لاجئاً إلى القدس ، صرفت لهم 458 تذكرة ، و قامت طائرات شركة مصر للطيران بنقلهم تباعاً من القاهرة إلى عمان ، في حوالي 17 رحلة. و تراجع دور اللجنة العليا ، حتى اختفى تماماً، إلى أن قامت ثورة في 23 تموز/يوليو 1952 ؛ التي قررت في 12 تشرين الأول/أكتوبر 1953 إعادة تشكيل هذه اللجنة . و سرعان ما أخذت جموع اللاجئين الفلسطينيين تستقر في أرجاء مصر .
و في سنة 1960 ، و استناداً إلى الإحصاءات الرسمية المصرية ، كان في القطر المصري 15.493 فلسطينياً. لكن عدد الوافدين إلى مصر من أهل قطاع غزة ازداد أوائل الستينيات بسبب استعادة الاقتصاد الفلسطيني عافيته من جديد .
و انتشر الفلسطينيون في أربعة عشر محافظة ؛ تراجع عدد هذه المحافظات بعد حرب 1967 إلى عشر محافظات ، بعد أن احتلت القوات الصهيونية صحراء سيناء ، و هددت مدن القناة ، فدفعت سكانها إلى هجر مدنهم و قراهم ، في محافظات القناة الثلاث ، و ارتفع عدد الفلسطينيين في مصر سنة 1969 إلى قرابة 33,000 نسمة .
في أواسط الثمانينات حددت إحصائيات إدارة الحاكم العام لقطاع غزة مجموع الفلسطينيين المقيمين في مصر ، بصورة قانونية بحوالي 27.500 شخصاً ، فضلاً عن قرابة ثمانية آلاف آخرين يقيمون في مصر بصورة غير رسمية . فيما تؤكد مصلحة الجوازات و السفر و الجنسية المصرية بأن العدد الصحيح هو 25.423. و معروف بأن ثمة 1.800 شخصاً قد أبعدتهم سلطات الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة ، و آوتهم مصر في مديرية التحرير .
تركز الفلسطينيون في محافظات القاهرة و الجيزة و الإسكندرية ، و بوجه الخصوص في محافظة القاهرة التي تستقطب أكثر من نصف مجموع الفلسطينيين في مصر (52%). أما الجيزة فتستقطب 7%، فيما بقي في سيناء زهاء 25 ألف فلسطيني ، و تجمع في الوادي حوالي 43 ألفاً، و بهذا يصبح ترتيب التجمع الفلسطيني في مصر السادس ، من حيث الأهمية العددية للفلسطينيين خارج وطنهم المحتل بجزأيه أراضي 1948 و الضفة و القطاع .
و يمكن تلخيص أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مصر في عدة نقاط . فقد ارتبطت معاملة الفلسطينيين في مصر بالشأن السياسي ارتباطاً قوياً . فقد شهدوا عصرهم الذهبي في ظل الحكم الناصري الراديكالي ذي التوجه القومي العربي ؛ على أنه ما إن اتجه السادات إلى الغرب بقوة حتى بدأت معاملة الفلسطينيين في مصر تنحو منحى آخر ، آخذاً في التدهور المطرد .
بعد ثورة 23 تموز/يوليو 1952 تزايد الاهتمام باللاجئين الفلسطينيين عموماً و في مصر على وجه الخصوص . حيث استهلت اللجنة العليا أعمالها ، بعد إعادة تشكيلها بعملية حصر شامل للفلسطينيين في مصر ، مستعينة بمصلحة الجوازات ، و بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية ، و بحكومة عموم فلسطين .
استمرت أوضاع الفلسطينيين في مصر على حالها ، طوال حكم عبد الناصر ، و في السنوات الخمس الأولى من حكم السادات . و جاءت أولى الأزمات بين قيادة منظمة التحرير و الحكم المصري ، في أيلول/سبتمبر 1975، مع توقيع السادات اتفاقية فصل القوات الثانية مع " جيش الاحتلال الصهيوني " ، و التي تضمنت ما اعتبرته قيادة منظمة التحرير في حينه ، تنازلاً وطنياً. فعمد السادات إلى إغلاق إذاعة " صوت الثورة الفلسطينية " ، و أخذت الأجهزة المصرية تتعسف في التعامل مع الفلسطينيين . و هكذا ، انعكس الخلاف السياسي بين قيادة منظمة التحرير و الحكم المصري لأول مرة ، على معاملة الفلسطينيين في مصر.
بعد أقل من سنة ، و في 4 حزيران/يونيو 1976، أعاد السادات الإذاعة إلى العمل ، في مواجهة التدخل السوري في لبنان ، الذي ابتدأ في اليوم ذاته . لكنه عاد و أغلقها بعد 17 شهراً حين أقدم على زيارة " تل أبيب " ، في سياق مبادرته الشهيرة ، هنا دخلت معاملة الفلسطينيين في مصر منحى آخر ، عانى فيه الفلسطينيون ما عانوا ، فكانت التشريعات الجائرة ، ثم الإجراءات المتعسفة ، جاءت بداية التحول مع زيارة السادات للكيان الصهيوني ، في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1977 ، حيث قامت أجهزة الأمن المصرية بترحيل عشرات الطلبة الفلسطينيين ، ممن احتجوا على هذه الزيارة ، أو اشتبهت هذه الأجهزة في ارتباطهم العضوي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالذات ، كما تم ترحيل أربعة من قيادة فرع الاتحاد العام للكتاب و الصحفيين الفلسطينيين ، من بين تسعة أعضاء هم مجموع قيادة الفرع " الهيئة الإدارية ؛ و مندوبي المؤتمر العام " ، و أغلقت هذه الأجهزة مقر فرع الاتحاد في العاصمة المصرية . و سرعان ما ألحقتهم بطرد معتمد فتح في مصر ، و مدير مكتب منظمة التحرير ، و رئيس الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين .
اتخذ السادات من إقدام مجموعة فلسطينية تنتمي إلى " فتح المجلس الثوري ، جماعة أبو نضال البنا " المنشقة عن منظمة التحرير ، على قتل الأديب المصري المعروف يوسف السباعي ، في لارنكا بقبرص ، في شباط/فبراير سنة 1978، ذريعة للإجراءات التعسفية ضد الفلسطينيين دون أن يراعي أن " فتح ، المجلس الثوري " تلاحق حتى قيادات المنظمة أنفسهم . و هكذا لم يستمر في نشاطه من الاتحادات الشعبية الفلسطينية ، سوى فرعي اتحادي المرأة و العمال .
في تموز/يوليو 1978، صدر قرارا رئيس الجمهورية ، رقما 47 و48 لسنة 1978 ، بإلغاء القرارات التي كانت تعامل الفلسطينيين معاملة المصريين ، كما حظرت وزارة القوى العاملة اشتغال الأجانب و منهم الفلسطينيين في الأعمال التجارية ، و الاستيراد و التصدير ، إلا لمن كان متزوجاً بمصرية ، منذ أكثر من خمس سنوات .
لقد سنّت الحكومات العربية قوانين تحظر على اللاجئين الفلسطينيين العمل في بلادها، و تفرض كفالة مالية كبيرة ، و عقوبة بالحبس على رعاياها الذين يستخدمون فلسطينيين ، بأجر أو بدون أجر . و ظلت هذه القوانين سارية المفعول لفترة طويلة ، في البلاد التي فرضتها و لم يوقف العمل بها في معظم البلدان ، على عكس ما سارت علية العادة في بلاد العالم جميعاً .
في مصر عومل اللاجئون الفلسطينيون معاملة الأجانب الغرباء ، فلم يسمح لهم بمزاولة أي عمل من الأعمال ، سواء أكان ذلك العمل وظيفياً ، أو تجارياً ، أو صناعياً . بل لقد كانت مصلحة الهجرة و الجوازات و الجنسية تكتب على بطاقة الإقامة ، أو جواز سفر أي لاجئ فلسطيني العبارة التالية : " لا يجوز له العمل ، بأجر أو بدون أجر "، مما دفع بعض خريجي الجامعات الفلسطينية للتوجه إلى دول الخليج . و صدر قرار وزير التربية و التعليم المصري بنقل الطلاب الفلسطينيين من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة ، ما عدا أبناء العاملين في الجيش و إدارة الحاكم . و أُتبع بقراري الوزير نفسه ، رقم 87 لسنة 1983 و رقم 75 لسنة 1984 ، اللذين تضمنا معاملة الفلسطينيين معاملة الأجانب الوافدين . و تراوحت رسوم الطالب الجامعي ما بين 600-1.200 جنيه إسترليني ، فضلاً عن رسم القيد . و حظر على الطلبة الفلسطينيين الالتحاق بكليات الطب و الهندسة و الصيدلة و الاقتصاد و الإعلام .
طال التعسف سفر الفلسطينيين و إقامتهم . و كان الفلسطينيون في مصر و قطاع غزة يحملون وثائق سفر من " حكومة عموم فلسطين " ، حتى سنة 1960 ، حتى صدر في مصر القانون رقم 28 لسنة 1960 ، و منح بموجبه فلسطينيو مصر و قطاع غزة وثائق سفر مصرية ضعيفة الفاعلية ، حيث لم تمنح حاملها حق الدخول إلى مصر ، إلا بإذن مسبق من قنصليات مصر في الخارج .
و تفاوتت سنوات الإقامة التي تمنح دورياً للفلسطيني في مصر بحسب سنة قدومه إلى البلاد ، و سنوات إقامته . فمن قدم ما بين سنتي 1948 - 1953 منح إقامة لمدة خمس سنوات متصلة . و من مضى على إقامته في البلاد أكثر من عشر سنوات ، يمنح إقامة لمدة ثلاث سنوات ، أما أقل من هذه المدة فيمنح إقامة لمدة سنة كاملة ، عليه تجديدها من مصلحة الجوازات ، عند انتهائها . و إذا ما افتقد الفلسطيني سبب الإقامة ، مثل العمل أو الدراسة ، فيمكنه إبراز ما يفيد إيداعه مبلغاً من المال في صندوق البريد ، أو أحد البنوك كمبرر للحصول على هذه الإقامة .
في مطلع سنة 1984 ، صدر قانون " تنمية موارد الدولة "، الذي اعتبر الفلسطينيين أجانب ، و فرضت وزارة الداخلية المصرية على الإقامة السنوية لكل فلسطيني رسماً قدرة 42,5 جنيهاً مصرياً . بينما لا تتعدى نسبة القادرين 2% من مجموع الفلسطينيين في مصر . فيما على الفلسطينيين الوافدين إلى مصر و الراغبين في الإقامة فيها أن يحولوا 180 دولاراً عن كل فرد شهرياً ، عدا ما أصبح الفلسطيني يتعرض إليه من مضايقات في المنافذ المصرية ، في مقدمتها إهماله و تركه ينتظر ساعات طوالاً قبل أن يسمح له بالدخول ، رغم حمله تأشيرة دخول مسبقة . أما القادمون من فلسطين المحتلة ، فتواجههم مشكلة عند قدومهم حيث يتم احتجازهم أحياناً بمنطقة رفح لمدة لا تقل عن 36 ساعة ، قبل السماح لهم بدخول مصر ، رغم أنهم يحملون موافقات مسبقة للدخول . و فرضت مصر منذ صيف 1994 قيوداً قاسية تحد من دخول الغزيين إلى مصر إلا في حالات إنسانية و بعد تنسيق مسبق مع السلطات .
منذ العام 1994 و استقرت أوضاع المعاملة مع اللاجئين بعد أن تم تأطيرهم داخل مخيمات اللجوء في مدينة رفح المصرية بصحراء سيناء و فرض العزلة عليهم و بعدما تركتهم حكومة فلسطين و تعسفت الحكومة المصرية في معاملتهم تحولت إقامتهم لسجن كبير لا يطاق و زاد ذلك أكثر في الآونة الأخيرة بعدما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة و تدهور الاتفاق الوطني الفلسطيني ، تركوهم في رفح للمساعدات الأهلية التي انطلقت من كل المدن المصرية و تأسست لجان شعبية لدعم اللاجئين و دعم المقاومة بعد انتفاضة ال 2000 ، ليعيش الفلسطينيين في مخيم رفح " كندا " على المساعدات الإنسانية و في ظروف مأساوية .
يقع مخيم كندا على الشريط الحدودي بين مصر و قطاع غزة و يحده من الشمال السلك الحدودي الجديد " بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بموجب اتفاقية كامب ديفيد" . و تحده من الجنوب أرض البراهمة المصرية التي اشتهرت بزراعة الخضروات و الفواكه و أشجار اللوزيات و هي امتداد لأحراش رفح و من الشرق أراض زراعية تملكها عائلة فلسطينية " تولت بعد ذلك منذ تأطير اللاجئين في رفح أمورهم باتفاق بين الجانب المصري و حكومة فلسطين و برعاية الكيان الصهيوني " و يحده من الغرب طريق رئيسي يصل المخيم بمدينة رفح و سيناء المصرية . و يعتبر المخيم مغلقاً من جميع الجهات و له طريق واحد فقط يصله بالشارع الرئيسي . و أنشئ مخيم كندا بعد الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1967 في معسكر الكتيبة الكندية التي كانت من ضمن قوات الطوارئ الدولية التي جاءت بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في عام 1956 . و قد أطلق عليه اسم " مخيم كندا " نسبة إلى الكتيبة الكندية التي كانت تشغل هذا المكان و هو من المخيمات غير المنظمة التي لا تعترف بها وكالة الغوث رغم وجود بعض الخدمات التي تقدمها الوكالة للسكان.
تقدر مساحة مخيم كندا بحوالي 5.1 كم مربع و مساحة الأراضي الزراعية التابعة له تقدر بـ 260 دونماً. و ظل مخيم كندا بكامله في الجانب المصري بعد تقسيم مدينة رفح إلى قسمين : رفح المصرية و رفح الفلسطينية و ذلك بعد تطبيق اتفاقية كامب ديفيد عام 1982 . و ظل ما مجموعه نحو 500 عائلة فلسطينية لاجئة في هذا المخيم و يقدر عدد أفرادها بـ5.800 نسمة و قد فصل هؤلاء اللاجئون عن أهلهم و ذويهم و أصبحوا يعيشون في ظروف قاسية ينتظرون الأمل في حل مشكلتهم و إعادة جمع شملهم مع أبنائهم و إخوتهم و أقاربهم الذين يفصل بينهم سلك شائك و ذلك لمنع هؤلاء من الالتقاء بأقاربهم في الطرف الفلسطيني المجاور، و أحياناً يتم اللقاء عن بعد بالنظرات و العويل و الإشارات و الصراخ و البكاء.
في عام 1982 اتفق الجانبان الإسرائيلي و المصري على حل المشاكل الإنسانية لهؤلاء اللاجئين و السماح لهم بالعبور على كلا الجانبين للاتصال بعائلاتهم و متابعة أشغالهم و مصالحهم اليومية كما تم الاتفاق على نقل هذه العائلات من مكانهما الحالي إلى المشروع السكني في منطقة تل السلطان داخل حدود قطاع غزة بالقرب من مدينة رفح على أن يتم إعادتهم على دفعات متباعدة من الزمن و أن تقدم السلطات المصرية لهذه العائلات تعويضاً مناسباً عن ممتلكاتهم و بيوتهم حتى يتمكنوا من بناء مساكن جديدة في تل السلطان ، و تم الاتفاق بين مصر و إسرائيل في عام 1985 على إسكان هذه العائلات في منطقة تل السلطان داخل القطاع بالقرب من مدينة رفح و قد عارض المستوطنون هذا الاتفاق لكن الحكومة الإسرائيلية ظلت ملتزمة بهذا الاتفاق و لكنها كانت تماطل في تنفيذ كل مرحلة من مراحله . و في عام 1989 بدأ الانتقال الفعلي للعائلات اللاجئة من الجانب المصري إلى الجانب الفلسطيني بمعدل عائلتين كل أسبوع من مجموع العائلات المتواجدة في مخيم كندا و التي أصبح عددها 883 أسرة و التي استمرت وكالة الغوث في تزويدها بالخدمات الصحية و التعليمية المحدودة جداً بالإضافة إلى الأغذية و الملابس و البطانيات و خاصة للعائلات التي تعتبر من حالات العسر الشديد.
في عام 1990 تم إيواء 25 عائلة من مخيم كندا في مخيم تل السلطان من أصل 838 حيث لا يزال في مخيم كندا نحو 813 عائلة ينتظرون يوم عودتهم إلى قطاع غزة للالتقاء مع ذويهم و أقاربهم. و في عام 1995 عادت إلى تل السلطان 45 أسرة من مخيم كندا و الذين حصلوا على مساعدة نقدية من مصر بـ 8 آلاف دولار كتعويض لكل أسرة عن الأملاك التي ستتركها في مخيم كندا . أما في عام 1997 فقد دخلت نحو 40 أسرة إلى القطاع و سكنت في المساكن المخصصة لها و قد بلغ عدد أفرادها 200 لاجئ و بقى نحو 2800 لاجئ في مخيم كندا داخل الأراضي المصرية .
في عام 1998 أنهت نحو 37 أسرة من بين 40 أسرة التي عادت إلى تل السلطان بناء مساكنها بشكل كامل وحصلت على تعويضات كاملة و لم يسمح لبقية الأسر من دخول القطاع كما كان مقرراً من البداية بسبب عدم إتمام منازلهم و هم لا يزالون في مخيم كندا و حتى هذه اللحظة ، و منذ صمت الجانب المصري و انشغل الجانب الفلسطيني و دخلت قضية فلسطين برمتها في النفق المسدود و مازال يعاني ما يقرب من 4000 نسمة في مخيم كندا بعد نزوح أعداد جديدة في انتفاضة 2000 و حرب 2006 ضد قطاع غزة .، هؤلاء فقدوا عون وكالة غوث و عون النظام المصري و تركوا لحالهم إلى أن بدأت قوافل الإغاثة الشعبية تنطلق من محافظات الدلتا المصرية تحديدا و تم إنشاء لجنة إغاثة و دعم المقاومة الدائمة في مدينة المنصورة التي كانت تقدم قوافل دائمة لدعم اللاجئين و لدعم المقاومة في الضفة و القطاع
منذ العام 2009 حينما دخلت القضية الفلسطينية نفق التجميد و ضغط السلطات المصرية لتفكيك اللجان الشعبية و الأهلية التي تدعم المقاومة و اللاجئين و صارت الظروف المعيشية بائسة لهؤلاء من تركوا وحدهم دون عناية أو دعم .
المخيم منذ 6 أشهر عندما ذرته و تركته كمقبرة حقيقية لدفن هؤلاء من لم يعد يتذكرهم أحد من أي جانب حكومي أو شعبي حيث يعيش أهله في هذه الآونة على اصطياد الكلاب و الذئاب الجبلية و مياه الأمطار و ما أعان الله أهل رفح و العريش من أهلهم و ذويهم أصحاب الإقامة الكاملة في مصر على دعمهم به من قمح و حبوب .، إلا أن الوضع الصحي و المعيشي صار مستحيل في مخيم اللاجئين في رفح .، صار مستحيل تصديقه بالفعل و لم تعد حياة هناك .
ــــــــــــــــ
الصورة من مخيم رفح حينما كانت الحياة تشي بأمل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق