يوليو 06، 2010

صورة الرفض وسيلة بازوليني


رغم ان عبقريته الفريدة يجب أن تُعتبر فطريَّة و أصيلة ، إلا ان بإمكاننا رؤية ان ظروف نشأته قد ألهبتها و شكَّلتها ، خاصة إجلاءه خلال الحرب العالمية الثانية ، مخرج سينمائي نزل من سماء الشعر و المسرح ، تعددت نشاطاته الابداعية ، فهو شاعر ، روائي ، ناقد و رسام . عانى الفقر و التشرد خلال طفولته و شبابه . وصل أخيرا الى روما مع والدته . أقام في شقة بائسة في احدى المناطق الشعبية الفقيرة ، ثم انطلق في فضاء الفن و الابداع . تعتبر أعماله حاليا مرجعاً و منهلاً فلسفياً و جمالياً لطلبة الفن و الأدب و السياسة و علم الاجتماع .
عاش بين فلاحين انحدرت أمُّه من صفوفهم و في الحديث عن أُمِّه يصف بازوليني هذه الروحيَّة بأنها شِعريَّة و طبيعيَّة علي نحوٍ صِرف . لقد كان من خلال هذا الحسِّ الصوفيِّ المشترَك ، أو الشمولي ، بالإدراك الروحي ان انجذب بازوليني ليحارِب مع الفلاحين في نضالهم ضد مُلاَّك الأرض الأغنياء ، و أن يصبح في آخر الأمر شيوعيَّاً و هو غير واعٍ في ذلك الحين للصراع الأساسي في الكوزمولوجيا بين الماديَّة الجدليَّة و إحساسه الأكثر روحية بالأشياء . و إلي درجةٍ ما وجد بازوليني حلاً للتَّوتِّر المحتوم بين هذين المنظورين في كتابات أنطونيو غرامشي ، و هو ماركسيٌّ حَلَّل القوي الثقافية بالإضافة إلي القوي الاقتصادية للتاريخ . و مع ذلك فإن ماركسيَّة بازوليني ، علي الرغم من أهميتها ، ظلَّت وجهاً واحداً فقط من موقفه الشامل من العالم الإنساني ، و وظيفةً لموقفه الفنيِّ و الروحيِّ ، و ليست مُحرّكه الأساسي ، و كنتيجة لذلك فإنه في محاولة فهم أفلام بازوليني لا يمكن التغاضي أبداً عن حساسيته الروحيَّة’ فهي تسبِقُ و تُغَلِّف صِلاته الماركسيَّة بنتيجة ان أفلامه لا يمكن أن تُعامل بالافتراض الساذج انها ـ أو انها ينبغي أن تكون ـ تصريحات سياسيَّة عُنِيَ بها إيضاح الأيديولوجيا الماركسيَّة . ففي معظم الحالات تُغْمَرُ الأبعاد السياسيَّة لأفلامه في القلب الدرامي للسرد . إن ما يأخذه بازوليني من ماركس هو نقده للعقلية الرأسماليَّة ، و تحديداً تنقيصها الإنسان إلي نتاجٍ ، سلعة ما . و يشاطره كذلك في ان درجة الحريَّة في مجتمعٍ ما هي علي نحوٍ كبير مقياس لحرية نسائه . و هكذا فإن في كل موضع من آثار بازوليني هنالك حس قوي بأن استغلال الإنسان للإنسان المتأصل في الاقتصاد الرأسمالي - علي الأقل بالنسبة إلي بازوليني - يبدأ باستغلال الرجال للنساء . إن علاقة عاهرة بقَوَّاد تصبح نموذجاً محدِّدَاً للعلاقات الجنسية عموماً ؛ فالنساء في كل من أكتوني و ماما روما مستَغَلات باعتبارهن وسيلة لإعالة الرجال . إن من الصعب علي بازوليني أن يتصور قصة تحرير ذاتي ناجحة لا تكون كذلك قصة لتحرير المرأة . و هكذا فإن فيلمه الأكثر إيجابية ، الليالي العربيَّة هو من الناحية السياسية قصة عبدة تنتصر علي عالم يهيمن عليه الذكور .
بالنسبة إلى بازوليني ، اللغة الأدبية وسيلة للتواصل ، أما اللغة السينمائية فهي لغة صورية بحتة ، الصورة السينمائية تأخذ شكل الاشارة . من السهل جمع الكلمات في قاموس ، لكن من المستحيل فعل قاموس لجميع الصور . نتيجة لهذا لا يمكننا وضع قواعد محددة لخلق الصورة السينمائية . السينما ، اذاً ، ليست وصفاً أو سرداً أدبياً ، بل هي فن شعري مستقل له أدواته التعبيرية الخاصة و ليست جزءاً أو نوعاً أدبيا .
من وجهة نظر هذا المفكر ، تسقط السينما للحضيض عندما تكون أداة في يد البرجوازية ، و عندما تتخذ اللغة و الاسلوب الادبي كأداة لعرض الصورة السينمائية .
بازوليني ، يخرج أفلامه معتمدا على أسلوبه الخاص الذي يسميه الجدل الحر غير المباشر أو الذاتي الحر غير المباشر ، بذلك تصبح السينما شعرا . هذا الأسلوب يمكننا رؤية الاشياء و الاحداث من وجهة نظر الشخصيات ، هو تعمق في روح الشخصيات ، هو ابحار في الحلم و اللاوعي للشخصيات ، يصبح لدينا احساس بالكاميرا التي تأخذ مكان الشخصية ، تركض بدلا منه ، ترى الاشياء و المناظر من زواية عين الشخصية .
السينما تكتسب اللغة الشعرية ، عندما تصبح وسيلة تعبير حقيقية للواقع ، و قراءة ما وراء هذا الواقع ، و ليس مجرد عرض السطح الهش و الزائف . السينما ايغال في عمق الأسطورة ، باعتبار الأسطورة الخيال الطفولي للانسانية ، الحقيقة ليست في حلم واحد ، بل في مجموعة الأحلام الانسانية .
في بداية فيلم " أوديب ملكا " نرى من بعيد ميلاد طفل . هذه اللقطة تصور ميلاد بازوليني في العشرينات من القرن العشرين . نرى الطفل بعدها في حديقة ، تركض أمه مع صديقاتها ، نرى الطبيعة من وجهة نظر هذا الطفل ، تعود الأم لاحتضان طفلها ، تنظر اليه ، ثم تنظر الينا ، نرى الخوف و القلق على وجهها ، هنا بازوليني يكسر الحاجز بين الشخصية و المتفرج ، هذه النظرات هي ارتداد ، تتحول الشخصية و تأخذ دور المتفرج ، تصبح هي شاهد على المتفرج . الشخصية ليست مجرد صورة متحركة ، هي روح قلقة و مضطربة تحاول نقل هذا القلق ، بل خلق القلق و الخوف في نفس و روح المتفرج .
تترك الأم طفلها الرضيع مرة أخرى ثم تركض مع صديقاتها ، نرى بعدها الطفل موضوعاً في عربة أطفال . تظهر صورة رجل بلباس عسكري ، يتبادل الطفل مع الرجل النظرات ، نرى ملامح الغضب و الازدراء على وجه الرجل و هو أب هذا الطفل . في المشاهد التالية في الجزء الأول من الفيلم نرى الأب و الأم في غرفة مستقلة يمارسان الجنس . يشعر الطفل بالخوف ، يترك سريره ليتلصص على غرفة أبويه . يصرخ الطفل نرى مفرقعات في السماء ، يشعر الأب بالغيظ ، نراه يأتي ليجر الطفل من قدميه . حتى هذه اللحظة لا نعرف ما حكاية هذا الطفل و ما مصيره .
كان هذا الفيلم مناسبة جيدة للمخرج لعرض سيرته الذاتية في قالب فني تشكيلي ، من أجل انارة الحقيقة بالاعتماد على الاسطورة . الفيلم كان بمثابة فرصة لعرض قضية مهمة هي حرية الانسان مقابل القدر .
يؤكد بازوليني في احدى حواراته : أنا هذا الطفل ، أبوه هو أبي و أمه هي أمي . أبوه يقوم بجره من قدميه من اجل إِخصائه و إِفقادهِ القدرة الجنسية .
ننتقل الى الجزء الثاني من الواقع إِلى الاسطورة ، نرى أوديب معلقاً من قدميه ِ، مربوط اليدين ، عاري الجسد ، يتركه الجندي في الصحراءِ وحيداً . الموت يهدده و يحيط بهِ من كل جانب . نسمع صراخ الطفل للمرةِ الاولى . هذا الصراخ تعبير عن رفضهِ الإِنفصال عن جسد أمه التي يحبها ، هو رفض عن التنازل بجسد الأٌم للأب . جسد الطفل العاري يخوض معركة صعبة مع طبيعة قاسية . السماء هي الاخرى يُحلق الموت فيها . ان القدر يسخر من وهن هذا الانسان الضعيف .
منذ هذه اللحظة تظهر الألوان القريبة من لون بشرة جسد الإِنسان ، اللون الرمادي و الأسمر و الأسود . بازوليني يجمع و يخلط بين الألوان لخلق سحر خاص ، لإِثارة المتفرج و دفعه الى بوابة الحلم المطلق . في الجزء الثاني الذي يدور بالزمن الاسطوري ، الجسد الإِنساني جزء من الطبيعة ، الملابس أشبه بقناع . هنا بازوليني يعرض حقيقة المخلوق بضُعفهِ أمام القدر و قسوة الطبيعة ، فهل ينتصر الموت على الحياة .
نرى طيورا جارحة تُحلق بالسماء نراها من وجهة نظر هذا الطفل الصغير الضعيف . هنا جسد مهدد بالموت و روح تطمح بالحياة ثم الإِنتقام من سلطة الاب و جبروته .
لحظات حرجه ، كل جزء من الثانية لها قيمتها ، صراخ الطفل يحاول تمزيق الخوف ، يدخلنا في عمق الزمن الأسطوري برعبهِ و وحشيتهِ .
الجسد الانساني عارٍ و كذلك الطبيعة ، التعرية لإِظهار حدث عنيف أو رغبة جنسية . هنا مناسبة لإِظهار كيفية بداية الكون . آدم كان عاريا ، لكنه لم يحس بحقيقتهِ إِلا عندما دفعته حواء للتفكير برغبة الخلود ، اللذة هي بوابة الخلود ، لكن هل يمكن الشعور باللذة من دون الشعور بقداسة الجسد .
يسوق القدر أحد الرعاة ليلتقط الطفل ، يرفعه للسماء ، يحمله ، يركض به إِلى الملك ، يفرح به هذا الملك ليعلن أنه هبة السماء . هل السماء كريمة لتلقي بالسعادة للانسان ، هل سيكون هذا الطفل مصدر سعادة أم شقاء لهذه الارض و العالم الجديد .
عندما نقف أمام سينما بازوليني ، نحن أمام مجموعة من الدلالات ، تغوص بنا في فضاءات أسطورية ، تعيدنا للحظة الأولى لنقطة البداية و هي أيضا تعبر عن الواقع ، بازوليني لا يتخلى عن الواقع لصالح الأسطورة و في الوقت نفسه الأسطورة ليست مجرد ممر للواقع .
نرى أوديب شاباً يافعاً يلعب مع أقرانه ، يحاول انتزاع النصر ، يركض للحصول على التاج ، يستخدم الخداع و قوتهِ الجسدية ، للشعور بالتمييز ، يغش و يخدع و هو على استعداد لسفك الدماء للتمرد على القدر . القميص الاحمر الذي يرفعه هو استعارة للتمرد و العنف ، هو لا يعي حقيقتهِ كلقيط ، هو لا يعترف بالحقيقة و ليس لديه استعداد لمعرفتها .
الجسد في هذا الفيلم هو أيقونه ، هو دلالة للروح ، هو نافذة للتوغل بدواخل النفس الإِنسانية بتعقيداتها ، بغموضها ، بعنفها الوحشي و حلمها بالسعادة و الخلود .
يظهر أوديب ليعلن حلما غريبا و مقلقا . لا بد من خوض رحلة شاقة إِلى دلف لمعرفة الحقيقة . يظهر أوديب بلباس أحمر . إِنه لون الدم يغطي الجسد . أوديب يساق لمصير بائس ، سوف ينفصل مرة أخرى عن عالم تربى فيه ، نراه يغادر بلباس أبيض ، كأنه يحمل كفنه ، هي رحلة للحقيقة أم لعالم الموت .
يصل أوديب الى دلف . نرى جموعا كثيرة من الناس . نرى اهتزازا بالصورة . يقدم هنا المخرج الزمان و المكان من وجهة نظر شخصيته . نحن لسنا في أجواء أسطورية ، أو واقع مضطرب . بازوليني ، ينقلنا إلى عالم ميتافيزيقي . هذه الصورة يمكننا أن نحسها كتقديم ليوم الحساب ، حيث الخلائق تنتظر كلمة الفصل . كل مخلوق ينتظر إِما سعادة أو تعاسة أبدية .
و عندما يقترب أوديب من الكاهن ليعرف تفسير حلمه ، نرى الكاهن من وجهة نظر الشخصية ، رجلا بجسد نحيل ، أعمى يجلس تحت شجرة ، صورة هذا الرجل يمكننا فهمها بانها إِستعارة لفكرة الإِله من وجهة نظر السينمائي الملحد ، من صنع قوة و هيمنة هذا الإِله هو خيال الناس الفقراء و الضعفاء .
يُصاب أوديب بالدهشة عندما يعلم أنه سيقتل أباه و يتزوج أمه ، لكن القدر لا يقبل النقاش . يطرده الكاهن ، على أوديب الإِستسلام لقدره أو مقاومته . يسير أوديب ضد ضوء الشمس ، فنرى الصور غير واضحة ، نحن نرى المشهد من وجهة نظر شخص أُصيب بجزء من العمى . مرة أخرى نرى أوديب ضائعاً في الصحراء . جسد و روح تعاني الإِضطراب ، لكن أوديب يقرر التمرد ضد قدره ، يحاول إِختيار جهة أخرى غير مملكة كورنته فهو لا يريد قتل ملك كورنته الذي رباه أو يتزوج الملكه التي منحته الحب و حنان الأم .
في مرحلة الضياع في الصحراء يزور أوديب عدة قرى . بازوليني ، يعشق إِظهار الفقراء و البؤساء ، أجسادا ضعيفة بكل ألوان الطبيعة ، رغم قسوة الحياة إلا أنهم يرقصون و يغنون و يتزوجون . هذا العرض هو إِظهار لبشاعة البرجوازية . ما يبحث عنه بازوليني هو الروح الإِنسانية الصافية التي لم تدنسها مادية حضارة اليوم .
يسوق القدر أوديب لطريق ضيق يؤدي الى مدينة طيبة . هنا يلتقي بموكب الملك لايوس ، أبيه الحقيقي ، يرفض أوديب الإِبتعاد من الطريق ، يفقد أعصابه ، يقتل بوحشية الحرس الملكي ، ثم يقتل أباه ، نرى أغلب الصور من بعيد ، أو نراها غير واضحة ، بسبب ضوء الشمس ، هذا التشويه مقصود ، إِعماء عين المتفرج خلال هذا الحدث العنيف .
اختار أوديب طريقاً ضد إِرادة الآلهة و القدر ، من أجل معرفة الحقيقة . هذا الاختيار هو تمرد و عدم إِكتراث بالقدر . هو رفض للطريقة التي تحكم بها هذه الآلهة مصير الإِنسان ، لكن القدر ينتقم منه بزجه لخوض جريمة بشعة . نحن لسنا أمام صراع بين شخصيات . هنا مخلوق إِنساني يصارع العالم الميتافيزيقي بكل قوة و عنف .
الأب هنا دلالة للطوطم الذي إحتفظ بالسلطة و الجنس لنفسه و حرم الابن من الأم و الحنان ، و زجّ به في متاهة الضياع و الحرمان . هذا القتل البشع لإِستعادة جسد الأم و الإِستحواذ على السلطة من يد قوة الأب الديكتاتورية .
يواصل أوديب رحلته باتجاه طيبة ، يلتقي أهالي المدينة ، و هم يغادرون مدينتهم فراراً من وحش دمر سعادتهم . يقوم أوديب بقتل هذا الكائن ، تستعيد المدينة سعادتها ، و يصبح أوديب زوج الملكة و صاحب السلطة بتتويجه ملكاً .
في هذه المشاهد ، يستغل بازوليني الجسد الإِنساني ، مستخدما جموع الاهالي لرسم لوحات تشكيلية و خطوط مستقيمة و متعرجة ، المجاميع بملابسهم و حركتهم ، السير باتجاه العمق ، أو التقدم العشوائي باتجاه الكاميرا ، هذا الإِجراء أشبه باسلوب تشكيلي ، رسم لوحة ثم مسح و تعديل بعض أجزائها .
شي أخر مهم لا نرى وحشاً بشعاً ، أوديب يقتل شخصاً ، يضع فوق رأسه قبعة غريبة . ما يود قوله بازوليني ، إِن الخيال الإِنساني هو من صنع العالم الميتافيزيقي و أعطاه القداسة . هو الخوف من كان و مازال يتحكم بالمصير الإِنساني .
لا تستمر سعادة أوديب و هو في أحضان زوجته جوسيكا طويلاً ، يصيب المدينة مرض الطاعون ، هي لعنة السماء للإِنتقام من قاتل لايوس . من هو هذا المجرم ، يأتي النبي صاحب الحكمة . رجل أعمى هزيل الجسد ، يمتلك مفاتيح الغيب ، بعد جدل طويل . يُصرح هذا الرجل بالحقيقة ، أوديب هو المذنب قاتل أبيه و زوج أمه . أوديب يرفض الإِعتراف و يكابر للتمسك بالسلطة و اللذة ، يستمر في معاشرة الملكة ، تنكشف الحقيقة في النهاية ، تنتحر الأم ، و يفقأ أوديب عينيه ، نراه في الجزء الاخير من الفيلم في شوارع روما في الزمن الحديث بالستينات ، في المشهد الاخير ، يعود إلى نقطة البداية في المكان نفسه الذي ولد فيه ، هي عودة لجسد الام التي فقدها .
بازوليني هذا الفيلم يقدم شهادتهِ على الواقع ، مرض الطاعون هو إستعارة لجرائم الحروب في العصر الحديث . نرى إِصرارا من الكاميرا بعرض الاجساد الميتة . نرى البثور و قد شوهت جمال الجسد و الوجه الإِنساني ، كان الطعون في العصور البدائية الى القرون الوسطى هو أبشع صور للموت ، لكن في العصر الحديث ، ابتكرت الانانية البورجوازية ، القنبلة الذرية و أسلحة فتاكة اكثر قسوةً و بشاعةً من الطاعون ، الضحية هي الطبقة البروليتارية .
يستخدم المخرج اللون الأسود و الأبيض بشكل ديناميكي ، لرسم الالم و البؤس و قسوة الموت ، هذا الإِستخدام ليس مجرد أسلوب جمالي ، الاهم من ذلك التأثير النفسي لدى المتفرج ، في هذا الفيلم بازوليني ، قدم سيرته الذاتية متأثراً بسيجموند فرويد و تفسيره لهذه الاسطورة ، الاسطورة هنا ليست وسيلة للمقارنة بين الماضي و الحاضر،هي هنا من اجل إِحداث نوع من الإِزعاج و الإِرباك للواقع ، فعل و فتح باب الجدل حول الواقع.
جسد الأم المنتحرة ليس لدلالة على ضياع و موت الأم بما تمثله من قيمة إِجتماعية ، اندثار هذا الجسد هو للدلالة على فقد شي مقدس ، أجساد اهل المدينة يتم رميها بالنار، قد يفهم البعض أنها تاكيد لفكرة ألفناء بعد الموت من وجهة نظر ملحد ، لكنها أيضاً تصوير لبشاعة الحرب التي تدمر كل ما هو مقدس ، كونها تغتال الروح ، تُشوه جمال الإنسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق