يناير 01، 2011

فقراء


وحدهم يصنعون من لحمهم العاري الملطخ ببقع حمراء من حكة ليلة أمس جمال العالم
ينامون بلا أية أمل في الغد
لا يحلمون
نومهم محض صدفة يلتقون بالموت و الجنون في عالم آخر تحرسه الملائكة .

وحدهم الفقراء ملاك العالم ، لا يشاركهم فيه غير ثلة من الأثرياء
قبل أن يمضوا مع فراغهم المرتبك
يناولون بأياديهم الخشنة بخفة ما يصنع من الخجل تمثالا يتحدّى بوادر الذبول الأكيد .

من يوقف عناء الفقراء
هم يشتهون أن تثمر الأرض ببقايا عصافيرها متنسمين لفحة من حرية مغصوبة
يبتهلون للرب الذي في الأعالي من نسيهم ذات مساء حزين
أن تشتعل البغضاء بين قنابل الأثرياء
يصلّون من أجل يوم سعيد
و يوم بحلم

الدقيق فاكهة الفقراء ألذّ من عسل النحل حين يجدوه
و النار ضياء أكواخ شادها الفلاحون
من طين و غناء
يألفون العيش في بيوت شادوها من الصفيح و من طمي النيل و نزف القلب
بيوتهم تلك التي تشبه وجوههم المشدودة بنار تاريخهم المقيت
يقضمون التراب رغيفا

لطفولة فقيرة طائشة تمصُّ أصابعها على غفلة من الآباء و الأمهات
لوطن يختنق بغاز الأعصاب
لسماء كفروا بها قبلا
انتحر ضوء مصابيحهم النيون الموفرة للكهرباء
ينتظرون دائما من يدفع فاتورة واحدة عنهم
لينمحي الغسق من خرائط العتمة في صناديق المهملات و الجيوب الفارغة

ربما يخونوا حواسهم
ربما يطفح موج الانتظار ببقايا الأمل
قرب مرور الأجل
ربما يسقط الأثرياء من ملكوت عليائهم لمصائر ما كانوا ليتهجّوا عذاباتها

لغة القلب ماتت منذ انتزعوا منهم شرارة البدء
لغة العين مفقودة
لغة الشفاه نداوة افتضاض الزهر
لغة الجرح آنية من حريق
لغة الحرمان موروثة من تشظّي التكتم ، ما فتئوا يشعرونه

أقبلوا أيها الفقراء
الوطن يتدثر بثياب البنفسج
و لا خيار بين خفقان القلب و نبض بندقية
ها هو الموت يزحف في خطوات سريعة نحو قبوركم و يعانق من يشتهيه
أيها الفقراء
الجرح ينزف كالمطر
و يرسف في دمه كطائر مذبوح
أيها الفقراء إن امتشاق الجمر أجمل ردٍ و هو معنى من معاني الكبرياء

وحدهم كل ما يختاروه يؤول إلى صراع يقود إلى عزلة مقيتة
و يفقدون على إثرها أحلى الأمنيات
و ما يُحارب في سبيله ، قد يبدو جريا وراء سراب

يا ربهم
عابدوك لم يبرحوا تماثيلك و الفقراء بين منتظر و شاهد
أضيء ظلام العالم بنار تنضج فيها جلود و لحم ضان
أيها النائم في كهفك العالي هانئا معافى راضيا بعذاباتهم
انهض
قد بنفسك مدارات الأرض و السماء
فأرض الفقراء قد أُجدبت
و مُرْ عابديك أن يهجروا خوفهم من ظلم الأثرياء
الأثرياء مالكوا العالم الضيق
و ارحم الفقراء من غسل أقدامهم
و تمشيط شعورهم بأمشاط العاج و الياقوت

خذوا نصيبكم من الكعكة و امضوا
هكذا قالت الأرض
لكنهم أخذوا نصيبهم من الألم و مضوا
و لم يبق لهم سوى الهروب من النوافذ

ــــــــــــــــ

اللوحة : عبد الرحمن شوان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق