أبريل 14، 2010

مبارك و نظامة عملاء الصهيونية


عندما ارادت أمريكا أن تقضي على الشيوعية في العالم ركزت على الاتحاد السوفيتي ،وتم تدمير ايدولوجية كامله وأنظمة إقتصادية وإجتماعية وسياسية تابعة للشيوعية عن طريقة أسهل بكثير مما يتصوره ازكي السياسين واساتذة علوم السياسة والاجتماع ،كانت استراتجيتها بسيطة للغاية ،وهي إختيار عميل واحد فقط لتنفيذ مخططها ،وكان الاختيار على جورباتشوف ،وعندما وصل جورباتشوف إلي رياسة الاتحاد السوفيتي ،كانت الأوامر التي صدرت له من المخابرات الأمريكية بسيطة للغاية ولكن قوة تدميرها كانت أكبر بكثير من قوة تدمير ألف قنبلة نووية ،ترى ماذا كانت تلك الأوامر؟؟
كانت الأوامر هي أنه إذا تقدم ثلاتة أفراد لشغل وظيفة عليا كان على جورباتشوف ان يختار اسواهم وأفسدهم.
أمر سهل و بسيط ،جعلني أراجع سياسة مصر وسياسة حسني مبارك منذ القيام بإغتيال السادات عام ١٩٨١٬كل قرارات وسياسات مبارك تجعل أي مبتدي في مجال السياسة يستخلص أن حسني مبارك هو عميل لجهة ما هدفها الأول والأخير هو إنهاك وتدمير مصر ،هذه النتيجة لا تحتاج إلى مفكر أو محلل للوصول إليها بل أن أي طفل صغير يستطيع الوصول لذلك ، حسني يتبع نفس الإستراتيجية التي تبناها جورباتشوف ،و لكن مع إختلاف من يتولى تحريكه . ولكن من تكون تلك الجهة التي تحرك مبارك هل هي المخابرات الأمريكية أم الاسرائلية ؟؟
الأمركيين ببساطة ليست لهم أي مصلحة مباشرة أو عداء تاريخي متاصل تجاه المصريين بل أن الشعب الأمريكي و قادته السياسيين على إختلاف طوائفهم السياسية يحبون مصر.فمصر تمثل بالنسبة لاي أمريكي ام الحضاره وبدون مصر يشعر الأمركيين بالفراغ التاريخي.ثم ما مصلحة أمريكا في أن تجويع وافقار وامراض شعب مصر فنحن لم نخض حرب ما ضد أمريكا ولم يحدث في يوم من الأيام أن قمنا بقتل جندي أمريكي ،و على مر تاريخنا لم نمثل أي تهديد حقيقي للامريكيين ،بل أن أول من إعترف بانقلاب ١٩٥٢ كانت الحكومة الأمريكية ،ورغم مايقال عن أن أمريكا كانت دايما ضد مصر فهذا كلام ليس له أي دليل حقيقي فعلى سبيل المثال كانت أمريكا هي من أمر بوقف العدوان الثلاثي على مصر من قبل إنجلترا وفرنسا وإسرائيل ،وإذا لم تتدخل لوقف العدوان في ذلك الوقت لتم إعادة إحتلال مصر مرة أخرى .هذه ليس وجهت نظري الشخصية ،بل هي حقيقة تاريخية ،لا مجال فيها للتكهنات.
وهذا يدفعنا إلي الاحتمال الثاني ألا وهو إسرائيل لماذا؟؟
لان الاسرائيليين ارادو الانتقام من الشعب المصري ومن السادات بالذات فالرجل دمر حلمهم وعزتهم وثقتهم بانفسهم أمام العالم إنتصر عليهم عسكريا وسياسيا و ألحق بهم عار الهزيمة عام ١٩٧٣ ،بل أن السادات بدهاؤه السياسي كان قد بدا بخطة خطرة جدا يهدف من وراها تقليص دور إسرائيل الأقليمي و سحب البساط الأمريكي من تحت اقدامها،و النتيجة كانت التفكير في التخلص من السادات و لكن كيف ،كان أقسى ألم يشعر به مناحيم بيجين هو أن السادات كان يلعب معه أمام أعين العالم كله بنفس خطط بيجين و لكن بتكنيكات جديدة وكان بجين الذي تعشق لعبة الشطرنج بجنون يتعامل مع السادات باسلوب لاعب شطرنج ،وكان السادات يعلم ذلك جيدا ومن المفارقات العجيبة أن السادات لم يخسر أبدا في حياته دور شطرنج لعبه ،كانت تحركات السادات واضحة لبيجن و كان السادات يتحرك بمكر شديد تجاه أمريكا و كانت قوة تحركات السادات نابعة من أنه كان يحب اللعب أمام أعين العالم بطريقة استعراضية تبدو شفافة حتى صارت معظم شعوب العالم و ليس قادتها فقط مغرمين بتتبع أخبار السادات ،حتى أن مجلات الأزياء في العالم تصدر السادات غلافها في يوم ما ،كان السادات يمثل بالنسبة للجميع رمزا للتحضر رمزا للانتصار والتسامح وكان إعجاب جيمي كارتر المتزايد له يوما بعد يوم ومقدرة السادات على احتواء كارتر وأمريكا تحت زراعه من أهم الأشياء التي جنت جنون الادارة الاسرائلية فالسادات يحاول أن يستبدل إسرائيل المدللة من الولايات الأمريكية والحليف الاستراتيجي رقم واحد بالمنطقة بمصر ،
تجمعت كل الاراء والتوجهات في إسرائيل إلي راي واحد هو أنه يجب التخلص من السادات،وعقاب الشعب المصري و- الأخذ بالثار منه، ولم يكتفوا بقتل السادات عن طريق عميلهم بل أنهم جندو مجموعة من العملاء لتدمير مصر منهجيا ،وكانت البداية بدراسة من هم عملاء إسرائيل المهمين والموثرين داخل مصركانت اللستة تضم١_ صفوت الشريف والإسم الحركي له في المخابرات الاسرائلية هو أبو عوف2_ أشرف مروان والاسم الحركي له إذ البان٣_ اللواء عبد العزيز عز والاسم الحركي له عيسى
كانت الاوامر لواضحة
1.دعم الحركات الاسلامية ذات الطابع الراديكالي والتي تتسم بتبنيها سياسة العنف السياسي بالمال والسلاح والأفكار،بدون أن تلاحظ تلك الحركات الهدف النهائي من الدعم أو المصدر الريسي لهذا الدعم .2.تهيات و تشجيع ووضع أحد العملاء الجدد أمام السادات وتهيي المجال لهذا العميل لكي يقوم السادات بختياره كنائب له ،ومن ثم عند التخلص من السادات يضمن الاسرائليون وصول عميلهم إلي حكم مصر
كان صفوت الشريف هو المحرك الأساسي للخطة ،تحرك صفوت في كافة الاتجاهات والمجالات لتلميع حسني أمام السادات واظهاره بمظهر الخاضع الذليل للسادات حتى أن جملة( لبيهش ولا بينش) تم اختراعها وتسمية مبارك بها أمام السادات حتى يهيي للسادات إختياره كنائب له،وكان من ضمن التقارير التي تصل إلي السادات عن حسني مبارك من صفوت بصفته ريس جهاز الاستعلامات ،وجهاز الاستعلامات كان يعد المسوول الأول عن المعلومات الداخلية في مصر في ذلك الوقت، ولكن ماهو التقرير الذي سلمه صفوت للسادات وجعل السادات يقوم بتعين حسني مبارك نائبا له لذلك يجب تعريف القارىء على من هو صفوت الشريف من خلال تحقيقات مجلس قيادة الثورة فى احداث انحراف المخابرات وقد قمنا بحذف اسماء الفنانات والاشخاص المذكورة فى التقرير لان الكثير منهم توفاهم الله ولانريد التشهير باحد قد سترة الله عد الاشخاص المعروفين كصلاح نصر وحسن عليش فسمعتهم تسبقهم اليكم المفاجئات
فتح المحضر يوم الخميس الموافق 29/2/1968 الساعة 11 صباحاً بمبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة.
نحن/ عبد السلام حامد أحمد رئيس النيابة وعضو مكتب التحقيق والادعاء ومحمود عباس أمين سر مكتب التحقيق والادعاء
حيث عهد إلينا السيد رئيس مكتب التحقيق والادعاء بمحكمة الثورة بسؤال المعتقل محمد صفوت الشريف واسمه الحركي "موافي" في القضية الخاصة بانحراف جهاز المخابرات العامة ــ وقد تسلمنا من السيد رئيس المكتب صورة تقرير مقدم من المذكور وهي صورة محررة على الآلة الكاتبة وتقع في اثنين وعشرين ورقة ــ وباطلاعنا عليها وجدنا أنه يتحدث فيها عن عمليات السيطرة "الكنترول" التي قام بها قسم المندوبين بالمجموعة 98 منذ عام 1963 عن طريق تجنيد عناصر من السيدات لاستغلالهم في هذه العمليات وأوضح كيف نشأت هذه الفكرة وأسماء سائر ضباط المخابرات الذين أسهموا في تنفيذها والدور الذي تولاه في هذا الشأن وأسماء السيدات اللاتي وقع عليهن الاختيار والأماكن التي تم فيها تنفيذ العمليات بعد تجهيزها فنياً ــ كما شرح العمليات التي تمت تفصيلاً والأشخاص الذين كانوا هدفاً لهذه العمليات لإمكان السيطرة عليهم واستغلالهم في عمليات المخابرات ــ وأنهى التقرير بتعليق ذكر فيه أن عملية استخدام وسائل السيطرة واستخدام العنصر النسائي تعتبر إحدى وسائل علم المخابرات وأنه تم التفكير فيها كنوع من التطوير والتجديد لقسم المندوبين ولجهاز المخابرات إلا أنه لم تستغل نتائج المجهود المبذول في هذه العمليات وحفظت جميعها في الأرشيف.
وأن هذه العمليات سارت بنجاح لفترة ثم فقدت قيمتها ونجاحها حين خرجت عن الخط المرسوم لها واستبدلت بعمليات غير واضحة أو محددة الغرض من إجرائها على مستوى القائمين بالتنفيذ رغم ما تكلفته من مبالغ ــ كما أورد في التعليق بعض أوجه النقد في تنفيذ العمليات سالفة الذكر ومنها أن وسيلة السيطرة يكفي أن تكون صورة واحدة للشخص المطلوب السيطرة عليه في وضع شاذ لا أن تكون قصة طويلة تليفزيونية وسينمائية ــ كما ذكر أنه كانت هناك شائعات بأن رئيس هيئة الأمن القومي على علاقة بنجاة الصغيرة وأن مدير المخابرات على علاقة بسعاد حسني التي سبق أن أجريت لها عملية "كنترول" ــ كما أوضح في التعليق أن العمليات سالفة الذكر كانت واقعة تحت سيطرة رئيس هيئة الأمن القومي ورئيس المخابرات ولا تتم أي خطوة إلا بتوجيه وأمر صريح، وأن مصروفات العمليات من مكافآت للمندوبين وإيجارات للمنازل التي تتم فيها وسائر المصروفات كانت تتم المحاسبة عليها بموجب إيصالات وفواتير مع يسري الجزار مساعد رئيس هيئة الأمن القومي.
وقد أشرنا على صورة التقرير بالنظر والإرفاق.
وقد وجدنا مرفقاً بها صورة بالآلة الكاتبة من تقرير آخر مقدم من محمد صفوت الشريف تقع في ثلاث ورقات ويتحدث فيها عن المشروعات التجارية التابعة لإدارة المخابرات.
وقد أشرنا عليها أيضاً بالنظر والإرفاق.
كما وجدنا مرفقاً أيضاً صورة أخرى من تقرير يتكون من ورقتين محررة بالآلة الكاتبة عن عمليات تسجيل تمت في عيادة الدكتور/ ------ وفي منازل كل من (مطربين وفنانات فى تلك الفترة) وينتهي هذا التقرير بتعليق جاء به أنه كان هناك اهتمام بالحصول على وسائل سيطرة على بعض المندوبات رغم أنهن لم يشتركن في عمليات هامة، كما أنه كانت تصرف مكافآت عقب عمليات غير هامة ولا تستحق المكافأة على عكس ما كان يجري بالنسبة لعمليات أخرى على مستوى عال بالنسبة لعمل المخابرات. كما أنه كان يجري استخدام المترجمين في إتمام عمليات الكنترول الخاصة بالوسط الفني.
وقد أشرنا على هذه الصورة أيضاً بالنظر والإرفاق.
وحيث كنا قد نبّهنا بحضور محمد صفوت الشريف.
وحيث حضر فقد دعوناه وسألناه بالآتي قال: اسمي: محمد صفوت محمد الشريف واسمي الحركي "موافي" سن 35 ــ رئيس منطقة عمليات
بإدارة المخابرات العامة سابقاً وبالمعاش
حالياً ــ ومقيم/ 347 شارع رمسيس.
س: ما العمل الذي كنت تقوم به في إدارة المخابرات العامة؟
جـ: أنا التحقت بإدارة المخابرات العامة منذ سنة 1957 وكنت قبل ذلك أعمل ضابطاً بالجيش وبعد انضمامي للمخابرات تدربت في الفرقة ثم عملت كضابط وحدة ميدان في التحريات والمراقبات لمدة حوالي سنة وبعد ذلك تفرغت لعملية خاصة وهي عملية الجاسوس فؤاد محرم ثم عملت في تدريب بعض العاملين بالإدارة حتى سنة 1962 حيث عملت في قسم المندوبين بالمجموعة 98 وكنت رئيس مكتب فرعي هو مكتب الهيئات الدبلوماسية وكان يرأس قسم المندوبين في ذلك الوقت جمال عباس واسمه الحركي "محرم" ثم عينت في أوائل سنة 1963 رئيساً لقسم المندوبين حتى ديسمبر سنة 1964 وتخلل هذا انشغالي في فرقة تدريب ضباط من نوفمبر سنة 1963 حتى إبريل سنة 1964. وتفرغت بعد ذلك أي بعد ديسمبر سنة 1964 لتدريب فرقة ضباط أخرى حتى يوليو سنة 1965 وفي الوقت ده شكلت هيئة الأمن القومي وضمت المجموعة 98 والمجموعة 52 الخاصة بالنشاط والأمن الداخلي بما في ذلك قسم المندوبين الذي كان تابعاً أصلاً للمجموعة 98، وعينت رئيساً لمنطقة العمليات(410) لتي كانت تضم وحدات المراقبات والتحريات وقسم المندوبين وكان يرأس هيئة الأمن القومي حسن عليش الذي كان من قبل رئيساً للمجموعة 98 وكانت المنطقة التي أرأسها تابعة لإدارة العمليات التي يرأسها جمال عباس والتي تتبع بدورها هيئة الأمن القومي واستمريت في هذا العمل حتى 26/8/1967 وهو تاريخ التحفظ عليّ وأخطرت بإحالتي للمعاش في 26/9/1967.
س: هل هذه التقارير مقدمة منك؟ "عرضنا عليه صور التقارير السابق إثباتها".
جـ: أيوه هذه صور لتقارير كتبتها بعد التحفظ عليّ وأذكر أني سلمتها لأحمد الطاهر محمد رئيس الإدارة الفنية بهيئة الأمن القومي وقد شرحت فيها عمليات الكنترول أو السيطرة التي كانت تتم عن طريق قسم المندوبين منذ أن نشأت الفكرة فيها عام 1963 وحتى سبتمبر سنة 1966 الذي انتقلت فيه هذه العمليات الخاصة من قسم المندوبين إلى رئاسة هيئة الأمن القومي على أثر نقل ضابط النشاط العام الذي كان مختصاً بهذه العمليات من قسم المندوبين إلى إدارة العمليات برئاسة هيئة الأمن القومي مما ترتب عليه انفصال هذه العمليات عن قسم المندوبين وبالتالي عن المنطقة التي كنت أرأسها وأصبحت تتبع رئاسة الهيئة مباشرة، وضابط النشاط العام الذي أقصده هو محمود كامل شوقي واسمه الحركي "شريف".
س: وما المقصود بعمليات الكنترول؟
جـ: عمليات الكنترول والتي كان يطلق عليها أيضاً العمليات الخاصة أو بعبارة أدق التي كانت جزءاً من العمليات الخاصة يقصد بها الحصول على صور أو أفلام تثبت وجود علاقة جنسية مشينة للشخص المطلوب السيطرة عليه حتى يمكن استغلال هذا الأمر في أعمال المخابرات في الضغط على هذا الشخص علشان أشغله معايا أو تجنيده للعمل لحساب المخابرات وقد تستخدم هذه العمليات على مستوى سياسي كسلاح في يد الدولة بالنسبة للشخصيات الكبيرة في البلاد الأخرى وأحياناً أعمل الكنترول على شخص مجند فعلاً لضمان ولائه لجهاز المخابرات وإيجاد وسيلة استخدمها في الوقت المناسب للضغط عليه إذا ما حاول أن يقوم بعمل مضاد لي أي لجهاز المخابرات.
وقد لا يكون الكنترول على علاقات نسائية حيث أجريت عمليات عن نواحي شذوذ جنسي بالنسبة لبعض الأجانب، وكان عندنا مندوبات في القسم لاستغلالهم في تنفيذ العمليات مقابل مكافآت كانت تصرف لهن، وكانت تتم عمليات تجنيد المندوبات بعد ترشيحات وتجرى تحريات كاملة عنهن ويتم الكشف عنهن في الآداب والمباحث العامة ويمروا بجميع مراحل التجنيد المختلفة حسب النظام المتبع في قسم المندوبين وبعد التجنيد الذي لا يتم إلا بعد تصديق السيد/ حسن عليش شخصياً يتم وضع خطة تشغيل وتحديد قيمة المكافأة الشهرية والتي يصدق عليها السيد/ حسن عليش أيضاً إذ كانت جميع المكافآت التي تصرف للمندوبين عموماً بتصديق منه.
س: وكيف نشأت الفكرة في إجراء هذه العمليات وكيف سارت، وما الذي انتهت إليه؟
جـ: بدأت الفكرة في إجراء عمليات الكنترول في نهاية سنة 1962 أو بداية سنة 1963 وكان ذلك على أثر مؤتمر عقده حسن عليش لضباط قسم المندوبين الذي كان يرأسه في ذلك الوقت جمال عباس واقترح حسن عليش في هذا المؤتمر عدة اقتراحات لتطوير العمل في قسم المندوبين وكان من ضمن هذه الاقتراحات استخدام العنصر النسائي في الحصول على وسائل سيطرة تستخدم في تجنيد الأجانب والدبلوماسيين للحصول على معلومات تفيد في أعمال المخابرات وكمرحلة من مراحل تجنيدهم بمعنى أن السيدات ينشئوا علاقات مع هذه الأهداف ويتم تصويرهم في أوضاع مشينة لاستغلالها في الغرض سالف الذكر.
وأشار حسن عليش في المؤتمر إلى أن هذه الوسيلة تستخدم في أعمال المخابرات في الدول الأجنبية واحنا فعلاً كنا من قبل كده بندرس المسألة دي ضمن الفرق التي كنا نتدرب فيها على أعمال المخابرات إنما كانت مجرد مبادئ على الورق فأراد حسن عليش بالمؤتمر الذي عقده أن يخرجها إلى حيّز التنفيذ وعقب هذا المؤتمر قام جمال عباس باعتباره رئيس قسم المندوبين بعقد مؤتمر آخر كلف فيه الضباط كل في نطاق عمله بإجراء الدراسات اللازمة لتطوير العمل في قسم المندوبين بما في ذلك تنفيذ عمليات استخدام العنصر النسائي على النحو السابق إيضاحه.
ومن مجموعة الدراسات وضع جمال عباس خطة عامة للتطوير وعرضها على حسن عليش فصدق عليها وكان من ضمنها استخدام العنصر النسائي في عمليات الكنترول وعقب ذلك نقل جمال عباس من قسم المندوبين وأنا حلّيت محله في رئاسة هذا القسم وبدأنا في تنفيذ تلك الخطة وعقد حسن عليش اجتماعاً آخر معي ومع أحمد الطاهر باعتباري رئيس القسم المختص وباعتبار أحمد الطاهر هو رئيس الإدارة الفنية التي نحتاج إلى إمكانياتها في التنفيذ.
وقال لنا حسن عليش أننا نبدأ في البحث عن المكان المناسب وتجهيزه لتنفيذ عمليات الكنترول فيه وعلي أن أتولى ترشيح المندوبات اللي يصلحوا لهذا العمل وأن أبدأ باستلام إحدى المندوبات القدامى من الزميل سمير غانم وكانت هذه المندوبة تدعى (-----) وقد تسلمتها بالفعل من سمير غانم وبحثت أنا وأحمد الطاهر عن شقة لإعدادها لهذا الغرض ووقع اختيارنا على شقة في منزل لا أذكر رقمه بشارع السيد المرغني بمصر الجديدة وأجرناها في أوائل سنة 1963 ولا أذكر التاريخ على وجه التحديد وكان الإيجار 23 جنيه على ما أذكر خفضت بعد ذلك بمعرفة لجنة الإيجارات إلى 12 جنيه وضمّينا لها شقة أخرى مقابلة في نفس البيت بعد حوالي أربعة شهور بإيجار مماثل وكان ذلك من وجهة نظر الأمن لأن البيت مكون من الشقتين دول فقط علشان محدش تاني يسكن معانا.
وتم تجهيز الشقة الأولى فنياً بإخفاء آلات التصوير فيها وأجهزة التسجيل وذلك بمعرفة أحمد الطاهر وهو اللي تولى استئجار الشقة تحت اسم كودي وتحت ساتر أنه يعمل بوزارة الخارجية ــ والشقة الثانية أجرتها أنا باسم كودي أيضاً وكانت مفاتيح الشقتين عهدة أحمد الطاهر وكنت آخذ منه المفاتيح لما يكون فيه عملية وأرجعها لـه تاني.
كما كان هو المسئول عن الشئون الإدارية الخاصة بالعملية والنواحي المالية من دفع إيجار أو تسديد نور ــ وكان أي مكان تستخدمه المخابرات يطلق عليه "منزل أمين" ــ وجميع عمليات الكنترول التي ذكرتها في تقريري والتي تمت في القاهرة كانت في الشقة سالفة الذكر.
وأجرنا في صيف سنة 1964 فيلا مفروشة بالإسكندرية في ميامي لا أذكر عنوانها على وجه التحديد لإجراء عمليات الكنترول الخاصة بتغطية مؤتمر القمة وأجريت فيها حوالي ثلاثين عملية على وفود العرب.
وبانتهاء العملية تركنا الفيلا ــ وفي أوائل سنة 1966 أجرنا فيلا أخرى في الهرم وراء الأوبرج للقيام فيها بعمليات الكنترول مع شقة مصر الجديدة وتم تجهيزها فنياً بمعرفة أحمد الطاهر ولكنها سلمت عقب تجهيزها لحضور كامل شوقي الذي أصبح كما سبق أن ذكرت تابعاً مباشرة لرئاسة هيئة الأمن القومي وانفصل عن قسم المندوبين وتولى هو استلام الفيلا فلا أعرف ماذا تم فيها وكان إيجارها حوالي مائة وعشرين جنيه في الشهر.
وأما الفيلا بتاعت اسكندرية فكان إيجارها حوالي سبعين جنيه شهرياً والذي تولى تأجيرها هو محمود كامل شوقي وكان الإيجار لمدة سنة دفعت كاملة على دفعتين.
وهذه هي الأماكن التي تم استئجارها لتنفيذ عمليات الكنترول فيها وقد أشرت في تقرير إلى أماكن أخرى ولكنها لا تتصل بهذه العملية وإنما كان استئجارها لأغراض أخرى خاصة بجهاز المخابرات ــ وأما بخصوص عمليات الكنترول التي تمت في شقة مصر الجديدة والتي أوضحتها في تقريري فكانت أول عملية منها خاصة بسيدة روسية الجنسية تدعى (---)وكانت تعمل مدرسة بمدرسة الألسن وتعمل علاوة على ذلك في السفارة الروسية وكانت على علاقة بمترجم اللغة الروسية في قسم المندوبين (----) الذي قدم تقريراً لي عن هذه العلاقة فنشأت عندي فكرة البدء باستخدام هذه السيدة في إجراء عملية الكنترول تمهيداً لتجنيدها للعمل لصالح جهاز المخابرات داخل السفارة الروسية وعرضت خطة الموضوع على حسن عليش وصدق على تنفيذ العملية وتمت بنجاح وأخذنا للسيدة المذكورة فيلماً 35 مم أثناء عملية جنسية بينها وبين (---) ، والذي أشرف على هذه العملية أحمد الطاهر وأنا وحمدي الشيخ واسمه الحركي "حماد" وكنا نتواجد في حجرة العمليات بالشقة وهي منفصلة عن الحجرة التي تجرى فيها العملية الجنسية وعن باقي الشقة ولها مدخل خاص خلفي من باب المطبخ وكان أحمد الطاهر يتولى عملية التصوير وأنا كنت أساعده فيها وكذلك عملية التسجيل الصوتي وحضر حمدي الشيخ بصفته ضابط عمليات المجموعة 98، ولم نستغل هذه العملية نظراً لأن السيدة الروسية المذكورة غادرت البلاد بعدها بحوالي شهر مغادرة نهائية لم يكن هناك متسع من الوقت للاتصال بها واستغلال عملية الكنترول في تجنيدها.
وكان نظام العمل اللي مشينا عليه بناء على تعليمات حسن عليش هو أن أحمد الطاهر بمجرد انتهاء العملية يأخذ الأفلام والتسجيل الصوتي ويتولى بمعرفة إدارته الفنية تحميضه وطبع الأفلام وتسليمها بعد ذلك لحسن عليش شخصياً الذي يقوم بحفظها في الأرشيف السري الموجود داخل مكتبه وأنا عملت سجل أطلقت عليه "سجل العمليات الخاصة" وكنت أثبت فيه كل عمليات الكنترول التي تجرى وكان يحتوي على اسم الهدف أي الشخصية المعمول عليها الكنترول وعمله واسم المندوبة أو المندوب بتاعنا في العملية وكذا أسماء الضباط المشتركين في تنفيذ العملية وتاريخ تنفيذها وكنت أنا احتفظ بهذا السجل كما كان أحمد الطاهر يحتفظ بسجل مماثل كما كان يوجد نسخة ثالثة منه داخل أرشيف حسن عليش وكان أحمد الطاهر هو الذي يتولى التسجيل في تلك النسخة أيضاً وبعد كده سلمت النسخة اللي عندي لحسن عليش بعد نقل العمليات الخاصة من قسم المندوبين إلى رئاسة هيئة الأمن القومي في سبتمبر سنة 1966.
(إمضـــاء)
ملحوظة:
اكتفينا بهذا القدر من استجواب المذكور على أن نواصل استجوابه في المساء ووقع في نهاية أقوالـه.
تمت الملحوظة رئيس النيابة
(إمضــــــــــاء)
وأقفل المحضر على ذلك عقب إثبات ما تقدم حيث كانت الساعة 3,60 مساء،،،
رئيس النيابة
(إمضــــــــــاء)
عيد فتح المحضر في تاريخه الساعة 7,35 م بمبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة بالهيئة السابقة.
حيث حضر محمد صفوت الشريف واستدعيناه وواصلنا استجوابه بالآتي قال:
اسمي: محمد صفوت محمد الشريف (سابق سؤالـــه)
س: ما هي سائر عمليات الكنترول التي تم إجراءها؟
جـ: أريد أولاً أن أوضح صورة لما كان يجري في غرفة العمليات بالشقة فقد كانت الغرفة مجهزة فنياً بثلاث وسائل للتصوير الأولى هي التصوير بالفيديو أي التصوير التليفزيوني وبيكون صورة وصوت وتظهر الصور على شاشة تليفزيونية مركبة أيضاً في الحجرة ومنها يتم التصوير بالسينما وبكاميرا 35 مم وهما الوسيلتين الأخرتين للتصوير ولذلك كان الأمر يقتضي وجود ثلاثة أشخاص لتشغيل هذه الأجهزة أثناء العملية بالإضافة إلى أجهزة تسجيل للصوت.
والنواحي الفنية في الموضوع كانت من اختصاص رئيس القسم الفني وهو أحمد الطاهر وهو الذي كان يتلقى العمليات اللازمة في هذا الشأن من حسن عليش وبالتالي فقد كان هو المسئول عن طبع الأفلام وتبويبها وحفظها في أرشيف حسن عليش وكان هو المسموح لـه بالتردد على مبنى إدارة المخابرات وأما أنا فكانت طبيعة عملي في الميدان لا تسمح لي بالتردد على مبنى الإدارة وكان عملي خلال العشر سنوات التي عملتها في إدارة المخابرات في خارج الإدارة بالمنازل الآمنة.
وأما بخصوص العمليات التي بعد عملية السيدة الروسية السالف ذكرها فقد كانت العملية الثانية هدفها مستشار السفارة اليوغسلافية في ذلك الوقت أي سنة 1963 ولا أذكر اسمه وقد نجحت المندوبة (----) في التعرف عليه وأبلغتني بذلك في استخدامها في عمل كنترول عليه باعتبار أن الغرض الأساسي من عمليات الكنترول هو الاستفادة منها في أعمال المخابرات وتمت العملية ولكنها لم تستغل وحفظت في الأرشيف.
وتمت بعد ذلك عمليات أخرى على عدد من الأجانب وجميعها مسجلة في سجل العمليات المحفوظ بأرشيف العمليات الخاصة واقتضى الأمر توسيع قاعدة المندوبات من النساء وصدرت تعليمات بذلك من حسن عليش وأنا جندت حوالي أربعة أو خمسة من السيدات دول خلال عامي 1963، 1964 ومن حوالي مارس سنة 1963 صدرت تعليمات من حسن عليش بأن يكون هناك ضابط مسئول عن العمليات الخاصة هو محمود كامل شوقي وكان في ذلك الوقت رئيساً لمكتب النشاط العام وبدأ يقوم بمهمته كمسئول عن العمليات الخاصة تحت إشرافي لأنه كان يتبع قسم المندوبين الذي أرأسه.
وكان حسن عليش يتابع بنفسه سير العمل بالنسبة للعمليات الخاصة ويصدر التعليمات اللازمة بشأنها كما أنها كانت لا تتم إلا بتصديق منه وكانت هناك خطة عامة أساساً بالنسبة لعمل الكنترولات وهي أن تتم بالنسبة للأجانب وأعضاء الوفود الذين يمكن الاستفادة منهم في أعمال المخابرات ولكن إلى جانب هذه الخطة العامة فقد كان حسن عليش يعطينا أوامر باحتياجات محددة أي بعمل كنترولات عن أشخاص يحددهم هو بنفسه، وكان يتابع بنفسه خطة وتنفيذ هذه الاحتياجات واحنا كنا بننفذ الأوامر التي يصدرها.
ومن ذلك عملية خاصة بالممثلة (--------) تمت في حوالي أكتوبر أو نوفمبر سنة 1963 حيث اتصل بي حسن عليش وطلب مني إجراء عملية كنترول عليها كما أصدر نفس الأمر لمحمود كامل شوقي وكان الأخير قد اقترح من حوالي شهرين سابقين على حسن عليش أن يتم تجنيد بعض السيدات من الوسط الفني للعمل معنا ضمن خطة لتوسيع قاعدة المندوبات وكانت (-----) من ضمن الأسماء المقترحة ولكن حسن عليش وقتها لم يوافق على التجنيد من الوسط الفني وقال دول ناس كلامهم كتير ومافيش داعي دلوقتي. ولما كلمني بعد كده بشهرين قال لي أنه عاوز ينفذ الموضوع الخاص (------) فوراً ويتعمل عليها كنترول وقال لي اتصل بمحمود كامل شوقي علشان تتفاهم معاه وتعطيه التعليمات اللازمة وأنا حا أكلمه وفعلاً اتصل به وأعطاه نفس التعليمات حسبما سبق أن ذكرت.
وبناء على ذلك اتصل محمود كامل شوقي بإحدى مندوباته وتدعى "ريري" وفهم منها أن الممثلة (----) هي اللي تقدر تجيب (-----) مقابل مبلغ 300 جنيه على ما أذكر وأن (----) ما تحبش تتصل بمصريين وإنما اتصالاتها بتكون بأجانب أو عرب.
وعرضنا هذا الكلام على حسن عليش فأعطى تعليمات باستخدام ممدوح كامل مترجم اللغة الفرنسية في قسم المندوبين ليتظاهر بأنه فرنسي وعلى هذا الأساس يتصل (----).
وكان ممدوح في الوقت ده يعيش فعلاً تحت ستار أنه فرنسي في عملية أخرى خاصة الإدارة، وعلى ذلك قمت باستدعائه وعرضت عليه الموضوع فأبدى استعداده وسلمته لمحمد كامل شوقي ليستخدمه وحصل تعارف بين ممدوح و(------)عن طريق (----) المشهورة برفيعة هانم وأعطاها 300 جنيه كنت قد سلمتها لـه من نقود قسم المندوبين واصطحبها إلى شقة مصر لجديدة وأجريت عملية الكنترول عليهما أثناء ممارسة العملية الجنسية معها.
وقد قمت أنا وأحمد الطاهر وصلاح شعبان بتنفيذ العملية من ناحية التصوير الذي تم بطريقتين الطريقة الأولى هي التصوير بكاميرا 35 مم والطريقة الثانية هي التصوير السينمائي 8 مم وكانت هذه أول مرة تستخدم فيها هذه الطريقة الأخيرة في عمليات الكنترول.
وكان أحمد الطاهر تولى التوجيهات في هذا الشأن بناء على التعليمات الصادرة لـه من حسن عليش، وقد فوجئت في ذلك اليوم بحضور صلاح نصر رئيس المخابرات إلى غرفة العمليات بصحبة حسن عليش وأشرفا على تنفيذ العملية وأنا استغربت من حضور صلاح نصر وكان حضوره مفاجأة لي لأن دي كانت أول مرة يحضر فيها بنفسه تنفيذ عملية كنترول ومحدش قال لي أنه جاي وكان يعطينا تعليمات بإتقان التصوير.
وقبل وصول صلاح نصر وحسن عليش حضر لنا محمود كامل شوقي كما أن يسري الجزار حضر العملية أيضاً وكان جاي معايا ولاحظت أثناء تنفيذ العملية أن صلاح نصر أصدر أمراً ليسري الجزار ومحمود كامل شوقي باقتحام غرفة النوم وضبط (-----) متلبسة وقد تم ذلك فعلاً.
وعقب ذلك تم اصطحابهما بمعرفتهما وبناء على أوامر من صلاح نصر أيضاً إلى مبنى الاستجواب بإدارة المخابرات وإيهامهما بأن الشخص الذي كان معها وهو ممدوح كامل هو جاسوس فرنسي وعرض عليها يسري الجزار في مبنى الاستجواب أن تعمل مع المخابرات مقابل ستر فضيحتها وقد وافقت على ذلك وحررت بناء على طلب يسري تقريراً بواقعة وظروف تعرفها بممدوح كامل حتى القبض عليها ونموذج شخصي مطبوع يحرره المندوبون ويحتوي على بيانات شخصية عن المندوب وهو نموذج أشبه بالكراسة ويعرف عندنا باسم P.r.q. ونموذج آخر مطبوع عبارة عن إقرار بالموافقة على العمل مع المخابرات يحرره المندوبون أيضاً.
وكان المفروض كما سبق أن ذكرت أن يكون اتصالها في العمل بمحمود كامل شوقي وفعلاً كان يتصل بها تليفونياً وتمت مقابلات بينهما حسب علمي منه واستمر الحال على هذا النحو حوالي شهرين أو ثلاثة وبعد ذلك سافر في مأمورية بالخارج فأعطاها قبل سفره تعليمات بأن يكون اتصالها بي وكلمتها في التليفون مرة أو اثنين وقابلتها مرة واحدة في الشارع وكانت هي في عربيتها وأنا في عربيتي كما تتم عادة المقابلات السرية للمندوبين واتكلمت معاها حولي ربع ساعة وأعطيتها تلقين بأنها تعيد اتصالاتها بالأجانب والشخصيات اللي كانت متصلة بها قبل كده لأننا لاحظنا أنها بعد العملية التي أجريناها معها بدأت تحد من خروجها واتصالاتها.
وبعد فترة وقبل انعقاد مؤتمر القمة قلت أنا ومحمود كامل شوقي لحسن عليش أنه مادام عندنا كنترول (----) فنحاول نجندها علشان نستفيد منها ولكن حسن عليش رفض الفكرة وقال: "مش كل العمليات اللي تقوموا بيها تستفيدوا انتم منها" وان العمليات لخدمة الجهاز كله ولم يفصح أيضاً عن الغرض الذي من أجله أجريت عملية الكنترول للمذكورة.
وفي يناير سنة 1964 اتصل بي حسن عليش وكلفني بعمل كنترول على (------) ولم يفصح أيضاً عن الغرض من هذه العملية وان كان طلب قبل كده بحوالي شهرين إننا نعمل عملية تسجيل في شقتها إذ ان هناك ناس بيترددوا عليها لم يفصح عنهم واجتماعات مريبة تجرى في شقتها وأجرنا فعلاً شقة أسفل شقتها لإجراء التسجيل ولكن لم نتمكن لعقبات فنية ولما طلب حسن عليش بعد كده عمل كنترول عليها اتصلت بمحمد كامل شوقي وأبلغته بهذا الأمر ووقع اختيارنا على المترجم ممدوح كامل نظراً لأنها أيضاً تفضل الخروج مع الأجانب الغربيين وعلى أساس انه يظهر أمامها بانه فرنسي.
محمد صفوت الشريف (إمضـــاء)
ملحوظة:
اكتفينا بهذا القدر من استجواب المذكور ووقع في نهاية أقوالـه على أن نواصل استجوابه مساء الجمعة 1/3/1968.
تمت الملحوظة رئيس النيابة
(إمضـــــــاء)
وأقفل المحضر على ذلك عقب إثبات ما تقدم حيث كانت الساعة 2,10 من صباح يوم الجمعة الموافق 1/3/1968.
رئيس النيابة
(إمضــــــــاء)
فتح المحضر يوم الجمعة الموافق 1/3/1968 الساعة 6.30 مساء بمبنى ملس قيادة الثورة.
بالهيئة السابقة
حيث حضر محمد صفوت الشريف فاستدعيناه وواصلنا استجوابه بالآتي قال:
اسمي: محمد صفوت محمد الشريف (سابق سؤالـه)
س: أكمل أقوالك بشأن عمليات الكنترول التي تمت.
جـ: في أوائل سنة 1966 صدرت لي تعليمات محددة بعمل كنترول على (----) زوجة المصور السينمائي (-----) حسبما عرفت بعد ذلك ولم يفصح حسن عليش عن الغرض من هذه العملية ولاحظت أنه مهتم بيها بدليل انه كان يعطي التعليمات التفصيلية بشأنها بنفسه لي ولمحمود كامل شوقي وزاد الأمر بأن اتصل بي حسن عليش وأمرني بالبحث عن المترجم كمال عيد وتكليف محمود كامل شوقي بأن يحجز لـه حجرة في فندق شبرد وان ننتظر تعليمات أخرى منه فقمت بما كلفني به ثم اتصل بي بعد ذلك وأعطاني رقم تليفون وأخبرني بأنه خاص بها وكلفني بأن أصدر تعليماتي لكمال عيد بأن يتصل بالمذكورة من شبرد يوهمها بأنه رجل أعمال ليبي وانه حصل على رقم تليفونها من أحد أصدقائه وأن يطلب مقابلتها للتفاهم معها في مشروعات تجارية وأنا بدوري أعطيت هذا التلقين لمحمود كامل شوقي الذي اتصل بكمال عيد وأبلغه بالأمر.
وقد اتصل بها كمال عيد وحضرت لـه في الفندق وكلمها في أعمال تجارية ونشأت علاقة بينهما وأبلغني كمال عيد بعد ذلك بأنه علم منها بأنها على اتصال ببعض الأمريكان وأنا بدوري أبلغت الأمر لحسن عليش وأنها كانت راكبة سيارة هيئة سياسية تابعة لسفارة أمريكا حسبما أخبرني كمال عيد وقد أصدر حسن عليش تعليماته بأن يستمر كمال عيد في الاتصال بالمذكورة إلى أن يستدرجها إلى شقة العمليات ونعمل لها كنترول. واذكر بهذه المناسبة اني كنت اقترحت على حسن عليش ان يتم التفاهم بين كمال عيد وبين المذكورة على أساس أنه يريد إنشاء علاقة شخصية معها بدلاً من أن يكون اتصالـه بها تحت ساتر العمليات التجارية على أساس أن هذا الأمر ربما يطول العملية ويؤخر عمل الكنترول ولكن حسن عليش قال لي الموضوع ده مافيش فيه اقتراحات ونفذوا الأوامر اللي باقولها بالضبط وبناء على ذلك استمر اتصال كمال عيد بالمذكورة تحت ستار الأعمال التجارية وتبين أن رأيي كان في محله حيث ان المذكورة رفضت انها تدخل مع كمال في علاقات غير العلاقة التجارية وبالتالي فشل في أنه يستدرجها لإجراء عملية الكنترول عليها.
وفي خلال سنة 1965 ولا أذكر التاريخ على وجه التحديد أخبرني حسن عليش أنا وأحمد الطاهر بأنه عاوزنا نعمل أفلام عن عمليات شذوذ جنسي بين سيدات عبارة عن أفلام سينما وقال لنا أن المدير صلاح نصر بيقول إنه عنده ناس يقدروا يبيعوا الأفلام دي في سوق بيروت وتجيب لنا عملة صعبة وفهمنا من ذلك أن صلاح نصر هو الذي أشار بهذا الموضوع وأكد لنا ذلك أن حسن عليش أفهمنا فيما بعد بأن صلاح نصر مهتم بهذه العملية ويرغب في سرعة تنفيذها وأعطى حسن عليش لأحمد الطاهر تعليمات من الناحية الفنية بخصوص التنفيذ وأنه لازم يكون التصوير واضح والاهتمام بالعملية من الناحية الفنية وفي الواقع أنا استغربت من هذا الطلب ونظرت لـه على أنه طلب شاذ ولا محل للقيام به وأن عمليات الكنترول يجب ألا تخرج عن الهدف المحدد لها لتسخيرها في مثل هذا الأمر الذي يتنافى وأهدافها أصلاً وقلت الكلام ده لحسن عليش فقال لي انت ماتعرفش حاجة ونفذ الكلام اللي أنا باقولـه، وأنا قلت لأحمد الطاهر بعد كده أن العملية دي مش تمام وأن استخدام المندوبات في مثل هذا العمل غير طبيعي وحايخليهم يفقدوا الثقة في جهاز المخابرات، ولكن بناء على أوامر حسن عليش وما ذكره من أن صلاح نصر مهتم بالعملية اضطريت أن أمشي فيها وكلفت بعض المندوبات بأنهم يبحثوا لنا عن سيدات عندهم شذوذ جنسي ويبلغوني وقد أخبرتني إحداهن وهي (-----) على ما أذكر بأن فيه واحدة لا أذكر اسمها ولكنها في إسكندرية ولما ترجع حاتقول لي وقد أخبرت حسن عليش بذلك فقال لي أن العملية مستعجلة ومافيش داعي إننا ننتظر رجوع السيدة المذكورة من الإسكندرية وكنا نعرف أن إحدى المندوبات وهي (-----) عندها شذوذ جنسي فحسن عليش قال لي ادخل أي مندوبة ثانية عليها فاتصلت (-----) وكلفتها بهذا الأمر.
وبعد يومين كلمتني (----) وقالت لي إن البنت بتاعت إسكندرية رجعت وممكن نجيبها وحددت موعد التنفيذ وأخطرت به محرم وكان حسن عليش لا يزال بالخارج وفي الموعد المحدد تولت (----) إحضار البنت المذكورة إلى الشقة ودخلنا عليها (------) وتمت عملية شذوذ جنسي بينهم وصورناها بالسينما والفيديو وقد تولى أحمد الطاهر التصوير وأنا ساعدته ولم يحضر صلاح نصر في ذلك اليوم ومش عارف إن كان محرم بلغه بالميعاد والا لأ كما أن محرم نفسه لم يحضر على ما أذكر ومحدش تاني حضر معانا.
وأخد أحمد الطاهر الأفلام وما اعرفش سلمها لمين لأن حسن عليش لم يكن موجوداً كما سبق أن قررت.
واللي حصل إن الأفلام دي لم تستغل ولم تباع على قدر علمي وأنا كنت مستغرب من اهتمام صلاح نصر وحسن عليش بمثل هذه العملية وقلت لأحمد الطاهر أنها عملية ليس لها داعي ومكانش يصح تحصل أو أن صلاح نصر يحضرها وأنا لو مكانه وفي مركزه لا يمكن كنت أطلب عملية زي كده أو أحضرها.
ملحوظة:
رأينا الاكتفاء بهذا القدر من استجواب المذكور ووقع في نهاية أقوالـه ،،
تمت الملحوظة
وأقفل المحضر على ذلك عقب إثبات ما تقدم حيث كانت الساعة 1,55 من صباح يوم السبت 2/3/1968 ــ وقررنا استكمال الاستجواب مساء اليوم.
أصول سوزان مبارك يهودية
توجد إشاعات أن جمال مبارك يهودى حيث أن أمه سوزان, أمها كانت ممرضة إنجليزية من عائلة من ويلز و أصلها من يهود مالطا و أمها قريبة لأم جيهان السادات و جيهان هى التى رشحتها لمبارك و كثير من الشهود شهدوا بانهم أبدا لم يشاهدوا سوزان تصلى أو تلبس أيه قرآنية و هى رئيسة نادى اللوترى و أخوها منير مدير لمنطقة كبيرة من اللوترى
و حيث ان الديانة اليهودية تعتبر اليهودى هو فقط من كانت أمه يهودية فأظن ان الأشاعة صحيحة
(توجد على الأنترنت شهادة زواج أم سوزان و شهادة ميلادها)
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%...A7%D8%B1%D9%83
!الزواج المبارك بالمؤامرة البريطانية-الإسرائيلية زواج حسني مبارك من سوزان ثابت ذات الجذور البريطانية الصهيونية من جهة أمها الإنجليزية الناشئة في ويلز (ليلي ماي بالمر) التي تزوجت الطبيب المصري صالح ثابت.والجدير بالذكر غياب معلومات كافية عن مرجعية الأم بالمر. مما قد يطرح نظرة المؤامرة البريطانية خاصة بعد فشل الإحتلال البريطاني تاريخيا في إخضاع شعب مصر لسيطرته مكتفيا خلال سنوات الإحتلال بتسيير السلطة العثمانية من بعيد والممثلة في خديوي مصر وتعيين معتمد بريطاني يقوم بأعمال الإحتلال .من السذاجة القول إن الإحتلال قد رحل عن بلاد العرب بخروج القوات العسكرية التي فشلت أمام حركات المقاومة سواء تعلق الـأمر بأرض الكنانة أم بسائر أنحاء المنطقة العربية.وقد فطن المحتل الى أن أن أنجع وسيلة لإحتلال العرب يجب أن تكون مصنوعة من جلد محلي مع وجود رقيب قريب يعلم ماتحت كرسي الرئاسة ومافوقه. فهل ياترى أسدت سوزان ثابت الخدمة العسكرية والمدنيةالشريفة المنوطة بها إكراما لجذورها البيضاء السامية كامرأة بريطانية الأصل؟أم أن زواجها من المدرس بالكلية الحربية آنذاك مبارك كان صدفة أخرى من صدف الزمن التي ماأكثرها بوطننا العربي حين يتعلق الأمر بسدة الحكم. تقول الرواية إن حسني مبارك كان يلبي دعوة احد تلامذته فى الكلية الجوية للعشاء فى منزل أسرته بمناسبة نجاحه.وهناك وقعت عيناه على سوزان التي تزوجها في عام 1958 و ليكتشف أنها المرأة التي يمكن أن يكمل حياته معها. وتعرف مبارك إلى سوزان من خلال شقيقها منير ثابت حين التحق بالأكاديمية الجوية في بلبيس لدراسة الطيران وكان مبارك وقتها مدرسا ومن هنا جاء تعارفه بأسرة منير ثابت وبشقيقته سوزان وتمت الخطبة وهو في رتبة ملازم ثان طيار في القوات الجوية.وتزوجت منه وهي في السابعة عشرة من عمرها بعد أن أنهت دراستها الثانوية فى مدرسة " سان كلير " عام 1958.فهل كانت فعلا قصة حب وتجاذب عيون أم أن عيون الإستخبارات البريطانية رأت في الشاب المصري آنذاك خير أداة للتحكم عن بعد في فترة تاريخية هي الأصعب في التاريخ العربي والإسلامي المعاصر.ومن أولى بتلك المهمة من سيدة تحمل في شرايينها دماء تنضح بالولاء للجذور البريطانية.حين يغتال الخادم سيده ملابسات وحيثيات اغتيال السادات مثيرة للجدل والسؤال خاصة إذا كان نائب الرئيس آنذاك رجل يدعى حسني مبارك . لكن كيف تم تعييين مبارك؟ومن كان يقف أمام تعيينه ؟الجميع يعلم الرواية الرسمية المصرية لمقتل السادات التي تلقي بالتهمة على الإسلاميين .لكن ماذا عن رواية الناس والشهود والصحافة المستقلة والنائب البرلماني طلعت السادات –إبن شقيق الرئيس السابق أنور السادات- الذي طالب بإعادة التحقيق في مقتل عمه بعد أزيد من 24 عاما على رحيله مذكرا أن الإسلاميين وأتباع "البنا" بريئون من دمه براءة الذئب من دم يوسف .ومن ياترى له المصلحة في مقتل السادات سوى أقرب الناس اليه؟خاصة إذا علمنا أن السادات كان ينوي طرد مبارك و تعيين غيره نائبا لرئيس الجمهورية.كان السادات قد أخبر مبارك بعزمه تعيين غيره فى أواخر سبتمبر من عام 1981 بسبب قيام مبارك بعمل اتصالات فى الجيش من وراء ظهر السادات مما جعل السادات يتوجس خيفة من مبارك و يشك فى نواياه.و فى صباح يوم 6 أكتوبر من عام 1981 أي قبل ساعات من اغتيال السادات ، عين السادات الدكتور عبد القادر حاتم نائبا لرئيس الجمهورية بدلا من حسنى مبارك الا أن القرار الخاص بذلك كان سيجهز و يوقع بعد الاستعراض العسكري. هذا و قد نشرت بعض الجرائد صورة للسادات و هو يصافح عبد القادر حاتم صباح 6 أكتوبر.
ثروات ال مبارك وصلاحية جمال مبارك فى البنك المركزى
أين تخبىء عيلة مبارك الأموال التى تنهبها؟
كثير من طائرات النقل العملاقة التى تستخدمها الأسرة، على سبيل المثال، تهبط بصورة دورية فى مطار جينيف بسويسرا كذلك تشاهد طائرة جمال مبارك كثيرا هناك كما تؤكد المعلومات المتاحة على خلفية صور طائرتة. هذة المعلومات تتفق و معلومات أخرى موثقة بأن الأسرة تنقل بصفة دورية الى سويسرا بواسطة الطائرات النقل العملاقة التى تستخدما الأسرة مئات الملايين من الدولارات نقدا الى بنوك سويسرا بإسم الحكومة المصرية و البنك المركزى.
بعد إيداع هذة الأموال الطائلة فى حسابات بإسم الحكومة المصرية فى بنكى الكريدى سويس و يو بى إس السوسيريين العملاقيين يتم إصدار تعليمات كتابة لهذة البنوك بتحويل هذة الأموال الى حسابات سرية فى هذين البنكين و ببنوك أخرى بسويسرا و دول أخرى. هل تعلمون من لدية حق التوقيع على التعليمات التى تصدر الى هذين البنكين السويسريين؟ إنة جمال مبارك نفسة بصفتة نائب رئيس البنك المركزى للعملة و الحسابات الخارجية و هو منصب و إن كان رسميا إلا إن أحد لا يجرؤ على الحديث عنة و الذى تحدث عنة من موظفى البنك المركزى قتلة بالرصاص العام الماضى أربعة يركبون سيارة شيروكى سوداء و إلقوا بجثتة بصحراء المقطم. منصب جمال مبارك هذا الذى تولاة دون إعلات عام 1998 مكنة من أن يكون أكبر تاجر عملة بمصر و أكبر مهرب للبنكنوت فيها. الحسابات التى تحول إليها أموال الشعب بتعليمات مزيلة بتوقيع جمال مبارك نائب رئيس البنك المركزى بعضها شخصى و سرى بإسم سوزان و أخرى بإسم جمال و علاء. الجزء الأكبر من هذة الأموال يحول الى حسابات بإسم شركات وهمية مسجلة بمدينة فادوس بإمارة ليشتنشتاين المتاخمة لسويسرا و أخرى بجزر البهاما و ببنما و غيرها. هذة الشركات التى لا تكشف عن إسم ماليكيها و إنما فقط عن إسم ممثل لهم و هم محامون سويسريون و بريطانيون مملوكة بالكامل لحسنى مبارك و سوزان مبارك و جمال مبارك و علاء مبارك. المبلغ الإجمالى لثروة هذة الأسرة تعدى وقت كتابة هذة السطور 60 مليار دولار.
اسرائيل تحكم مصر بواسطة احمد عز
في الوقت الذي ينظر في القضاء في دعوى أقامها النائب محمد العمدة يطالب فيها بتأميم شركات حديد عز، طالب المحامي نبيه الوحش، الرئيس حسني مبارك في إنذار عاجل بفصل أحمد عز من موقعه كأمين تنظيم للحزب "الوطني" ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب وكافة المهام والوظائف التي يباشرها.ودعا، الدكتور فتحي سرور إلى إحالة أحمد عز إلى لجنة القيم بمجلس الشعب تمهيدا لإسقاط عضويته من مجلس "سيد قراره" الذي وصفه بـ "التايواني"، بدعوى فقدانه شرطي الثقة والاعتبار الواجب توافرهما في أي نائب طبقا للدستور المصري، بحسب الإنذار.كما طالب الوحش، الرئيس مبارك بإصدار قرار بالتحفظ على شركات ومصانع أحمد عز والتحفظ على أمواله، حتى يصدر القضاء حكمه في دعوى النائب محمد العمدة بتأميم جميع مصانع وشركات عز، خشية قيامه بتهريب أمواله أو التصرف في هذه الشركات في حالة صدور قرار قضائي بتأميمها، وأكد ضرورة الإسراع بهذه القرارات قبل عقد مؤتمر الحزب "الوطني" الشهر القادم.وقال الوحش إن أحمد عز هو "ثمرة حب ربط بين والده اللواء عبد العزيز عز الضابط بالجيش المصري بفتاة إسرائيلية عام 1956، رغم أنه كان أحد قادة الجيش في هذه الفترة، إلا أنه ضرب عرض الحائط بكل القوانين واللوائح وتزوج بفتاة يهودية أنجب منها أحمد عز، ثم تطورت الأمور بعد ذلك وخرج في عام 1967 في عمليات التطهير بعد عزل المشير عبد الحكيم عامر، وزير الحربية آنذاك".وأكد الإنذار، أن أحمد عز ووالده اتهما في قضايا نقد أجنبي، وقام اللواء زكي بدر وزير الداخلية الأسبق شخصيا باعتقال اللواء عبد العزيز عز لخطورة نشاطه على الاقتصاد القومي، ومع ذلك جاءت الدولة لتختار نجله رئيسا للجنة الخطة والموازنة في البرلمان دون النظر لماضي والده في تهريب النقد الأجنبي.وأشار إلى اتهام اللواء عبد العزيز عز في قضية الحديد المغشوش الشهيرة عام 1983، حيث تم القبض عليه في هذه القضية ضمن مجموعة كبيرة من تجار الحديد، ثم جرى استبعاده بطريقة غامضة من القضية بعد ذلك.واتهم الإنذار، أحمد عز بارتكاب جريمة الخيانة العظمى بتصديره حديد التسليح للإسرائيليين لاستخدامه في بناء السور العازل لخنق الفلسطينيين وتجويعهم وحصارهم، وقال إن الحديد تم تصديره بنصف الثمن وبيعه في مصر بأسعار باهظة.وزعم في الوقت ذاته أن ثروة والد أحمد عز حصل عليها بعد خروجه من المعتقل وسفره هو وأسرته إلى سويسرا للإقامة عند أصهاره اليهود، قبل أن يعود بعد ذلك ومعه 50 مليون دولار تم بواسطتها بناء مصنع حديد عز.وقال إن أخوال أحمد عز اليهود هم الذين رتبوا صفقة شركة (إنيلي) التي كان الرئيس الروماني قد اشترى أسهمها، ثم قام عز بعد ذلك بالحصول على قرض قيمته مليار و600 ألف جنيه ساهمت في شراء شركة الدخيلة من خلال صفقة مريبة، على حد قوله.واتهم الوحش، أحمد عز بأنه استغل زواجه من السيدة خديجة ابنة السيد أحمد كامل ياسين نقيب الأشراف، وقام بشراء 44 ألف فدان من أراضي الأشراف التي تديرها النقابة بتراب الفلوس ثم قام ببيعها على الفور بملايين الجنيهات، وكانت هذه الأموال هي رأسمال شركة الجوهرة للسيراميك.وأشار إلى حصول عز على كميات كبيرة من كوبونات النفط العراقية عن طريق صديقه النائب السابق في الحزب "الوطني" عماد الجلدة الذي حكم عليه في قضية مخلة بالشرف وكانت كوبونات النفط مقابل توريد حديد للعراق، إلا أن عز امتنع عن توريد الحديد للعراق بالرغم من حصوله على ثمن جميع صفقات الحديد كاملة.وأكد الإنذار الموجه للرئيس مبارك ورئيس مجلس الشعب أن صحيفة الحالة الجنائية والاجتماعية والسياسية لأحمد عز ووالده اللواء عبد العزيز عز، بالإضافة إلى ممارساته الاحتكارية التي تدمر الاقتصاد المصري تجعله غير صالح لتبوأ أي منصب سياسي خاصة وأن جميع تصرفات وسياسات عز تهدد الاستقرار والأمن القومي المصري، لذا فقد طالب بعزله من موقعه الحزبي والبرلماني، وتجميد شركاته لحين الفصل في الدعوى التي ينظرها القضاء ضده
نعتذر عن جعل القارىء يطلع على هذة القذارات والسفالات التى قمنا بحذف الكثير منها حتى لانهبط بالمستوى اكثر من الازم ولكن الحاجة الى توضيح الصورة عن الحقيقة التى يغفل عنها الكثير فقمنا بتجميع تحقيقات ومقالات متنوعة توضح الصورة بشكل لايوجد فية شك فاعلام الحكومة يصور مبارك بالاب الذى لايصح الخروج عنة لان ذلك عقوق وانة قائد الضربة الجوية صاحب الحكمة ويستعمل التيار السلفى الموظف فى الخليج لتكريس الملكية بتحريم الخروج عن ولى الامر اما المعارضة تصورة برئيس مشكلتة ان الذى يحيط بة رجال فاسدون ليس له ذنب فى تصرفاتهم ولكن الحقيقة مما سبق هو ان حسنى مبارك عميل لاسرائيل ..!!!!! والسوأل هو هل يمكن لدولة محترمة وجيش شريف ورئيس جمهورية وطنى ان يقبل بان يكون هذا القواد (موافى) وزير للاعلام لمدة 20 سنة ورئيس لمجلس الشورى المصرى. او يتحكم عز ابن اليهودية فى مصير الشعب ويتللذ بمعاناتة. هذة المعلومات ليست اسرار عسكرية او وثائق خاصة يمكن لاى شخص الحصول عليها من على النت فقط بذكر اسم القواد صفوت الشريف !!!! او الجاسوس عز او اصول سوزان مبارك لذلك اين الجيش المصرى والحكومة والمخابرات ورئاسة الجمهورية ومجلس الشعب من هذة المعلومات!!!!!!!!! لم اعد استغرب عندما تبيع مصر الغاز مدعم لاسرائيل وتحاصر غزة وتسكت على قتل المصرييون واهانتهم وتغض الطرف على مافعلة يوسف والى بنشر السرطان فى كل مصر وترك اسرائيل تسعى فى الارض فسادا هى ورجالها عز وصفوت ويوسف والى بل يفرج على جواسيسها واحد تلو الاخر كما فعل مع عزام عزام وغيرة. لا اعتقد انه يوجد شك فى ان مبارك عميل لاسرائيل وقد يكون قائد الضربة الجوية هو سبب اجهاض نصر اكتوبر العظيم ووضع سيناء الحالى بلا سيادة وبلا جيش وبلا تنمية اكبر دليل على ذلك نحن لسنا امام رئيس ضل الطريق او اساء الاختيار نحن امام عميل والكل يعلم ذلك مما يجعل الامر يرتد على كل من له قدرة على التغير ولا يتحرك وانا هنا اقولوها عن يقين لان التاريخ يعيد نفسة مصر مقبلة على كارثة مثل نكسة 1967 لتتطهر من هذا الفساد الا لو تحرك الشعب لتغيير الظالم وكل ماحدث لشباب 6 ابريل من ضرب ومهانة او ترحيل للمصرييون فى الكويت وقطع ارزاقهم لا يعادل مرارة ومهانة انهيار دولة وضياع شعب وامة بتاريخ وحجم مصر ولنا فى العراق عبرة نسأل الله لاهل العرق النصر والسلامة فاذا كانت الدولة مخترقة بهذا الشكل فانهيارها اسهل مايكون ولكن لدينا فرصة ان ندفع ضريبة صغيرة للهروب من الكارثة التى اقتربت او نبقى جانب الحيط حتى ينهار فوق رؤسنا.

أبريل 12، 2010

جدلية النسبية

جدلية النسبية .. البيروني - ابن سينا .. آينشتاين - بوهر

لن أحاول في هذا البحث ردَّ الإنجازات التي يقدِّمها المفكرون المعاصرون إلى مجرَّد استقراءات يُجرُونها لفكر الأقدمين. ولن آخذ بمذهب من يتصور أن الأسلاف لم يتركوا شيئاً للأخلاف، أو أن الأخلاف نَحَّوْا الأسلاف بإنجازاتهم المذهلة. فالبحث عن الحقيقة، والإخلاص لها، كانا – ولا زالا – المحدِّدين الرئيسيين للإنسان الحقيقي.
يشكِّل الهمُّ الوجودي العمادَ الرئيسي لبحثي. ويولد الهمُّ الوجودي مع قدوم الذات إلى العالم، ومنها يستمد تعريفه وكيانه. لقد عرفت الحياة، عبر تاريخها الطويل، نخبةً توزَّعَ أفرادُها في المكان وفي الزمان. وكان هذا الهمُّ الهاجسَ الأكبر لكلٍّ منهم؛ بل لعله كان الهاجس الوحيد. ويشكِّل المفكرون الأربعة – موضوع هذا البحث – رموزاً رئيسية في النخبة المذكورة.
إن أيَّ تقويم لسياق معرفي معين لا بدَّ أن يستند إلى قاعدة الإخلاص للحقيقة. تفرض هذه القاعدة إبرازَ كلِّ شخوص السياق. أما الإغفال أو التركيز فسيحرم كلاهما البحثَ من أية ركيزة تربطه بتلك القاعدة. اجتمع الأربعة الكبار على استشعار عفوي لنمط المعرفة المميِّزة لجنسنا، ألا وهو نمط المعرفة بالنَّمْذَجَة. ولقد أهَّلهم ذلك لدفع نماذجهم حتى حدود الكمال، على الرغم من التناقضات العميقة التي ميَّزت تلك النماذج.
نفرِّق هنا بين "النموذج الباطن" وبين "النموذج الظاهر". على أننا سنتطرَّق، أولاً، إلى مفهوم النموذج. لا يستطيع أيٌّ منَّا إلا أن يكون هو ذاته؛ إنه يعجز أن يكون أيَّ شيء آخر. إذا تحدثتُ عن الإلكترون أو عن الصديق أو عن السماء فإنما أتحدث عن النماذج الفيزيائية–النفسية لتلك الكينونات في ذهني، لا عن الكينونات الخارجية بحدِّ ذاتها. وحتى إذا أجريت حواراً مع الآخر فإنما أحاور، في واقع الأمر، نموذجَه في عقلي.
أدعو مجمل ما أتحسَّسُه وما أستبصرُه في داخلي لكلِّ ما يعنيه مصطلحُ الوجود، بشكل عام، أو مصطلح كينونة معينة، على نحو خاص – أدعو ذلك المُجمَل النموذج الباطن. إن المعرفة بالنمذجة هي معرفة ناقصة على الدوام مادام هناك انفصال بين أداة المعرفة وبين مادَّتها. من هنا كان لا بدَّ من حدوث إسقاط خارجي للنموذج الباطن. ويأخذ هذا الإسقاط هيئة النموذج الظاهر؛ وبعبارة أخرى: النموذج الظاهر هو "طيف" النموذج الباطن.
يشبه النموذج الظاهر الحدود الواضحة المعالم لكتلة هيولية. وبينما يتميَّز النموذج الباطن الذي هو الكتلة الهيولية بالشمولية والحيوية، يُختزَل النموذج الظاهر إلى صيغ يُعبَّر عنها بالمفردات اللغوية السائدة. وفي حين أستشعر كلَّ تفاصيل نماذجي الباطنة، لا بل وأذهب إلى حدِّ تصور عموميَّتها واضطرامها بالحياة، لا أجد مناصاً من اللجوء إلى لغة أو أكثر لصبِّ نماذجي الباطنة تلك. والنتيجة أن النماذج الظاهرة الناتجة تأتي صقيلة مُحكمة، لكنها لا تترجم النماذج الباطنة بأمانة. تبقى النماذج الباطنة عصيَّة على الترجمة الخارجية المطلقة، ما لم تتحول أداة المعرفة إلى التواحد مع مادتها.
كان اختراع الرياضيات أهم إنجاز في تاريخ ارتقاء عملية المعرفة بالنمذجة. فقد استطاعت الرياضيات تحقيق مقابلة أو أكثر بين مجموعة من نقاط الكتلة الهيولية للنموذج الباطن وبين عنصر أو أكثر من عناصر النموذج الظاهر. تتأكد مقولتُنا عن المعرفة بالنمذجة في إطار استخدام الرياضيات بالذات. يبدو النموذج الرياضي الظاهر مجموعة باردة، لا حياة فيها، من الرموز. إلا أن تعلُّم قواعد التعامل مع هذه الرموز يسهِّل تسهيلاً بيِّناً مهمةَ التفاعل مع النموذج الباطن؛ ويبقى هذا التفاعل مجرد تماس نظراً لما تقدَّم.
يتفتق النموذج الرياضي الظاهر، عند استبطاني إياه، عن معانٍ ومزايا كانت تبدو مفتقَدة عندما كان النموذج ذاته قابعاً بعيداً عني "هناك". تتجسد تلك المعاني والمزايا بما أستشعره، مثلاً، من خوف وتوجُّس لدى مواجهتي الأولى للنموذج، وبما يجتاحني من نشوة وفرح عند تمثُّلي مؤدَّى رموزه. إنني أحس أكثر وأكثر باقترابي من الكمال إن غدا النموذجُ الرياضي بدوره قريباً من الكمال. وأؤكد هنا على الفارق بين النموذج الظاهر وبين النموذج الباطن. فالعالم هو العالم الداخلي، وهو يتكون من جملة من النماذج الباطنة، عمادُها نموذج ذاتي الذي أتحسَّسه عبر شعوري بشعوري. أما النماذج الظاهرة فهي مجرد دلائل ورموز تفيد بتفاعلاتها المدفوعة من قِبَل النماذج الباطنة في استكمال هذه النماذج. كان لا بدَّ من اختراع اللغات لتشيد النماذج الظاهرة؛ واللغات كثيرة، منها اللغات المألوفة والرياضيات والموسيقى.
وتتأيد نظريتي عن المعرفة بالنمذجة بقول أينشتاين: "إن النظرية العلمية هي اختراع حرٌّ تبدعُه مخيلةُ الإنسان." وتُعرَّف الجبرية هنا بعزلة النموذج الباطن وتفرُّده.
***
قصدت من هذه المقدمة الطويلة إرساء قاعدة صلبة لبحثي. فعوضاً عن إلباس البحث ثوبَ التاريخ المقارن أستخدم مقولتي عن المعرفة بالنمذجة بهدف إجراء تحليل معمَّق لفكر كلٍّ من الأربعة الكبار وفق ما طرحه أثناء الجدل مع ندِّه. وحسبي من الجانب التاريخي أن أذكر أن جدل البيروني–ابن سينا جرى عبر رسائل متبادلة بينهما شارك فيها تلميذ ابن سينا أبو سعيد أحمد بن علي المعصومي. وتتضمن هذه الرسائل عشرة سؤالات تتعلق بكتاب أرسطو السماء والعالم وثماني سؤالات أخرى طرحها البيروني، وأجاب عنها جميعاً ابن سينا واحداً فواحداً. ثم اعترض البيروني على جوابات ابن سينا، مناقشاً من الجوابات العشرة الأولى ثمانية ومن الثمانية الثانية سبعة. أما جدل أينشتاين–بوهر فقد جرى على ثلاث مراحل: ارتبطت المرحلة الأولى بالمؤتمر الدولي للفيزيائيين الذي انعقد في كومو عام 1927 ومؤتمر سولفاي المنعقد عام 1930. تعود المرحلة الثانية إلى عام 1935 عندما تقدم أينشتاين ببحث عنوانه: "هل يُعتبَر التوصيف الكوانتي للحقيقة الفيزيائية كاملاً؟" ثم عاد أينشتاين وبوهر إلى الجدل في المرحلة الثالثة بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1949. وقد شارك كلٌّ من ماكس بورن وفون نويمان في المرحلتين الأولى والثانية من الجدل. أما المرحلة الثالثة فقد اجتذبت عدداً أكبر من الفيزيائيين، منهم بوهم وفوك وسواهما. من الطريف أن نذكر أن كلَّ المشاركين في الجدل انحازوا إلى طرف ابن سينا وبوهر؛ أما البيروني وأينشتاين فقد بقي كل منهما وحيداً يقارع الآخرين. على أية حال، لا بدَّ أن نذكر أن المواضيع المتباينة في الجدلين كانت – ولازالت وستبقى – مادة للنقاش والتأمل، ربما إلى الأبد – وإذا قبلنا بالنسبية، فإلى "الأبد المحدب"!
***
نتوقف، أولاً، عند نموذج النسبية العامة لأينشتاين: ينحني فضاء المكان والزمن بسبب المادة، فتتبع المادة بدورها المسالك المنحنية في فضاء المكان والزمن. تحفر الشمس، مثلاً، نفقاً بيضوياً هائلاً في فضاء المكان والزمن حولها، فتقع الأرض في شِراكه وتتحرك عبره دون أن تجد سبيلاً إلى الفرار. ويطرح أينشتاين نموذجاً رياضياً لهذه المفردات اللغوية المألوفة. وأول ما يلفت النظر في نموذج أينشتاين هي السمة السببية الحاسمة في حركة الدقائق المادية التي تبلغ حد القسرية. رأى البيروني بدوره أن الحركة الدائرية للفلك قد تكون بالقسر أو بالإرادة؛ ولكن الحركة الطبيعية للأجسام بالذات تكون مستقيمة. ويعني مصطلح "الطبيعية"، وفق أينشتاين، خلوَّ حيِّز معين من المادة؛ وإذ ذاك تنعم دقيقةٌ مادية مفردة بحركة مستقيمة لا انعراج فيها. لكن وجود كتل أخرى سيُخرِج الحركة عن استقامتها. إلا أن البيروني وأينشتاين يستبعدان حالة الحركة المستقيمة. ذلك أن أينشتاين يؤكد أن لا مكان بلا مادة ولا مادة بلا مكان.
بالمثل، يعتقد البيروني أن المكان لا يخلو من متمكِّن، ويضيف أن ليس شيء إلا وهو محسوس. ويريد أينشتاين والبيروني بناء عالم تتمايز أجزاؤه على نحو جليٍّ وواضح وتعرِّف، بتمايزها ذاك، العالمَ. وتتبادل هذه الأجزاء أو اللبنات الإشاراتِ والرسائلَ المثبتة لوجودها وفق أكبر سرعة كونية مسموح بها، ألا وهي سرعة الضوء. نبذ أينشتاين فكرة الأثير، وتصور فضاءً أشبه بالخلاء تخلقه المادة وتسبح فيه هو المتصل الزمني–المكاني الذي تحدثت النسبية عنه. أشار البيروني إلى حقيقة أن سرعة الضوء هي أكبر سرعة ممكنة، فذكر من قال إن "حركة الشعاع تقع بزمان سريع، لكنه ليس شيء أسرع منها فيحس السرعة به". وعن انعدام الأثير ووجود الخلاء قال البيروني: "إذا تقرر عندنا أن لا خلاء داخل العالم ولا خارجه، فلِمَ صارت الزجاجة، إذا مُصَّتْ وقُلبت على الماء، دخلها الماء متصاعداً إلى آخر الفصل؟" نذكِّر في هذا السياق أن ديكارت، مؤسِّس الفلسفة الحديثة، حسب أن ليس للضوء سرعة.
يحاول أينشتاين والبيروني تجاوز النموذج الباطن وجعل النموذج الظاهر مطابقاً له، وهذا على الرغم من الموقف المسبق لكلٍّ منهما والمتركز على أولوية النموذج الباطن وإمكانية التخليق المستقل له. ولربما أن كلاً من المفكِّرين تصور علاقة سببية، تبلغ حدَّ الكمال، بين النموذجين الباطن والظاهر، استجابة لاعتقاده بكمال العلاقات الفيزيائية بين مكوِّنات العالم. وما أدرانا، فلعل سرعة الضوء هي العنصر الفعال في إحداث تلك العلاقة؛ وبواسطتها يُنقَل النموذج الباطن إلى الخارج، فيتحول النموذج الظاهر إلى نسخة مطابقة للنموذج الباطن. ولو ذهب المفكران هذا المذهب لخلصا إلى مفارقة: ذلك أن مثل هذا التصور سيبقى، في كل الأحوال، مستغرقاً في النموذج الباطن، إن لم يكن لسبب، فلاستحواذ التصور على صاحبيه. ولأنهما ذهبا هذا المذهب فعلاً فقد خلصنا إلى مفارقة، وإن كانت مفارقة غير معلَنة.
ذهب أرسطو إلى أن الحركة الدائرية للفلك طبيعية له، وركَّز ابن سينا على مفهوم الموضع الطبيعي، وخلص إلى أن للفلك موضعاً طبيعياً لأن الفلك جسم. نفى ابن سينا في مداخلة طويلة أن يكون الموضع الطبيعي للجسم فوقه أو تحته، واستنتج أن موضعه الطبيعي حيث هو ساكن فيه. أضاف ابن سينا، في فقرة غيرة معلَّلة، ما اعتبره نقداً للبيروني في سياق اعتبار الأخير الحركةَ الدائرية حركةً قسرية. ولم يحسم ابن سينا هذا الأمر على نحو جلي.
***
كان بوهر من أوائل مؤسِّسي الميكانيكا الكوانتية quantum mechanics. ولقد عمَّم هذا العلم مفهومَ الموضع الطبيعي. ويرى أتباع المدرسة الكوانتية أنه لا توجد في العالم أسباب ونتائج وفق الصورة التقليدية للعالم. على العكس، يتجسد العالم، وفق هؤلاء، في حالٍ من مجمل من الأحوال؛ ولكلِّ حال احتمال محدد. إن الحال السائدة هي الحال الأكبر احتمالاً، ولعلها تقابل الموضع الطبيعي، كما فهمه ابن سينا. واقع الأمر أن لهذا المفهوم موقعاً في الميكانيكا الكوانتية. وتتحدد طاقات الأجسام لدى تفاعلها بعضها مع بعض بسويَّات معينة تبعاً لاشتراطات الميكانيكا الكوانتية. من ذلك، مثلاً، أن الإلكترون لا يدور حول نواة الذرة في مدار من مجموعة من المدارات، بل يُحتجَز في سويَّة طاقية من أصل جملة من السويَّات الطاقية. وضمن سويَّة معطاة لا يظهر الإلكترون في مكان محدد بسرعة معينة؛ فالسويَّة الطاقية المعطاة تُعرَّف بقيمة احتمالية، هي "غيمة" رياضية مجردة، تفيدنا بالتقاء الإلكترون حسب احتمال معتبَر. تُعتبَر السويَّات الطاقية الدنيا المواضعَ المفضلة للإلكترون. وما هو أدهى في الميكانيكا الكوانتية أنه تمتنع على الإلكترون حيازةُ أية كمية من الطاقة غير مساوية لطاقة إحدى السويَّات! وهكذا فإن الانتقال من سويَّة لأخرى مستحيل؛ وما على الإلكترون إلا "القفز" بين سويَّتين لدى تحوله بينهما. بكلمات أخرى فإن الإلكترون يُجبَر على "الاختفاء" في سويَّة ليعود إلى "الظهور" في السوية الأخرى. يدعو الكوانتيون التحول من حالة لأخرى على هذا الغرار قفزة كوانتية quantum leap. وفي رأي بعضهم أن الكون ولد بقفزة كوانتية، حيث تحوَّل من حال اللاوجود إلى حال الوجود.
تحدث ابن سينا، بدوره، عن القفزة الكوانتية في جوابه عن المسألة العاشرة: "استحالات الأشياء بعضها إلى بعض ليست كما مثلت من استحالة الماء إلى هواء، بأن نضع أجزاءه تتفرق في الهواء حتى يغيب عن الحس، بل ذلك لخلع هيولى الماء صورة المائية وملابستها صورة الهوائية."
ينص "مبدأ الطاقة الأقل" على أن كل جسم يجنح إلى التخلص من كل ما يستطيع من أحماله من الطاقة باحثاً عن سوية طاقية دنيا يستقر فيها. ولعمري إنه "الموضع الطبيعي" الذي تحدث عنه ابن سينا! نلاحظ هنا تقارب النموذجين الظاهريين لابن سينا وبوهر. وما أدرانا، فقد يكون النموذجان الباطنان بدورهما متقاربين.
على أن صياغةَ استنتاج في هذا السياق، مناظر لاستنتاجنا في حالة البيروني وأينشتاين، لازال في حاجة إلى قليل من الاستطراد. على أية حال، أؤكد أنني لا أردُّ أحدَّ النموذجين إلى الآخر، لكنني ألح على آلية موحَّدة في النمذجة، أي في عملية المعرفة، على الرغم من اختلاف الثقافات، ليس في المكان فقط، بل وفي الزمان أيضاً. كانت هذه الآلية – ولازالت – فعالة في معالجة معضلة الهمِّ الوجودي – ولو جزئياً – لدى النخبة التي أشرنا إليها.
***
إن العالم، وفق الميكانيكا الكوانتية، هيولي البنية، معدوم المعالم؛ فهكذا فسَّر بوهر أطروحات هذا العلم. فوفق بوهر، تبقى كلُّ مقولاتنا عن العالم عارية عن المعنى إن لم تترافق، على نحو جليٍّ لا غموض فيه، بتوصيف كامل وجهري لأدوات التجربة التي يفضي استخدامُها إلى صياغة تلك المقولات. وهكذا تحدِّد التجربة العالم؛ وبدونها يكاد العالم أن يعدم وجوده. وعلى الرغم من أن تمايز أدوات التجربة قد يوحي للوهلة الأولى أن بوهر ذهب مذهب أينشتاين والبيروني، لكن موضوع التجربة لدى بوهر مختلف تماماً، ذلك أنه تالٍ للأداة زمنياً. وقد أيَّد بوهر رأيه ببعض الأرقام التجريبية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، يتمدَّد الفوتون الضوئي بعيداً عن العين ليشغل حيِّزاً عرضه متر؛ لكنه يصغر وينخفض قطره حتى واحد من ألف مليون من السنتمتر عندما يلج العين. كأننا بهذين الرقمين ينبريان لتأكيد أن الفوتون لم يكن محدَّداً، وأن تجربة الإبصار ساهمت في تخليقه، إن لم تكن قد خلقته بشكل كامل. يقول ابن سينا في ذلك: "لا محسوس خلا ما يدركه الناطق."
أكد ابن سينا استحالة كلٍّ من العناصر الأربعة إلى غيره في كتاب الإشارات. فبعد أن ذكر أمثلة عليه استخرج حُكماً، فقال: "فهذه الأربعة قابلة للاستحالة بعضها إلى بعض؛ فلها هيولى مشتركة." تصور ابن سينا أن التغير يتم بخلع الجسم صورتَه وملابسته صورةً أخرى عن طريق قبول الهيولى صورةً ثانية.
نلخِّص استنتاجنا بالقول إن بوهر وابن سينا قدَّما النموذج الظاهر على النموذج الباطن. فمادامت التجربةُ هي علَّة وجود العالم سيكون النموذج الباطن تابعاً لها بلا ريب. إن تخليق العالم بعيد التجربة هو المسؤول عن تشكيل النموذج الظاهر؛ بل لعل العالم المخلَّق على هذا النحو هو النموذج الظاهر بعينه. يلد النموذجُ الظاهر النموذجَ الباطن في إثر التجربة؛ ويأتي النموذج الباطن، وفق بوهر وابن سينا، مطابقاً للنموذج الظاهر.
فات بوهر وابن سينا في ذلك كونُ النموذج الباطن مرجعاً قبل أن يكون نموذجاً. فالنموذج الباطن هو مرجع للنموذج الباطن وللنموذج الظاهر على حدٍّ سواء. وإذا كان استنتاجُنا بشأن ابن سينا قد تأتَّى على خلفية تصور ابن سينا لهيولية العالم فقد تنبَّه إلى هذه المبالغة تلميذُه المعصومي. فعلى الرغم من انتصاره لمعلِّمه، نجده يخاطب البيروني في خضم الجدل قائلاً:
إذا كانت الصورة لا تقوم إلا بالهيولى، والهيولى لا تقوم إلا بلبس صورة ما، ولا يمكن قوام أحدهما إلا بقوام الآخر، فكيف حدثت الصورة ولا مادة، أو المادة ولا صورة؛ لأنه إذا كان وجودُ كلِّ واحد منهما متعلقاً بوجود الآخر استمر بهما العدم... فلِمَ لَمْ يوجد إلا واحد منهما، وقد رأيناهما موجودين. فإذن هما موجودان في الأزل.
ومثل المعصومي فعل فوك. فعلى الرغم من انتمائه لمدرسة بوهر نجده ينظر إلى الاحتمال كسِمَة مقرِّرة مميِّزة لبُنى العالم المنفصلة المتجسدة. فوفق فوك، إن نتيجة التجربة، أياً كانت، لا علاقة لها بالوعي المجرِّب، واحتمال أن تظهر هذه النتيجة أو تلك هو قضية موضوعية صرف، مستقلة تمام الاستقلال عن الوعي المذكور. هكذا يتغير معنى الاحتمال: فعوضاً عن النظر إليه كمقياس لدرجة المعرفة أو الجهل، يغدو الاحتمال خاصة جوهرية من خصائص العالم.
لا يعود المعصومي وفوك فيما تقدَّم إلى أولوية النموذج الباطن. إن بمقدورنا اختزال محاولتيهما في التعويل على اللغة وخصائصها وحسب. فالاحتمال الرياضي، بحدِّ ذاته، يختلف عما نقوله عنه. إننا نكتب الاحتمال بلغة الرياضيات، بينما نفسره ونتحدث عنه بالمفردات الطبيعية التي تشكل حيِّزاً منفصلاً بالنسبة للرياضيات، يمكن أن ندعوه بالميتارياضيات meta-mathematics. نُجمِل أقوال المعصومي وفوك فيما يمكن أن نسميه الميتانماذج meta-patterns.
أما المفارقة الكبرى في هذا السياق فهي أن تفسير النموذج الباطن والنموذج الظاهر كلاهما إنما يجري في النموذج الباطن. بكلمات أخرى: إن الميتانموذج الظاهر هو النموذج الباطن؛ بينما الميتانموذج الباطن هو النموذج الباطن بحدِّ ذاته. إن الميتامنظومة meta-system، بصورة عامة، تقع خارج المنظومة system – ونستثني من ذلك النموذج الباطن، كما نوَّهنا للتو. ولما كانت المفردات اللغوية نابعة في الأصل من النموذج الباطن، ولما كانت صياغة النموذج الظاهر تتم في قلب النموذج الباطن باستخدام تلك المفردات، فإننا نخلص، كما ذكرنا، إلى أن ما ذهب إليه فوك والمعصومي لا يعدو كونه رؤية جديدة لعلاقة النموذجين. ومن هنا كان تصنيفنا لها في قائمة الميتانماذج.
***
هاجم البيروني أرسطو في استشناعه القائلين بالجزء الذي لا يتجزأ atomos، ودافع عن المتكلِّمين الذين يثبتونه. فأجاب ابن سينا أن أرسطو إنما اعتبر المادة قابلة للتجزئة إلى ما لانهاية بالقوة لا بالفعل. وبذلك يكون المثل الذي أوْرَدَه البيروني عن عدم الاحتمال الظاهري لجسم متحرك أن يدرك جسماً آخر بسبب وجود عدد لامتناهٍ من النقاط عليه أن يجتازها غيرَ صالح في مشكلة كهذه.
لقد بقيت مشكلة انفصال المادة أو اتصالها تشغل أفكار كثير من المفكرين على مدى العصور التاريخية المختلفة. نعود هنا إلى بحث أينشتاين الذي نشره عام 1935 بعنوان "هل يُعتبَر التوصيف الكوانتي للحقيقة الفيزيائية كاملاً؟" تصور أينشتاين في هذا البحث منظومة كوانتية مؤلفة من قسيمين particles تفاعلا في وقت سابق مكوِّنين قسيماً واحداً. تخيل أينشتاين بعد ذلك أن طبيعة التفاعل قد دفعت القسيمين إلى الانفصال والتباعُد إلى حدِّ نفي أيِّ أثر لأحدهما على الآخر. تقع فترة التفاعل وما بعدها في مجال انطباق قوانين الانحفاظ التقليدية، كقانون انحفاظ كمية الحركة وقانون انحفاظ اللف الذاتي وسواهما. يمكن، من حيث المبدأ، قياس كمية الحركة لأحد الجسمين بأية دقة؛ ويسمح تطبيق القوانين المذكورة في هذه الحالة بحساب كمية الحركة للقسيم الآخر بنفس الدقة. بالمثل، نستطيع تحديد موقع هذا القسيم الآخر بالدقة التي نرغب؛ ونشتق، بتطبيق قوانين الانحفاظ، موقع القسيم الأول بالدقة نفسها. هكذا نكون قد خلصنا إلى موقع وكمية حركة كلٍّ من القسيمين وفق أية دقة نختارها.
على أن في ذلك ما يخالف مبدأ هاماً من مبادئ الميكانيكا الكوانتية، ألا وهو مبدأ هايزنبرغ في الريبة uncertainty. ينص هذا المبدأ على أن الطبيعة تمنعنا من معرفة كمية الحركة والموقع لأيِّ قسيم وفق الدقة التي نشاء؛ ذلك أن قياس إحدى الكميتين بدقة معينة سينقص من الدقة المقابلة المحددة لقياس الكمية الأخرى. خلص أينشتاين من هذه التجربة إلى تأكيد مبدأ تمايز الأجسام المكوِّنة للعالم وعزلتها، كما برهن على أن مبادئ الميكانيكا الكوانتية ليست مبادئ صحيحة إلا على المستوى الظاهري، وأن هناك مبادئ أخرى تحكم العالم لازالت بعيدة عن متناولنا.
ردَّ بوهر على أيتشتاين بقوله إن القسيمين بعد انفصالهما سيبقيان كلاً موحداً، ذلك أنهما كانا في الأساس منظومة واحدة. وقد أكَّدت تجارب متأخرة جرت في الأعوام الماضية صحة رأي بوهر؛ ذلك أن نقل تجربة أينشتاين العقلية إلى الحيِّز الحسي أثبت أن القسيمين المنفصلين ثابرا على التصرف بعد انفصالهما وكأنهما قسيم واحد. قد يُعزى ذلك، للوهلة الأولى، إلى قصور التجربة العقلية؛ إلا أن الأمر يتعلق هنا بقصور التجربة الحسية. فأجهزة الحس تفيدنا بانفصال القسيمين، في حين أن القسيمين لازالا، في واقع الأمر، موحَّدين في كينونة مندمجة.
نحن أمام مفارقة كبرى جديدة. لو كانت التجربة العقلية قاصرة لبلغت آراء بوهر حدَّ الكمال؛ إذ إن الأولوية ستعطى للنموذج الظاهر، كما أن النجاح سيكون من نصيب المبادئ الكوانتية. لكننا أثبتنا للتوِّ أن التجربة الحسية قاصرة في وجودها، وأن أينشتاين لم يمضِ بالتجربة العقلية إلى نهايتها. كان على أينشتاين أن يتساءل: هل انفصل القسيمان فعلاً أم لا؟ تطرح الأحكامُ العقلية مثل هذه الإمكانات؛ لكن الأنماط الحسية لا تفعل ذلك. أما المفارقة التي أشرنا إليها فهي: تؤيِّد التجربةُ العقلية المنبثقة عن النموذج الباطن فكرةَ اتصال العالم. يستخدم الكوانتيون هذه الفكرة لبناء علمهم، ويخلصون منه، كما بينَّا، إلى أولوية النموذج الظاهر. بكلمات أخرى، تُفضي أولويةُ النموذج الباطن إلى نتيجة مفادها أن الأولوية يجب أن تعطى للنموذج الظاهر! إن لهذه المفارقة بعداً آخر، سنلقي مزيداً من الأضواء عليه بعد أن نعرج على مفارقة مماثلة لدى البيروني.
نقرأ في اعتراض البيروني على جواب ابن سينا في المسألة الأولى:
فليس ولا واحد من الأجسام حالاً في موضعه الطبيعي. فإذن لا يبطل بهذه المقدمات دعوى من قال "إن الفلك ثقيل" لكن اتصاله مانعٌ عن الهويِّ نحو المركز.
يعود البيروني هنا إلى الحديث عن اتصال العالم، على الرغم من أنه كان قد ميَّز مفهوم الفعل المتبادل القائم على تمايز الأجسام وعزلتها. لا شكَّ أن البيروني قد أدرك نموذج التمايز والعزلة، لاسيما أنه دافَعَ عن المتكلِّمين بالجزء الذي لا يتجزأ. نثير هنا البعد الآخر بالمفارقة لدى أينشتاين. تدعى نظرية النسبية العامة بنظرية الحقل، حيث يتوزع تأثير الفعل الثقالي بشكلٍ مستمر ومتواصل عبر حيِّز معيَّن. ولا يُعرَّف التسارع، كما قد يُظَنُّ للوهلة الأولى، لكلِّ قسيم على حدة في هذه النظرية، بل على العكس، يتحدد التسارع بمعدل انحراف الخطوط المكوِّنة للحيِّز المدروس. أما ما نلمسه من تسارع قسيم ما فما هو إلا تجسيد للانحراف المذكور.
وهكذا، بدوره، يعود أينشتاين إلى مفهوم اتصال العالم، على الرغم من الركيزة الفلسفية التي بنى عليها نظرياته والتي تختزل العالم إلى كينونات منفصلة تبلِّغ عن وجودها بأقصى سرعة مسموح بها هي سرعة الضوء.
***
ننتقل إلى البعد الآخر للمفارقة لدى بوهر. إن اتصال العالم كان المفهوم الجوهري الذي احتل المساحة الرئيسية من ردِّ بوهر على أينشتاين. لكن الاتصال هنا هو اتصال ميتافيزيائي بمعنى من المعاني. فوفق الميكانيكا الكوانتية يتكوَّن العالم من بنى منفصلة؛ وانفصال البنى لا ينجم عن تحليل معطيات أجهزة الحس أو أدوات التجربة بشكل أعم، لكنه يتمخض عن توصيف كلِّ قسيم بمجموعة محددة من الأرقام تُعرَف بالأرقام الكوانتية. ونشير هنا إلى أن هذه الأرقام لا ترتبط بدلالات فيزيائية. فإذا تحدثنا عن اللف الذاتي فإن ذلك لا يعني على الإطلاق أن القسيم المعني يلف حول ذاته. إنها ميتافيزياء جديدة في ثوب الفيزياء! وهكذا تتمايز البنى بتباين أرقامها الكوانتية. أما إذا تساوت مجموعتا الأرقام الكوانتية لقسيمين فإن الميكانيكا الكوانتية تتحول إلى الحديث عن "ضياع الهوية". وما عدا ذلك، فالبنى كلها متصلة؛ واتصالها اعتباري، بمعنى أن بمقدور الدارس ضمَّ مجموعات منها في بنية واحدة، والنظر إلى بنى أخرى على أنها منفصلة. حقاً إنه اتصال ميتافيزيائي!
وتعجز التجارب اليومية المباشرة عن تحديد معنى الاتصال والانفصال في هذا السياق. ولعل من أغرب غرائب الميكانيكا الكوانتية هو تصور وجود قسيم معيَّن في مكانين مختلفين في نفس اللحظة أو ذوبان قسيمين. نوضح الفكرة الأخيرة بالقول إن اصطدام إلكترونين سيؤدي إلى تحويل جهتي حركتيهما. لكن المعضلة هي أن كلاً من الإلكترونين سيضيِّع هويته بعيد الاصطدام؛ إذ لو سألنا أحدهما فيما إذا كان هو ذاته قبل الاصطدام لما درى أية إجابة!
نصل هنا إلى المفارقة الفكرية لدى ابن سينا. ففي جوابه عن اعتراض البيروني على حجج ابن سينا في المسألة الأولى يذكر المعصومي ما يلي: "لأن كل مُحال يمكن أن يُتوهَّم كاجتماع الجرمين في مكان أو جرم في مكانين." ويؤكد في جوابه عن المسألة الرابعة: "فذكر أن الطبيعة كيف ما جزَّأت الأشياء بقي فيها ما تجزئ بالقوة إلى ما لانهاية. وإنما تركب الأجسام من أجزاء متناهية." وكان معلِّمه ابن سينا قد سبقه إلى طرح نفس الفكرة في سياق جوابه من المسألة الرابعة أيضاً إذ قال: "وبعض الأجزاء، وإن كانت لها في ذاتها واسطة ومنقسم، فليس يقبل لصغره الانقسام بالفعل."
نتلمس فيما تقدَّم، على نحو جليٍّ، مفهوم التمايز والانفصال في فكر ابن سينا. لكن بحثنا لا ينتهي عند هذه الحقيقة. إذ لا بدَّ من التطرق إلى ما ذكره آخرون في هذه المشكلة.* لخَّص الخوارزمي المشكلة في كتابه مفاتيح العلوم تلخيصاً جيداً أتى فيه على رأي المتكلِّمين وعلى رأي الفلاسفة فقال: "عند المعتزلة المتكلِّمين أن الأجسام مؤلَّفة من أجزاء لا تتجزأ أو هي الجواهر عندهم." حسبنا أن نذكر قول المعصومي في المسألة الرابعة من مسائل البيروني:
وإن كنت تريد به أجزاء الضلع والقطر من الخطوط الوهمية فإنها عندي تنقسم إلى ما لانهاية له بالفعل، وفعلُها هو التصور في العقل خارجة عن المادة وعن الهيولى، فيكون تجزئتها بالفعل وهمياً على حسب ذلك، وهو التصور العقلي لقبول تجزئتها إلى ما لانهاية.
يؤكِّد بوهر وابن سينا على اتصال العالم؛ إلا أنهما يشيران، من جانب آخر، إلى أولوية المفهوم الجسيمي في بنائه. وعلى الرغم من انفصال الجسيمات المكوِّنة للعالم وفق معطيات أجهزة الحس، إلا أنها متصلة في الواقع، هذا إلى أن أجهزة الحسِّ المذكورة لها دور كبير في تكثيف الهيولى غير المحددة في صورة الجسيمات قيد البحث.
يكتنف الغموض الموقف النهائي لبوهر وابن سينا في قضية الجزء الذي لا يتجزأ. فابن سينا يُبقي الباب مفتوحاً أمام إمكانية التجزئة إلى ما لانهاية، مذكِّراً بأن العالم لا يمكن أن يركَّب إلا من أجزاء متناهية. نجد ما يماثل ذلك، بل ما يطابقه، عند بوهر. فالمعادلات الموجية الكوانتية تصف عالماً مصنوعاً من دقائق متناهية؛ إلا أن هذه المعادلات تبقى قابلة للانطباق، مهما كانت حجوم الدقائق المعتبرة.
وهكذا تحول الأربعة الكبار بين عالم النموذج الباطن وبين عوالم النموذج الظاهر على نحو دوري أشبه بالنواس الذي لا تستقر له حال عند أيِّ طور. وهذا هو شأن الباحث في أيِّ مكان وزمان، إن كان الباحث ملتزماً بالإخلاص للحقيقة. وإلا انطبق عليه قول المعري:
سألتموني فأعيتني إجابتكم * من ادَّعى أنه دارٍ فقد كذبا
***
تصدَّى الأربعة الكبار للقضية الإشكالية الكبرى، ألا وهي قضية التفرُّد والتعددية. طرح البيروني الأمر في تساؤله التالي: "لِمَ استشنع أرسطوطاليس قول من قال: إنه يمكن أن يكون عالم آخر خارج هذا الذي نحن فيه، كائن على طبيعة أخرى؟" واستطرد في نفس التساؤل قائلاً: "ويكون كل واحد من العالمين محجوباً عن صاحبه ببرزخ."
لن نسرد ردَّ ابن سينا بكل تفاصيله، وحسبنا منه المقاطع التالية:
... أما هذه المسألة فليست هي حكاية قول أرسطوطاليس في كتابه السماء والعالم في إنكاره وجود عوالم غير هذا العالم لأنه لم يتكلَّم فيه مع من قال إن عوالم لا تشبه هذا العالم بوجه من الوجوه ثَمَّ، بل يردُّ على من جعل عوالم فيها سماوات وأرضون واسطقسات موافقة لما في هذا العالم بالنوع والطبع، مغايرة له في الشخصية...
... والممكن في الأشياء الأبدية واجب؛ فإذن كون عوالم كثيرة واجب. فمن الضرورة وجود عوالم غير هذا العالم. فمنهم من جعلها متناهية ومنهم من جعلها لانهاية لها، وكلهم أثبتوا الخلاف. والفيلسوف قد نقض هذه الحجة في كتاب السماء والعالم بما نقض، وبيَّن أنه لا يمكن أن تكون عوالم كثيرة...
... فإذن لا علة جسمية قاسرة، ولا علة غير جسمية، لأن العلل التي ليست بأجسام، كالأشياء التي يسميها الفلاسفة الطبيعة والعقل والعلة الأولى، لا تنقل النظام إلى اللانظام، بل شأنها أن تنقل اللانظام إلى النظام أو تمسك النظام على النظام. فليست علة جسمية ولا لاجسمية ذاتية تعمل ذلك...
وينتهي ابن سينا من ردِّه بالفقرة التالية:
فإذن لا عالم مخالف لهذا العالم بكيفيات جسمية. فإذن إن كانت عوالم كثيرة هي متفقة بالطبع. وقد بينَّا أن لا عوالم متفقة بالطبع كثيرة فيما تقدَّم؛ فإذن العالَم واحد. وذلك ما أردنا أن نبيِّن. وأعلم أنه إذا سلك طريق ما ادعي في هذه المسألة أدى ذلك إلى ما لانهاية له بالضرورة. وأبطل العلم بشيء من الأشياء وأثبت ما ينتحله الفرقة السوفسطائية. ومعالجة أولئك ليس بهذا الدواء، بل بأدوية غير هذا، وبالله العون. قبل أن نمضي قدماً في معالجة هذا الموضوع الشائك، نتزود بأقوال أخرى لابن سينا. نقرأ في جوابه عن المسألة التاسعة:
يجب أن تعلم أن الحرارات ليست سالكة من المركز لأن الحرارة غير متحركة، اللهم إلا بالعرض، لكونها في جسم متحرك، ككون إنسان متحرك في سفينة متحركة.
نجد في نفس الجواب:
ويجب أن تعلم أن الشعاعات ليست بأجسام، لأنها لو كانت أجساماً لكان جسمان في مكان واحد، وأعني الهواء والشعاع.
نثبت أولاً فهم ابن سينا لطبيعة الشعاعات: إنها ليست بأجسام ولعلها أثيرية. ترتبط هذه الحقيقة بتصور ابن سينا لعالم يسوده النظام على نحو مطلق، ولا تشكِّل الحرارة فيه إلا عرضاً لا حول له ولا دور. يخلص ابن سينا من هذا الاعتقاد ومن غيره إلى تفرُّد العالم. ولا شكَّ أن جملة أفكار ابن سينا هذه محكمة البنيان؛ ولو لم تكن كذلك لما كان ابن سينا شخصية حضارية تاريخية كبيرة. تنبع استحالة تعددية العوالم عند ابن سينا من النظام القائم في الكون. فلا يسع أية قوة أن تغيِّر من هذا النظام. وننسب إلى عبقرية ابن سينا إدراكَه العفوي الطبيعةَ الفوضوية للحرارة، وتنحيته، من ثَمَّ، للظاهرة بأكملها واختزالها إلى ما هو أثيري، بإبعاده صفة الجسمية عنها.
عرض البيروني للموضوع نفسه في كتابه الآثار الباقية، فرفض الرأي الذي يذهب إلى أن الحرارة ناجمة عن انعكاس الشعاع ونبَّه إلى أنها في الشعاع نفسه: "وقد قيل في سبب الحرارة الموجودة مع شعاع الشمس أنه امتداد زوايا انعكاسه وليس ذلك كذلك بل هو موجود معه." لقد وقع البيروني على التعريف المعاصر للحرارة؛ ويتأكد ذلك بما أورده في المسألة الثامنة: "وقد علمنا أن الحرارة بإزاء الحركة، والبرودة بإزاء السكون." ونجد في نفس المسألة أيضاً: "وكلما كانت الحركة أسرع كان الإحماء أبلغ وأشد."
التفت البيروني إلى مسألة فيزيائية أرضية، فعرض أنه:
مادامت حركة الفلك تولِّد الحرارة، ومادام يلزم أن يكون تولُّد الحرارة في خط الاستواء أكثر من تولُّدها في القطبين، فكيف اعتبر أرسطو عنصر النار ذا شكل كروي؟
ونتساءل هنا عن مواقع الكرة في نماذج البيروني، فنجد الإجابة في قوله:
وأيضاً لم ينكر أحد أن للكرة طولاً وعرضاً وعمقاً، غير أن كل واحد من أقطارها – ولا نهاية لها – يستحق بكلِّ واحد من هذه الأسماء.
تمثل الكرة إذن الكمال في تناظرها وتجانسها، وفق البيروني؛ والنار أو الحرارة ليست كذلك: إنها ضرب من ضروب الفوضى. استشعر البيروني نظرية الفوضى الكونية قبل صياغتها بقرون طويلة. فمن تصديقه للتغير نقرأ:
وما يُحكى عن الهند وأمثالهم من الأمم فهو ظاهر البطلان عند التحصيل لتعاقب الحوادث على سكان المعمور من الأرض، إما جملة وإما نوباً. وأيضاً فإن حال الجبال كلها كذلك في القدم وشهادة الأحقاب بمثل تلك الشهادة مع ظهور الحدث فيها.
أشار البيروني إلى الفوضى والاندثار والتبدد بما لا يقبل الشك. نؤكد ذلك بقوله:
لم جعل أرسطوطاليس أقاويل القرون الماضية والأحقاب السالفة في الفلك ووجودهم إياه على ما وجده عليه حجة قوية ذكرها في موضعين من كتابه على ثبات الفلك ودوامه؟
ولا أدل على ذلك من قوله: "فليس واحد من الأجسام حالاً في موضعه الطبيعي."
تلكم هي المسألة باختصار: رأى البيروني أن الحرارة حركة، وأنها تعدم أي تناظر أو تجانس، وأن الكون يندفع إلى الفوضى، فالاندثار والتبدد إلى جانب ذلك. تصور البيروني تعدُّدَ العوالم، ولم يستبعد وجود أكوان أخرى غير كوننا. وقد تحدث جيوردانو برونو بعد البيروني عن مثل هذه الإمكانية وأُحرِقَ من جراء ذلك.
أما عند ابن سينا، فالنظام في الكون هو الأساس. ومن حيثيات النظام تفرُّد الكون واستحالة تعدد العوالم. استكمل ابن سينا تصوراته بنزع صفة الحركة عن الحرارة ودمجها في الجسم المتحرك، وذلك كيلا تبقى ثغرة في آرائه قد يطلُّ منها شبح الفوضى. مهما يكن من أمر، فقد سبق ابن سينا أصحاب نظرية الكالوريك caloric بعدة قرون.
فأين أينشتاين وبوهر من نماذج البيروني وابن سينا؟ في معرض الإجابة على هذا السؤال، لا بدَّ لنا من أن نبحر قليلاً – ولربما كثيراً – في محيط الأطروحات المعاصرة لفلسفة العلوم.
تقع الاعتبارات الحرارية في المركز من أيِّ تحليل علمي لظواهر الطبيعة. إنها تهيمن على كل خبراتنا الزمنية، إن لم يكن لسبب فلأن صيرورة الظواهر المذكورة ترتبط بالضرورة بإحداثي زمني. تؤكد الدلائل اليوم أن العمليات الفيزيائية الكيميائية للمتعضِّيات الحية living organisms تخضع لقوانين الحركة الحرارية أو قوانين الترموديناميكا thermodynamics.
يشكل القانون الثاني للترموديناميكا، بلا شك، جوهر تلك القوانين، ويُعرَّف في أدبيات الفيزياء بالقانون الثاني أو المبدأ الثاني أو الموضوعة الثانية. تنجم أهمية هذا القانون عن أنه يوفر معايير لازمة، وبعيدة المدى، في تعريف اللاتناظر asymmetry المسيطر على السيالة الزمنية وفي تحديد القوى الدافعة السائدة وفي الطبيعة. يتعلق هذا القانون أيضاً بتوازن المنظومات وعَكوسيَّتها reversibility أو لاعَكوسيَّتها irreversibility وجنوحها عن حالة التوازن. تتميَّز كلُّ أحداث الطبيعة بلاعَكوسيَّتها؛ ويعني ذلك، فيما يعنيه، استحالة العودة إلى طور البدء بعد أن يأخذ الحدث مجراه، ولو وُظِّفَتْ في سبيل ذلك إمكاناتٌ غير محدودة.
نجد في الموروث الفيزيائي صياغات كثيرة لهذا القانون، يجتمع بعضها على مصطلح الاستحالة impossibility، بينما يذهب البعض الآخر إلى حد الحديث عن فقدان المبادئ في علم الفيزياء. من ذلك، مثلاً، استحالة الحركة الدائمة بسبب تبدد الطاقة، واستحالة آلة تعمل في نوبات متتالية دون توقف ودون أن تنتج أي أثر، باستثناء رفع ثقل وتبريد حوض حراري.
يُعبَّر عن القانون الثاني في عصرنا بدلالة الإنتروبيا entropy، حيث يتحول القانون إلى الصيغة التالية: إن تناقص الإنتروبيا لأية منظومة هو أمر مستحيل. وتقاس الإنتروبيا بواحدة الطاقة مقسومة على درجة الحرارة المطلقة، والإنتروبيا درجة الفوضى أو العشوائية في المنظومة المدروسة. نسرد فيما يلي قوانين الترموديناميكا:
القانون صفر: تنساب الحرارة من الساخن إلى البارد، وتصير درجة الحرارة واحدة عند بلوغ التجانس الحراري.
القانون الأول: الحرارة شكل من أشكال الطاقة؛ وهي بذلك تخضع لقانون انحفاظ الطاقة energy conservation.
القانون الثاني: لا تسمح الطبيعة بتحول الطاقة من شكل لآخر إن لم يترافق ذلك التحول مع ازدياد في الإنتروبيا، أي مع ازدياد في الفوضى. إذا حافظنا على ثبات الإنتروبيا فإن التحولات من النمط المشار إليه تتَّسم بانخفاض الطاقة الحرة الجاهزة للعمل.
القانون الثالث: هناك درجة حرارة دنيا تصير المادة عندها منظمة تنظيماً كاملاً ومطلقاً، وينتفي أي أثر للفوضى.
نعيد صياغة هذه القوانين بعبارات ذاتية:
القانون صفر: إن مصيرك الحتمي هو، بلا شك، التفكك والاندثار والاختلاط بالهباءات الكونية.
القانون الأول: إنك لن تستطيع الظفر بالطبيعة.
القانون الثاني: إن الانسلاخ عن الطبيعة مستحيل.
القانون الثالث: إنك لن تجد مهرباً من اللعبة.
ألا تكافئ هذه القوانين بمجملها المعنى الباطن في مصطلح الهمِّ الوجودي الذي أتينا على ذكره في مقدمة هذا البحث؟ ألم يدفع هذا الهمُّ العمالقة الأربعة وسواهم على درب المعرفة؟ سنعود إلى صياغة استنتاج نهائي للبحث على هامش العبارات الذاتية المجسِّدة لقوانين الترموديناميكا.
نجمع أفكار البيروني ونضعها في مجموعة. بالمثل، نفصل أفكار ابن سينا ونبني منها مجموعة أخرى. أخيراً نضم المجموعتين في مجموعة واحدة عبر عملية اجتماع. إن ما سنحصل عليه هو مجموعة من عناصر لا تحقق اتساقاً فيما بينها. قد يبدو عملُنا غريباً وغير معقول بسبب ذلك. لكن مهلاً! سيتبين لنا بسرعة أن إعادة توزيع هذه الأفكار سيخلص إلى نموذجي النسبية والميكانيكا الكوانتية الخاصين بتعدد العوالم، كما سيوضح موقف النظريتين من مفهوم الفوضى.
تولد الفوضى في الميكانيكا الكوانتية لحظة بدء الاختبار، أي لحظة اقتران أداة التجربة بمادَّتها. يتمخض هذا الاقتران عن عنصر فيزيائي جديد يسعى، كأمثاله، إلى التخلِّي عن معظم طاقته والانخراط في الكلِّ الكوني المتجانس، حيث لا هوية ولا هيئة، حيث الفوضى المطلقة. يؤكد هذا التحليل اندراج المبادئ الكوانتية تحت مظلة القانون الثاني للترموديناميكا. هنا ينفصل ابن سينا عن بوهر. ففي حين يتصور ابن سينا نظاماً مطلقاً في الكون، تخضع العناصر الكوانتية للقانون المذكور. على أية حال، يفتقد هذا الخضوع أيَّ تخلُّل للسببية؛ إنها عشوائية تنضاف إلى عشوائية. على أن للميكانيكا الكوانتية وجهاً آخر، لنقل إنه وجه تركيبي. يعني ذلك تعيين التجربة الكوانتية بعدد محدَّد من النتائج. بكلمات أوضح، يؤدي إجراء أية تجربة إلى انبثاق عدد مقرَّر من النتائج؛ على أننا لا نقع من هذه النتائج إلا على نتيجة واحدة وحسب. ذلك أن المخ الإنساني الذي تعوَّد على منهج السببية يعجز عن رؤية أكثر من نتيجة. أين تذهب النتائج الأخرى وما هو مصيرها؟ إنها تتحقق في أكوان أخرى، أكوان ليست بعيدة عنَّا. إنها تتخلَّل كوننا، الآن وهنا، لكن المكاشفة بيننا وبينها مستحيلة؛ إذ تنبثق في كلِّ كون منها نتيجةٌ منفصلة للتجربة. تُعرَف هذه الرؤية بتفسير الميكانيكا الكوانتية على أساس تعدُّد الأكوان multiple universes. نلاحظ هنا تباين فكري ابن سينا وبوهر. فبينما يؤكد ابن سينا حالة الكون المتفرِّد، يُعتبَر التفسير المتعدد الأكوان أحد التفاسير الأساسية للميكانيكا الكوانتية.
يختلف شأن البيروني وأينشتاين في هذا السياق. أدَّت الحلول الرياضية لمعادلات النسبية العامة إلى ما يُعرَف اليوم بالثقب الأسود black hole. والثقب الأسود يمثل النهاية المحتومة لنجم هائل الكتلة: فبعد نفاد مخزون النجم من الطاقة تتغلب قوة الجذب الثقالي gravitational force على باقي القوى الكونية الفاعلة فيه، ويترتب على ذلك تجمع مادة النجم في حيز بالغ الضآلة؛ وما هو أدهى من ذلك أن النجم يسلِّط قوة جذبه الثقالي على حيِّز من الفضاء حوله يعرف سطحه الخارجي باسم أفق الحدث event horizon؛ إن اجتياز أي جسم لأفق الحدث سيعني اختفاءه، ذلك أنه سيقع في فخ الثقب الأسود، مضافاً إلى المادة الأصلية لهذا الثقب. ينطرح عند هذه المرحلة التساؤل التالي: أين تذهب مادة الثقب الأسود وما هو مصيرها، خاصة أن تلك المادة في ازدياد مستمر؟ يقول بعض العلماء إنها تسلك أنفاقاً كونية غير مرئية في المُتَّصَل المكاني–الزمني لتبرز في أكوان وأزمان مغايرة. صفوة القول إن النسبية لا تنفي تعدد الأكوان. بذا اتفق البيروني وأينشتاين واختلف ابن سينا وبوهر.
ما موقف مدرسة أينشتاين من الفوضى الكونية؟ إنه موقف متحفِّظ بمعنى من المعاني. فأينشتاين قد استغرق في الصوفية الكونية، ورأى في النواميس الكونية ضرباً من نظام أعلى. عزا أينشتاين الميكانيكا الكوانتية وكلَّ المفارقات الأخرى إلى جهلنا، وكان على يقين من أن يوماً سيأتي يتجاوزُ الإنسانُ فيه كلَّ المفارقات ليكتشف قانوناً كونياً واحداً يحكم الوجود بأسره. لقد كانت الريبة والفوضى وكلَّ أصناف العشوائية والاحتمال بعيدة كل البعد عن فكر أينشتاين.
لم يخرج أنصار أينشتاين عن جوهر فكره وتمسَّكوا بمبدأ الحتمية كمبدأ وحيد مقبول في تفسير الوجود. نجد في عمل متأخر لواحد منهم تعميماً لهذا المنهج. إنه يضع كأساس للوجود عبارة تصف التوازن العام لأية خاصية جهارية. تنص العبارة على أن
المعدَّل الزمني لازدياد الخاصية في حيِّز معين يساوي معدل توليد الخاصية داخل الحيِّز مضافاً إليه معدَّل دفق الخاصية من الخارج باتجاه الحيِّز.
يمضي المؤلف بعد ذلك إلى استنتاج كل نواميس الفيزياء من هذه العبارة، وفي عمله هذا يختزل الإنتروبيا إلى ظاهرة يخلقها ويغذيها الجذب الثقالي. تنجم الفوضى المتزايدة في هذه الحالة عن شمولية الجذب الثقالي، حيث يقوم كل جسم بجذب كل جسم آخر مهما كانت طبيعة كل منهما، وعن الطبيعة الأحادية للثقالة، حيث يوجد جذب ثقالي ولا يوجد نبذ ثقالي. لن نعرض تفاصيل الأبحاث التي أجراها المؤلف في هذا السياق، ونكتفي بنقل فلسفته ورغباته: إنه يجنح إلى أن يرى كوناً عارياً عن الفوضى؛ وإن ظهرت الفوضى فيه فعلاً، فيمكن ردُّ هذه الفوضى إلى ظاهرة الجذب الثقالي. إنها فوضى وعشوائية تتخلَّق وتتحرك تحت مظلة الحتمية؛ وهي بذلك ليست ظاهرة أصيلة وجذرية.
لكننا بتنا نعلم اليوم أن القانون الثاني للترموديناميكا هو مبدأ كوني أساسي، شأنه شأن الجذب الثقالي. وفي ذلك نسوق مثال دورة الأرض حول نفسها: ذلك أن الأرض تدور حول نفسها من جراء الفعل المتأيِّن والمتضاد لقانون الجذب الثقالي، من جهة، وقانون ازدياد الإنتروبيا، من جهة أخرى.
باختصار، لم تكن لدى أينشتاين أية رغبة في تصور فوضى باطنة وأصيلة في الكون. وإذا ثبت وجود بعض الفوضى فيمكن ردُّ ذلك إلى ظاهرة لافوضوية. نعود هنا إلى بعض ما قاله أينشتاين:
أتساءل فيما إذا كان لدى الإله أيُّ خيار عند خلقه العالم...
لا يستطيع العقل الإنساني أن يحيط بالكون. إننا أشبه بطفل صغير يلج مكتبة كبيرة حيث ترتفع الكتب حتى السقف وتتوزع بين لغات مختلفة. إن الطفل على علم مسبق بأن بعضهم مسؤول عن كتابة محتويات هذه الكتب، إلا أنه لا يدري من هم هؤلاء البعض وكيف أنجزوا ما أنجزوه. كما أنه لا يفهم اللغات التي سُطِّرَتْ بها تلك الكتب. وعلى الرغم من ذلك يستطيع الطفل أن يتحسَّس خطة محددة في ترتيب تلك الكتب. إنه تنظيم غامض، لا يستطيع الطفل فهمه بشكل كامل، ولكنه يستطيع إدراكه على نحو مبهم.
عند هذه النقطة يفترق أينشتاين والبيروني. فأينشتاين لا يستطيع إلا مسايرة رغباته الداخلية برؤية عالم بالغ الكمال في بنيانه وتنظيمه؛ أما البيروني فهو، بدوره، تأسُره رغباته الداخلية. وتتجسد رغبات البيروني في الامتثال للمنهج العلمي بكلِّ صرامته وقسوته؛ ومن ذلك القبول بالفوضى الباطنة في العالم. يمكننا أن نعتبر، دون مبالغة، أن البيروني قد سبق بيكون في إرساء القواعد الأساسية للمنهج العلمي.
نخلص مما تقدَّم إلى استحالة إصدار حكم نهائي بشأن اتِّساق منظومة محددة من الأفكار. هل تقترن فوضى العالم بتعدد الأكوان، أم أن تعدد الأكوان لا شأن له بتلك الفوضى؟ يبيِّن العرضُ السابق الاستحالةَ الفعلية في عزل مجموعة من الأفكار وافتراض وجود ارتباطات منطقية عميقة بينها فيما يمكن أن ندعوه اتساقاً مطلقاً؛ إذ يبدو أن المنظومات الفكرية المتقابلة تبدأ بالاختلاط والتمازج بعيد حدٍّ معين.
نعود هنا إلى النموذج الباطن وأولويَّته. يعكس هذا النموذج حقيقة هامة، ألا وهي أننا نرى العالم كما نريد ونرغب، لا كما هو فعلاً. وما أدرانا، فقد لا يكون هناك عالم بذاته، بل عالم لنا! وكيف لا يكون العالم لنا وهو يستغرق بكلِّيته في النموذج الباطن؟
يؤكد التحليل النهائي للميكانيكا الكوانتية أن مفهوم البداية لا يشغل موقعاً هاماً في منظومة الأفكار الكوانتية، خاصة أن العالم لا يتحدد إلا بالتجربة، وأن الحدث لا يتحقق إلا بقفزة كوانتية؛ ناهيك عن أن القفزات الكوانتية لا علاقة لها بعضها ببعض، مما يجعل ترتيب الأحداث مجرد إضافة عقلية لا تمتُّ لواقع العالم بصلة. إن كان الأمر كذلك لا نجد مانعاً من قبول تاريخ كوني غير منتهٍ في امتداده الزمني الماضي. يقول المعصومي تلميذ ابن سينا:
وإنما الذي ينكره الفيلسوف من اللانهاية هو أن يوجد شيء لانهاية له في زمان متناهٍ. على أنَّا لا نكاد نتصور يوماً وإلا ويتقدمُّه أمس، ولا دجاجة إلا ويتقدَّمها بيضة، إلى ما لانهاية.
نلمس هنا تطابقاً واضحاً بين فكري ابن سينا وبوهر. تمثِّل مقولة المعصومي فكر ابن سينا، بينما يُستجَرُّ فكرُ بوهر مما قدَّمناه من تحليل للميكانيكا الكوانتية. تقوم اللانهاية الزمنية في كلا الفكرين على مجرد تصور: ذلك أن القدوم من لحظة لانهائية في الماضي والانحدار الفعلي إلى الآن هو أمر مستحيل تماماً. يفرض النموذج الباطن لدى المفكِّرين مفهوم أزلية الزمن.
ويفرض النموذج الباطن لدى كل من البيروني وأينشتاين القبول بلحظة بدء انطلق منها الوجود. يقول البيروني: "وما أحدث هذا الاعتراض إلا مما يقدر من تناهي الحركات والأزمان ضرورة من جهة الأول."
من المعروف أن نظرية النسبية كانت الأولى في طرح نموذج الكون الأول؛ ومن المعروف أن نظرية النسبية كانت الأولى في طرح نموذج الكون المتمدِّد. أتى الكون إلى الوجود، وفق هذا النموذج، إثر انفجار هائل حدث منذ حوالى خمس عشرة ألف مليون سنة؛ ثم تتالت الأحداث في تسلسل سببي تمخَّض عن الكون كما نعرفه اليوم.
نجمل بحثنا بالعودة إلى الصيغ الذاتية لقوانين الترموديناميكا. تُختزَل تلك القوانين بكلمة الاستحالة: فاستمرار التجسد مستحيل، والظفر والانسلاخ كلاهما مستحيل. أخيراً الهروب بدوره مستحيل. وإن كان ذلك كذلك فقد لا يستطيع المفكِّر إلا تجريب كلِّ الأفكار الممكنة والمتاحة، بما فيها الأفكار غير المتسقة والمتناقضة – وهذا ما فعله الأربعة الكبار.
فهل يعني ذلك استحالة بلوغ الحقيقة، أو حتى استحالة وجود حقيقة، ناهيك عن إمكانية معرفتها؟!
إذا نظرنا في الفضاء الكوني أبعد وأبعد فإننا، وفق النسبية، إنما ننظر إلى الماضي عبر فترات أبكر وأبكر، ذلك أن الرسول الكهرطيسي يستغرق آلاف وملايين السنين في الوصول إلى أرضنا. باختصار، عندما نحدِّق في النجوم فإنما نحدِّق في النجوم حيث كانت، لا حيث هي موجودة الآن بالفعل، لأن آلاف وملايين السنين قادرة على تغيير مواقعها بمسافات هائلة.
إن التحديق في الكون، واستجرار النظريات على هامشه، هو جزء من تسليط الفكر على العالم. وتسليط الفكر، بدوره، هو هبوط إلى النموذج الباطن وارتحال نحو البدء في أعماق الذات. ولا نجد هنا أداة فعالة في إلقاء الضوء على الظواهر الذاتية هذه أفضل من الميكانيكا الكوانتية. فبواسطتها نسوِّغ القفزات عبر تكوينات عالمنا الباطن، وعلى الأخص النموذج الباطن. وكلما أمعنَّا في الابتعاد في الكون ازداد عمق قفزاتنا الداخلية، وسعت الميكانيكا الكوانتية للاندماج بالنسبية، بينما نجنح إلى التواجُد مع الكون في نفس الوقت. إنه تصعيد لـ"مستحيل" قوانين الترموديناميكا.
أهي الحقيقة تدفعُنا لهذا التواجد؟ أعتقد ذلك، مؤكداً، بوجه خاص، على ظاهرة التحديق في الكون. فلا مفرَّ، على ما يبدو، من الاندفاع بحثاً عن الحقيقة في الكون، وفي أعماقنا، أو في موقع واحد، وفق وجهة نظرنا عن النموذج الباطن.

أبريل 03، 2010

مبادئ الشيوعية






1. ما هي الشيوعية ؟
الشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا.

2. ما هي البروليتاريا ؟
البروليتاريا هي الطبقة التي – من بين كل طبقات المجتمع – تعيش كليا من بيع عملها فقط، لا من أرباح أي نوع من أنواع رأس المال. ولا تتوقف معيشتها بل وجودها ذاته، على مدى حاجة المجتمع إلى عملها، أي أنها رهينة فترات الأزمة والازدهار الصناعي وتقلبات المنافسة الجامحة. بإيجاز إن البروليتاريا هي الطبقة الكادحة لعصرنا الراهن.

3. هل وجدت البروليتاريا منذ القدم ؟
كلا. لقد وجدت دائما طبقات فقيرة كادحة بل إن الطبقات الكادحة كانت في أغلب الأحيان فقيرة. أما الفقراء والعمال الذين يعيشون في ظروف كالتي أشرنا إليها سابقا – أي البروليتاري – فهم لم يكونوا موجودين في كل الأزمنة. كما لم تكن المنافسة حرة وبلا أي حدود.

4. كيف ظهرت البروليتاريا ؟
لقد نشأت البروليتاريا في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن الماضي (الثامن عشر) على إثر الثورة الصناعية التي قامت منذ ذلك الحين في جميع البلدان المتحضرة في العالم.

كان الحافز لهذه الثورة الصناعية هو اختراع الآلة البخارية ومختلف أنواع آلات الغزل والأنوال الآلية وعددا كبيرا من الأجهزة الميكانيكية الأخرى، التي بحكم ثمنها الباهض لم يكن قادرا على شرائها سوى كبار الرأسماليين، مما أدى إلى تغيير شامل لنمط الإنتاج السابق وإلى إزاحة الحرفيين القدامى نظرا لأن هذه الآلات أصبحت تنتج سلعا أفضل وأرخص من تلك التي أنتجها أولائك الحرفيين بأنوالهم اليدوية وأدواتهم البدائية.

وهذا ما يفسر كيف أدى دخول الآلة على النشاط الصناعي برمته إلى تحويله بين أيدي كبار الرأسماليين وإلى إفقاد الملكية الحرفية الصغيرة (أنوال، أدوات عمل...) كل ما لها قيمة، مما مكّن الرأسماليين من السيطرة على كل شيء في حين فقد العمال كل شيء.

ولقد أدخل نظام المانيفاكتورة – أول الأمر – في صناعة النسيج والملابس ثم ما أن كانت الانطلاقة الأولى لهذا النظام حتى انتشر سريعا ليشمل سائر الفروع الصناعية كالطباعة وصناعة الخزف والمعادن وأصبح العمل مقسما أكثر فأكثر بين مختلف فئات العمال، بحيث أن العامل الذي كان في السابق ينجز عمله كاملا صار لا يؤدي إلا جزءا فقط من هذا العمل. وقد سمح تقسيم العمل هذا بإنتاج سلع على نحو أسرع وبالتالي بكلفة أقل و صار دور العامل مقتصرا على أداء حركة آلية جدُّ بسيطة ومكررة باستمرار تستطيع الآلة أداءها ليس فقط بنفس الجودة بل بأفضل منها.

وسرعان ما سيطرت المكننة والصناعة الكبيرة على جميع فروع الإنتاج الواحد تلو الآخر تماما مثلما حصل بالنسبة للغزل والنسيج وهكذا وقعت كل الفروع الصناعية بين أيدي كبار الرأسماليين وفقد العمّال بذلك هامش الحرية الذي كانوا يتمتعون به سابقا. وزيادة عن المانيفاكتورة ذاتها وقعت الأنشطة الحرفية شيئا فشيئا تحت سيطرة الصناعة الكبيرة، إذ تمكن كبار الرأسماليين من إزاحة المنتجين الصغار المستقلين وذلك بإنشاء الورشات الكبرى حيث المصاريف العامة أقل وإمكانية تقسيم العمل أوفر. وهذا ما يفسر الإفلاس المتزايد من يوم لآخر للطبقة الحرفية الوسطى والتغيير الشامل في وضعية العمال ونشوء طبقتين جديدتين سرعان ما انصهرت فيها بقية الطبقات شيئا فشيئا ألا وهي:

– طبقة كبار الرأسماليين الذين يحتكرون في كل البلدان المتحضرة ملكية وسائل العيش والمواد الأولية وأدوات العمل (الآلات والمصانع) اللازمة لإنتاج وسائل العيش. إنها طبقة البرجوازيين أو البرجوازية.

– طبقة الذين لا يملكون شيئا والمضطرين إلى بيع عملهم للبرجوازيين مقابل الحصول على الضروريات لإبقائهم على قيد الحياة. إنها طبقة البروليتاريا أو البروليتارييون.

5. ما هي الظروف التي يبيع فيها البروليتارييون عملهم للبرجوازية ؟
إن العمل سلعة كغيرها من السلع وبالتالي يتحدد سعرها على أساس نفس القوانين المعمول بها بالنسبة لأية سلعة أخرى. وفي ظل سيادة الصناعة الكبرى أو المنافسة الحرة (مما يعني نفس الشيء كما سنبين فيما بعد) يساوي سعر أي بضاعة ما – دائما – ما يعادل كلفة إنتاجها. وبالتالي يكون سعر العمل هو أيضا مساو لكلفة إنتاج العمل. لكن كلفة إنتاج العمل تتمثل في كمية وسائل العيش الضرورية لجعل العامل قادرا على استئناف ومواصلة عمله ولإبقاء الطبقة العاملة بصفة عامة على قيد الحياة. فالعامل إذن لا يتقاضى مقابل عمله سوى الحد الأدنى الضروري لتأمين تلك الغاية. وهكذا يكون سعر العمل – أو الأجر – هو الحد الأدنى الضروري لإبقاء العامل على قيد الحياة. وبما أن الأحوال الاقتصادية قد تسوء تارة وتزدهر تارة أخرى فإن العامل يتقاضى مقابل عمله أقل أو أكثر حسب تلك الأحوال، تماما مثلما يتقاضى الرأسمالي مقابل بيع سلعة ثمنها قد يرتفع أو ينخفض حسب الأحوال الاقتصادية.

وهكذا، كما يتقاضى الرأسمالي – إذا عادلنا بين ازدهار الأحوال و كساده – ما يساوي كلفة الإنتاج لا أكثر ولا أقل، فإن العامل لن يتقاضى كذلك أكثر أو أقل من الحد الأدنى لإبقائه على قيد الحياة. ومع تغلغل التصنيع الكبير في جميع فروع الإنتاج، يتعاظم التطبيق الصارم لهذا القانون الاقتصادي للأجور.

6. ما هي الطبقات الكادحة التي وجدت قبل الثورة الصناعية ؟
عرفت الطبقات الكادحة مختلف الظروف واحتلت مواقع متباينة في مواجهة الطبقات المالكة والمسيطرة وذلك لاختلاف مراحل تطور المجتمع. وقديما كان الكادحون عبيدا للمالكين مثلما يزال الحال في عدد كبير من البلدان المتخلفة وحتى في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي القرون الوسطى كان الكادحون هم الأقنان الذين تملكهم الأرستقراطية العقارية كما هو حتى الآن في المجر وبولونيا وروسيا. وعرفت المدن طوال القرون الوسطى وحتى قيام الثورة الصناعية ما يسمى بـ "الصناع" الذين يعملون تحت إمرة حرفيين بورجوازيين صغار. ومع تطور المانيفاكتورة، برز شيئا فشيئا العمال الذين أصبحوا يشتغلون فيما بعد لدى كبار الرأسماليين.

7. بما يتميز البروليتاري عن العبد ؟
في حين يُباع العبد دفعة واحدة، يتعين على البروليتاري أن يبيع نفسه كل يوم، بل كل ساعة. والعبد بمفرده هو على ملك سيّد واحد تقتضي مصلحته ذاتها أن تكون معيشة عبده مضمونة مهما كانت يائسة وحقيرة. أما البروليتاري بمفرده فهو تحت تصرف الطبقة البرجوازية بأسرها إن صح التعبير. فمعيشته ليست مؤمَّنة لأن عمله لا يتم شراؤه إلا عندما تكون ثمة حاجة إلى ذلك. وهكذا لا يكون وجود الطبقة العاملة مضمونا و مؤمَّنا إلا بصفتها طبقة بمجملها. في حين لا يعرف النظام العبودي المنافسة، يوجد البروليتاري في صميمها. وهو بالتالي يعاني من كل تقلباتها. وبينما يُنظر إلى العبد كبقية الأشياء، لا كعضو في المجتمع المدني، يُعتبر العامل كائنا بشريا وعضوا في المجتمع. لذا قد يكون للعبد عيشة أفضل من العامل لكن هذا الأخير ينتمي إلى مرحلة أرقى من مراحل تطور المجتمع ويجد نفسه بالتالي في منزلة أرقى بكثير من منزلة العبد.

ويتم تحرير العبيد بمجرد القضاء على علاقة واحدة فقط: ألا وهي العلاقة العبودية من بين جميع علاقات الملكية الخاصة مما يسمح له بالتحول إلى أكثر من عامل. أما البروليتاري نفسه فإنه لن يحرر إلا بالقضاء على الملكية الخاصة بوجه عام.

8. بماذا يتميز البروليتاري عن القن ؟
يتمتع القن بأدوات إنتاج وقطعة أرض صغيرة مقابل تسليم "سيده" حصة من محصوله أو القيام ببعض الأعمال المعينة بينما يشتغل البروليتاري بأدوات إنتاج هي على ملك شخص آخر ولحساب نفس ذلك الشخص ومقابل حصة معينة من الإنتاج. فالقن يعطي والبروليتاري يأخذ. معيشة القن مؤمَّنة، في حين ليس للعامل أي ضمان في معيشته. القن يوجد خارج علاقات المنافسة، أما البروليتاري فإنه يقع في صميمها. ويمكن للقن أن يتحرر:

– إما باللجوء إلى المدن متحولا فيها إلى حرفي.
– إما بتقديم المال لسيده عوضا عن المحصول والعمل المطالب بهما متحولا بذلك إلى مزارع حر.
– أو بطرد سيده الإقطاعي متحولا هو نفسه إلى ملاك إقطاعي.

وبإيجاز يصبح القن منتميا إلى الطبقة المالكة ومنخرطا في دائرة المنافسة، في حين ليس للبروليتاري من أمل في التحرر إلا بالقضاء على المنافسة ذاتها والملكية الخاصة وجميع الفوارق الطبقية.

9. بماذا يتميز البروليتاري عن الحرفي ؟
في الورشات الحرفية القديمة، لم يكن الحرفي الشاب أكثر من عامل مأجور حتى بعد أن ينهي فترة تدريبه. لكنه يتحول بدوره إلى معلم بعد عدد معين من السنوات. هذا في حين أن البروليتاري يبقى عاملا مأجورا طوال حياته. الحرفي قبل أن يصبح معلما يكون زميلا للمعلم يعيش في بيته ويأكل على مائدته. أما العلاقة الوحيدة بين البروليتاري والرأسمالي فهي مجرد علاقة مالية. الصانع في الورشة الحرفية ينتمي للفئة الاجتماعية ذاتها التي ينتمي إليها معلمه ويشاركه عاداته وتقاليده، بينما البروليتاري يفصله عن الرأسمالي عالم كامل من التمايزات الطبقية. إنه يعيش في بيئة أخرى ويتبع نمط حياة يختلف جذريا عن نمط حياة الرأسمالي وتختلف مفاهيمه عن مفاهيم الرأسمالي. ثم إن الحرفي يستخدم في عمله أدوات تكون عادة على ملكه أو يسهل عليه امتلاكها إن شاء ذلك، أما البروليتاري فهو يشتغل بآلة أو جزء من آلة ليست ملكا له ويستحيل عليه امتلاكها. الحرفي ينتج بضاعة كاملة في معظم الأحيان وتلعب مهارته في استخدام أدواته دائما الدور الحاسم في إنتاج هذه البضاعة، أما البروليتاري فهو لا ينتج في أغلب الأحيان سوى جزء صغير من آلة أو جهاز، أو يساهم فقط في أداء عملية جزئية من مجمل العمل اللازم لإنتاج هذا الجزء، وتأتي مهارته الشخصية في المرتبة الثانية بعد عمل الآلة. وغالبا ما تكون الآلة – على كل حال – أجدى منه من حيث كمية المنتجات أو تركيبها.

الحرفي – تماما مثل معلمه – محميّ من المنافسة طوال أجيال عبر القيود الحرفية والأعراف السائدة، بينما العامل مضطر إلى التضامن مع زملائه أو الالتجاء للقانون حتى لا تسحقه المنافسة. ذلك أن الفائض في اليد العاملة يسحق العامل لا سيده الرأسمالي. الحرفي – مثله مثل معلمه – كائن محدود، ضيق الأفق، خاضع للعصبية الفئوية وعدو لكل ما هو جديد، بينما العامل في المقابل مضطر لأن يضع نصب عينيه في كل لحظة التعارض الكبير بين مصالح طبقته ومصالح الطبقة الرأسمالية. عند العامل، يحل الوعي محل العصبية الفئوية فيدرك أن تحسين أحوال طبقته لا يتم إلا بتقدم المجتمع بأسره. الحرفي – في نهاية الأمر – محافظ ورجعي حتى عندما يتمرد بينما العامل مجبر باطراد على أن يكون ثوريا. إن أول تقدم اجتماعي تمرّد عليه الحرفيون هو بروز نظام المانفكتورة، الذي يتمثل في إخضاع الحرفة – بما فيها المعلم والصانع – لرأس المال المرابي (المركنتلي) الذي انقسم فيما بعد إلى رأس مال تجاري ورأس مال صناعي.

10. بماذا يتميز العامل عن عامل المانيفاكتورة ؟
كان عامل المانفكتورة منذ القرن الثامن عشر لا يزال يملك أدوات عمله: نول الحياكة ومغزله العائلي وحقل صغير يزرعه أثناء أوقات فراغه. أما العامل فلم يكن يملك أي شيء من ذلك. ويعيش عامل المانيفاكتورة بصفة دائمة تقريبا في الريف ويرتبط بعلاقات أبوية مع الملاك الإقطاعي و صاحب العمل، بينما يعيش العامل في المدن الكبرى ولا تربطه بالرأسمالي سوى علاقة مالية صرفة. وتقوم الصناعات الكبرى بانتزاع العامل المانيفاكتوري من علاقته الأبوية فيخسر ما تبقى له من ملكية صغيرة متحولا بذلك إلى عامل.

11. ما هي النتائج المباشرة لقيام الثورة الصناعية ولانقسام المجتمع إلى برجوازيين وبروليتاريين ؟
أولا: لقد تم القضاء نهائيا على نظام المانيفاكتورة القديم وعلى التصنيع المعتمد على العمل اليدوي بسبب انخفاض ثمن المنتوجات الصناعية في جميع البلدان الناتج عن إدخال المكننة. كما انتزعت بعنف من عزلتها جميع البلدان شبه الهمجية حيث كان التصنيع مرتكزا على نظام المانيفاكتورة بعد أن ظلت حتى ذلك الحين على هامش التطور التاريخي، و راحت تشتري البضائع الإنجليزية الأرخص ثمنا تاركة بذلك عمّال المانيفاكتورات المحليين يموتون جوعا. وهكذا عرفت عدة بلدان لم تحقق أي تقدم منذ قرون، تحولات شاملة مثلما هو الشأن بالنسبة للهند. حتى أن الصين نفسها توجد الآن على عتبة تحول ثوري شامل.

وهكذا يؤدي اختراع آلة جديدة في إنجلترا بملايين العمال الصينيين إلى حافة المجاعة في غضون بضع سنوات. وبهذه الطريقة، ربطت الصناعة الكبرى جميع شعوب الأرض فيما بينها وحوّلت الأسواق المحلية إلى سوق عالمية واسعة ومهدت السبيل في كل مكان للتقدم والحضارة بحيث أصبح لكل ما يحدث في البلدان المتحضرة انعكاسات حتمية على جميع البلدان. فإذا تحرر العمّال في إنجلترا أو فرنسا فإن ذلك سوف يجر بالضرورة إلى اندلاع ثورات تؤدي إن آجلا أو عاجلا إلى تحرير العمال في البلدان الأخرى.

ثانيا: وقد أدى قيام الثورة الصناعية أينما حلّت الصناعة الكبرى محل الإنتاج المانيفاكتوري، إلى نمو منقطع النظير للطبقة البرجوازية و ثرواتها ونفوذها مما جعل منها الطبقة الأولى في المجتمع. وحيثما حدث ذلك، استولت البرجوازية على السلطة السياسية وكذلك أزاحت الطبقات التي كانت سائدة آنذاك الأرستقراطية وأمناء الحرفيين والحكم الفردي المطلق الذي كان يمثّل هاتين الطبقتين.

لقد قضت البرجوازية على نفوذ الأرستقراطية والنبلاء وذلك بإلغاء الأوقاف (أو ما يسمى بحق الإبن الأكبر) وجميع الامتيازات الإقطاعية. كما حطّمت سلطة البرجوازيين الصغار بالمدن عندما قامت بإلغاء كل التجمعات الحرفية وجميع امتيازاتها وصلوحياتها، وأحلّت محل ذلك نظام المنافسة الحرة الذي يسمح لكل فرد بأن يتعاطى النشاط الاقتصادي الذي يروق له ولا يمكن أن يُعيقه عن ذلك سوى عدم توفر رأس المال اللازم لهذا الغرض.

وهكذا كان إدخال المنافسة الحرة بمثابة الإعلان الرسمي بأن أفراد المجتمع ليسوا متفاوتين إلا بنسبة تفاوت رساميلهم وأصبح الرأسمال هو القوة الحاسمة والمحددة وبالتالي أصبح الرأسماليون البرجوازيون هم الطبقة الأولى في المجتمع.

ولكن بقيت المنافسة الحرة ضرورية، أول الأمر، لتطوير الصناعة الكبيرة بما أنها النظام الوحيد الذي يسمح لها بالنمو.

وما إن غدت البرجوازية الطبقة الأولى على الصعيد الاقتصادي حتى أعلنت كذلك أولويتها على الصعيد السياسي. وقد تم لها ذلك بواسطة إدخال النظام التمثيلي القائم على أساس المساواة البرجوازية أمام القانون و الاعتراف بشرعية المنافسة الحرة. وهذا ما وقع إقراره في البلدان الأوروبية في شكل "نظام ملكي دستوري" حيث لا يتمتع بالحق الانتخابي إلا الذين يملكون رأسمال معين أي البرجوازيين وحدهم، وهكذا يرشح الناخبون البرجوازيون نوابا من بينهم يقومون باستخدام حقهم في رفض المصادقة على الضرائب لتنصيب حكومة برجوازية أيضا.

ثالثا: ومثلما سمحت الثورة الصناعية في كل مكان بنمو البرجوازية سمحت أيضا بنمو العمال. وكلما ازدادت البرجوازية غنى ازدادت الطبقة العاملة عددا وبما أن العمال لا يمكن تشكيلهم إلا بواسطة رأس المال وأن هذا الأخير لا يستطيع النمو إلا بتشغيل العمال فإذا تكاثر عدد العمال يزداد بارتباط وثيق مع تراكم رأس المال.

كما أدت الثورة الصناعية أيضا إلى حشد البرجوازيين، تماما مثل العمال، في تجمعات كبيرة يمارس فيها الرأسماليون النشاط الصناعي بمزيد من الفوائد والأرباح، وتمكن العمال، بحكم تمركزها بأعداد هائلة في رقعة محدودة، من أن تدرك مدى قوتها.

ومن ناحية أخرى، كلما تطورت الثورة الصناعية، كلما وقع اختراع المزيد من الآلات الحديثة، الشيء الذي يؤدي إلى الاستغناء أكثر فأكثر عن العمل اليدوي. بحيث تسعى الصناعة الكبيرة – كما بينا سابق – إلى التخفيض من الأجر إلى حده الأدنى متسببة بذلك في تردي أوضاع العمال من سيئ إلى أسوأ. وهكذا تمهد الثورة الصناعية إلى قيام ثورة اجتماعية بقيادة الطبقة العاملة نتيجة تفاقم استياء وتذمر العمال من ناحية، وتعاظم قوتها من ناحية أخرى.

12. ما هي النتائج الأخرى للثورة الصناعية ؟
لقد أوجدت الصناعة الكبرى، عبر الآلة البخارية وغيرها، وسائل زيادة الإنتاج الصناعي بسرعة فائقة وكلفة أقل إلى أقصى الحدود. وسرعان ما اكتسبت المنافسة، التي فرضتها الصناعة الكبرى، طابعا عنيفا جدا. وتهافت عدد ضخم من الرأسماليين على ممارسة النشاط الصناعي ولم يلبث أن أصبح الإنتاج يفوق بكثير ما يمكن استهلاكه. ولم تجد البضائع من يشتريها وتكدست السلع فكانت "الأزمة التجارية" واضطرت المصانع إلى التوقف عن العمل وأعلن الكثير من الصناعيين إفلاسهم ووجد العمال أنفسهم مهددين بالمجاعة وعم البؤس الرهيب كل مكان. وبعد فترة، بيعت كل السلع الزائدة عن الحاجة واستأنفت المصانع نشاطها وارتفعت الأجور شيئا فشيئا وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي، بل أحسن من أي وقت مضى. ولكن لم يدم ذلك طويلا، إذ سرعان ما أنتجت سلع زائدة عن الحاجة وحصلت أزمة جديدة اتخذت مسار سابقتها. وهكذا منذ بداية هذا القرن (التاسع عشر)، تأرجحت باستمرار الأوضاع الاقتصادية بين فترات الازدهار وفترات الأزمة، وبصفة شبه منتظمة، أي كل خمس أو سبع سنوات، تحت أزمة دورية تجلب للعمال البؤس وتنفث فيهم روح الهيحان الثوري العام وتشكل خطرا بالغا على النظام القائم كله.

13. ما هي نتائج الأزمات الاقتصادية الدورية ؟
أولا: إن الصناعة الكبيرة، رغم كونها هي التي ولدت نظام المنافسة الحرة أثناء المرحلة الأولى لنموها، لم يعد يلائمها هذا النظام. ثم إن المزاحمة الحرة، وبصفة عامة ممارسة النشاط الصناعي من قبل مختلف الأفراد، أصبحا يشكلان بالنسبة للصناعة الكبيرة عقبة مطروح عليها تجاوزها. وطالما بقيت الصناعة الكبيرة تمارس على هذا الأساس فإنه لا يمكن لها أن تبقى وتستمر دون أن تؤدي كل خمس أو سبع سنوات إلى حالة من الفوضى العامة تهدد في كل مرة بدمار الحضارة البشرية بأسرها ولا تقتصر فقط على إلقاء ملايين العمال في مهاوي البؤس والشقاء، بل تلقي قسما كبيرا من العمال على حافة الإفلاس والخراب. وهكذا فإما أن تدمر الصناعة الكبيرة نفسها بنفسها – وهذا محال إطلاقا – وإما أن تعمد إلى تركيز تنظيم جديد تماما للمجتمع لا يكون فيه الإنتاج الصناعي موجها لا من قبل بضعة صناعيين قلائل يزاحم بعضهم بعضا بل من طرف المجتمع بأسره وفقا لخطة مرسومة حسب حاجيات كل أفراد المجتمع

ثانيا: إن الصناعة الكبيرة وما تتيحه من إمكانية لا متناهية لتوسيع الإنتاج، تفسح المجال لإحلال نظام اجتماعي سيبلغ فيه إنتاج وسائل العيش حدا يمكّن كل فرد في المجتمع من إمكانية تنمية قدراته ومؤهلاته الخاصة واستخدامها بكل حرية. بحيث أن الصناعة الكبيرة التي عودتنا على خلق الأزمات الاقتصادية ونشر البؤس في المجتمع الراهن، يمكن توظيفها بفضل تنظيم اجتماعي آخر في سبيل إلغاء البؤس وكل الأزمات. ومن هنا يتضح ما يلي:

أ – أن جميع هذه الأمراض اليوم ليس لها من سبب سوى النظام الاجتماعي القائم الذي لم يعد يستجيب لحاجيات المجتمع.
ب – إن وسائل القضاء على جميع هذه الأمراض أصبح الآن متوفرا وذلك بفضل بناء نظام اجتماعي جديد.

14. كيف ينبغي أن يكون هذا النظام الاجتماعي الجديد ؟
ينبغي قبل كل شيء انتزاع المصانع وفروع الإنتاج الأخرى من أيدي الأفراد الخواص المتنافسين فيما بينهم ووضعها تحت إدارة وتسيير المجتمع بأسره. مما يعني أنها ستصبح مسيّرة في خدمة المصلحة العامة طبقا لخطة مشتركة وبمساهمة جميع أفراد المجتمع. وبالتالي يقع القضاء على المنافسة ويستعاض عنها بمبدأ المشاركة والتعاون. ومن ناحية أخرى، فإن الملكية الخاصة لا يمكن فصلها عن المنافسة وعن ممارسة أشخاص منفردين للنشاط الاقتصادي. ذلك أن ممارسة هؤلاء الأشخاص للنشاط الصناعي يفترض بالضرورة وجود الملكية الخاصة، كما أن الملكية الخاصة لا يمكن فصلها عن المنافسة نظرا لكون هذه المنافسة ليست سوى أسلوبا لممارسة نشاط صناعي مفتوح أمام بضعة أشخاص منفردين لإدارته وتسييره وهكذا فلا بد من إلغاء الملكية الخاصة والاستعاضة عنها بالاستخدام الجماعي لكل وسائل الإنتاج وبالتوزيع العادل لكل المنتوج وذلك بمقتضى اتفاق مشترك او ما يسمى بـ "اشتراكية الخيرات". بل إن إلغاء الملكية الخاصة هو التعبير الأوجز والأكثر دلالة عن ذلك التحول الشامل، الذي حتمه التطور الصناعي، في النظام الاجتماعي. ولهذا السبب يعتبر إلغاء الملكية الفردية المطلب الرئيسي بحق لكافة الشيوعيين.

15. أ فلم يكن إلغاء الملكية الخاصة ممكنا في الماضي ؟
كلا. إن كل تحول في علاقات الملكية وكل تغير في النظام الاجتماعي هما النتيجة الضرورية لظهور قوى منتجة جديدة لم تعد تتلاءم مع علاقة الملكية القديمة. إذ هكذا برزت الملكية الفردية للوجود. ذلك أنها لم تكن موجودة منذ بدء التاريخ. وعندما انبثق في أواخر القرون الوسطى نمط جديد للإنتاج في شكل ماينفاكتورة، أخذ ينمو في تناقض تام مع الملكية الإقطاعية والحرفية السائدة آنذاك. وبحكم عدم ملاءمة الإنتاج المانيفاكتوري لعلاقات الملكية القديمة، ولد ذلك شكلا جديدا من أشكال الملكية هي الملكية الخاصة. وفعلا، فبالنسبة للمانيفاكتورة، كما بالنسبة للمرحلة الأولى من مراحل نمو الصناعة الكبرى، لم يكن ثمة من شكل ممكن للملكية غير الملكية الخاصة. كما لم يكن ثمة شكل مجتمعي ممكن غير المجتمع المرتكز أساسا على الملكية الخاصة. وطالما لم يكن بالإمكان إنتاج كمية من البضائع تكفي، لا فقط لسد حاجيات المجتمع، بل لإبقاء فائض معين منها يسمح بتراكم الرأسمال الاجتماعي وبتطوير القوى المنتجة، لا بد أن توجد طبقة مسيطرة تتصرف بالقوى المنتجة وطبقة أخرى فقيرة ومضطهدة. إن تركيبة كل هاتين الطبقتين وطابعهما يتوقفان على درجة تطور الإنتاج. فمجتمع القرون الوسطى، القائم على زراعة الأرض، يعطينا السيد الإقطاعي والقن. وفي نهاية القرون الوسطى تعطينا المدن المعلم الحرفي والصانع والعامل اليومي. ويعطينا القرن السابع عشر صاحب المانيفاكتورة والعامل. والقرن التاسع عشر، الصناعي الكبير (البرجوازي) والبروليتاريا.

وهكذا يتضح أن القوى المنتجة لم تبلغ بعد بما فيه الكفاية درجة من النمو تمكنها من إنتاج ما يكفي الجميع وتجعل من الملكية الخاصة عبئا وعائقا لنموها. أما اليوم:

إثر نمو الصناعة الكبيرة، أنشأت الرساميل وتطورت القوى المنتجة على نحو لم يسبق له مثيل وتوفرت الوسائل الضرورية للزيادة سريعا في القوى المنتجة إلى ما لا نهاية له.
تمركزت القوى المنتجة أكثر فأكثر بين أيدي حفنة من البرجوازيين، بينما يُـقذف بالأغلبية الكبرى من الشعب إلى مصاف العمال التي يغدو وضعها أشد بؤسا وأصعب احتمالا في الوقت الذي تتضاعف فيه ثروات البرجوازيين.

تضاعفت القوى المنتجة بسهولة كبيرة مما جعلها تتجاوز إطار الملكية الخاصة والنظام البرجوازي إلى حد أنها أصبحت تثير بلا انقطاع أعنف الاضطرابات الخطيرة على النظام الاجتماعي. اليوم إذن والحالة تلك، فإن القضاء على الملكية الخاصة لم يعد فقط ممكنا بل أصبح ضروريا على الإطلاق.

16. هل يمكن إزالة الملكية الخاصة بالطرق السلمية ؟
حبذا لو كان ذلك ممكنا، وسيكون الشيوعيون بالتأكيد هم آخر من يشتكي من ذلك، لأنهم يدركون جيدا أن التآمر مهما كان ليس فقط عديم الجدوى بل ضار أيضا. كما أنهم يعلمون تمام العلم أن الثورات لا تقوم اعتباطا أو على إثر مرسوم، بل إنها كانت في كل مكان وزمان نتيجة حتمية لظروف مستقلة كليا عن إرادة وقيادة الأحزاب وحتى الطبقات بأسرها. ولكن الشيوعيين يرون من جهة أخرى أن نمو الطبقة العاملة يصطدم في جميع البلدان المتحضرة تقريبا بهجمة قمعية شرسة وأن خصوم الشيوعيين أنفسهم يساهمون بذلك في قيام الثورة بكل ما أوتوا من قوة. ولما كان ذلك يدفع في نهاية الأمر الطبقة العاملة المضطهدة إلى الثورة فإننا نحن الشيوعيون سندافع آنذاك عن قضية العمال بالفعل وبكل حزم مثلما ندافع عنها حاليا بالكلمة.

17. هل يمكن إزالة الملكية الخاصة دفعة واحدة ؟
كلا. مثلما لا يمكن تنمية القوى المنتجة الموجودة حاليا دفعة واحدة بطريقة تجعل بالإمكان إقامة اقتصاد جماعي مشترك بين عشية وضحاها، فكذلك الثورة العمالية، التي تشير كل الدلائل إلى اقترابها، لا تستطيع سوى تحويل المجتمع تدريجيا. ولن يكون في وسعها إلغاء الملكية الخاصة بصفة نهائية إلا بعد توفر الكمية الضرورية من وسائل الإنتاج.

18. ما هو المسار الذي ستسلكه هذه الثورة ؟
بادئ ذي بدء ستركز الثورة نظاما ديمقراطيا مكرسة بالتالي سيطرة الطبقة العاملة سياسيا بصفة مباشرة أو غير مباشرة.

بصفة مباشرة في إنجلترا حيث تشكل الطبقة العاملة غالبية الشعب وبصفة غير مباشرة في فرنسا وألمانيا حيث الأغلبية مكونة لا فقط من العمال بل أيضا من صغار الفلاحين والبرجوازيين الصغار الذين لا يزالون بعد بصدد التحول إلى عمال والذين يتزايد ارتباطهم بالعمال خاصة فيما يتعلق بتحقيق مطالبهم السياسية، وبالتالي يتعين عليهم الانضمام فورا إلى مطالب الطبقة العاملة. وقد يقتضي الحال خوض مرحلة جديدة من النضال لا بد أن تتوج بانتصار الطبقة العاملة.

ولا يمكن أن تكون الديمقراطية ذات جدوى بالنسبة للطبقة العاملة إذا لم تستخدمها مباشرة لاتخاذ إجراءات شاملة تقتضي المس من الملكية الخاصة وتكفل وجود الطبقة العاملة ذاتها.
ولعل أهم هذه الإجراءات، كما تمليها بالضرورة الأوضاع الراهنة، هي التالية.

1 – الحد من الملكية الخاصة بواسطة الضرائب التصاعدية على الدخل والضرائب المرتفعة على الإرث. إلغاء حق الإرث بالنسبة للحواشي (الاخوة وأبناء الخال) الخ...
2 – المصادرة التدريجية لأملاك كبار العقاريين والصناعيين وأصحاب خطوط السكك الحديدية والبواخر وذلك بواسطة منافسة القطاع العام في الصناعة من جهة وبواسطة المصادرة المباشرة مقابل تعويضات معينة من جهة أخرى.
3 – مصادرة أملاك جميع المهاجرين والمتمردين ضد مصلحة غالبية الشعب.
4 – تنظيم العمل وتشغيل العمال في ممتلكات ومصانع ومؤسسات الدولة مما يقضي على تنافس العمال فيما بينهم ويضطر ما تبقى من الرأسماليين على دفع أجور مرتفعة مساوية لما تدفعه الدولة.
5 – إلزامية العمل لجميع أفراد المجتمع حتى القضاء التام على الملكية الخاصة. تكثيف حشود المشتغلين بالصناعة وخاصة لخدمة أغراض الأنشطة الفلاحية.
6 – مركزة نظام القروض وتبادل العملة في أيدي الدولة وذلك بواسطة إنشاء بنك وطني ذي رأسمال حكومي وإلغاء كل البنوك الخاصة.
7 – مضاعفة عدد المصانع والمشاغل والسكك الحديدية والسفن التابعة للقطاع العام واستصلاح الأراضي المهملة وترشيد استغلال الأراضي الفلاحية وبذلك تقع الزيادة في الرساميل وتنمو القوى العاملة بالبلاد.
8 – تعليم جميع الأطفال في مؤسسات الدولة وعلى نفقتها منذ أن يصبح بإمكانهم الاستغناء عن عناية أمهاتهم (التنسيق بين التعليم والعمل الصناعي).
9 – بناء مجمعات في الصناعة أو الفلاحة مع الحرص على توفير جميع إيجابيات الحياة في كل من المدينة والريف مع التخلص من سلبياتها.
10 – تهديم جميع المساكن والأحياء غير الصحية والسيئة البناء.
11 – تمتيع الأبناء الشرعيين وغير الشرعيين بنفس حقوق الإرث.
12 – مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة.

طبعا لا يمكن تطبيق كل هذه الإجراءات دفعة واحدة، ولكن كل إجراء يجر حتما إلى تطبيق الإجراء الموالي. إذ يكفي أن يقع المساس بصفة جذرية بالملكية الخاصة حتى تجد الطبقة العاملة نفسها مدفوعة إلى المضي قدما وإلى تعزيز مركزة الرساميل والصناعة والفلاحة والنقل والمبادلات بين أيدي الدولة.

ذلك هو الهدف الذي تصبو إليه كل هذه الإجراءات. وبقدر ما تتعاظم وتنمو قوى الإنتاج بقدر ما تصبح هذه الإجراءات قابلة للتطبيق وتؤدي دورها الممركز وبفضل عمل ومجهود العمال.

وأخيرا عندما يتحقق تمركز رأس المال والإنتاج والمبادلات بيد الدولة تسقط الملكية الخاصة من تلقاء نفسها وتصبح النقود بلا أي قيمة ويتضاعف الإنتاج ويتخير الناس على نحو يصبح معه من الممكن إزالة ما تبقى من علاقات المجتمع القديم.

19. هل سيكون من الممكن لهذه الثورة أن تقع في بلد واحد فقط ؟
لا. بخلق السوق العالمية، تكون الصناعات الكبرى قد جعلت كل شعوب الأرض، خاصة الشعوب المتحضرة، في علاقات قريبة فيما بينها مما لا يمكّّن إحداها من أن تكون مستقلة عما يجري للأخرى.

كما أنها أوثـقت التطور الاجتماعي للشعوب المتحضرة لدرجة أنه في كل منها، أصبحت الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا هما الطبقاتان الحاسمتان، وأصبح الصراع بينهما هو الصراع المرحليّ الكبير. هذا ما يجرّ إلى أن الثورة الشيوعية لن تكون مجرد ظاهرة قومية بل يجب أن تقع في نفس الوقت في كل البلدان المتحضرة. هذا يعني، على الأقل في إنجلترا وأمريكا وفرنسا وألمانيا.

ستتطور في كل هذه البلدان بسرعات متفاوتة حسب تطور الصناعة والثروة وأهمية كتلة القوى المنتجة. من هنا، ستبدأ بطيئة ثم ستواجه أكثر العراقيل في ألمانيا، وبأكثر سرعة وبأقل عراقيل في إنجلترا. وسيكون لها مفعول قوي على بقية بلدان العالم، وستغير جذريا مسار التطور الذي كانت تتبعه حتى الآن متجاوزة رقعتها.

20. ما هي نتائج إلغاء الملكية الخاصة ؟
إن انتزاع جميع القوى المنتجة وكل وسائل النقل وتبادل وتوزيع المنتجات من أيدي الرأسماليين الخواص وتسييرها حسب خطة مضبوطة للموارد والحاجات المشتركة يمكن المجتمع قبل كل شيء من القضاء على العواقب الوخيمة المرتبطة بالنظام الحالي لإدارة وتسيير الصناعة الكبيرة. وستختفي جميع الأزمات وسيصبح الإنتاج الواسع غير كاف لسد حاجيات المجتمع، بعد أن كان سببا هاما من أسباب البؤس، بل ينبغي توسيعه أكثر فأكثر. وبدلا من التسبب في إحلال البؤس سيمكن فائض الإنتاج الواسع من تلبية حاجيات الجميع بل سيخلق حاجات جديدة مع وسائل تلبيتها في نفس الوقت.

كما سيكون فائض الإنتاج هذا شرطا من شروط إحراز خطوات جديدة على درب التقدم وسببا من أسبابه دون أن يلقى بالمجتمع بصفة دورية في دوامة الاضطرابات مثلما هو الشأن إلى حد الآن.

وبتحررها من نير الملكية الخاصة ستشهد الصناعة الكبيرة توسعا هائلا إلى درجة أن توسعها الراهن سيبدو ضئيلا في مثل ضآلة المانيفاكتورة إذا ما قيست بالصناعة الكبيرة والحديثة. وسيوفر تطور الصناعة الكبيرة للمجتمع مقادير من المنتوجات تكفي لسد حاجيات الجميع. أما الفلاحة فبعد أن تعذر عليها الاستفادة من التحسينات والاختراعات العلمية الجديدة من إجراء نظام الملكية الخاصة ولتجزئة (الإرث) فإنها سوف تشهد انطلاقة جديدة وتوفر للمجتمع كمية كافية من المنتوجات الفلاحية. وهكذا سيصبح بإمكان المجتمع إنتاج ما يكفي لتنظيم التوزيع بما يؤمن تلبية حاجيات جميع أفراده. وبذلك سيصبح انقسام المجتمع إلى مختلف الطبقات المتعارضة أمرا لا مجال له. وليس هذا فحسب، بل وغير متطابق مع النظام الاجتماعي الجديد، وبما أن وجود الطبقات ناجم عن تقسيم العمل نفسه وبأشكاله الحالية، سيختفي نهائيا. ذلك أن رفع الإنتاج الصناعي والفلاحي إلى المستوى المذكور لا يتطلب الوسائل الميكانيكية والكيميائية فقط، ولكن يتطلب أيضا الرفع من مستوى الأشخاص الذين يستعملون هذه الوسائل بنفس الدرجة. وكما غير عمال المانيفاكتورة والفلاحون من طريقة عيشهم وتغيروا هم أنفسهم منذ انخراطهم في حلبة الصناعة الكبيرة، فإن التسيير الجماعي للقوى المنتجة وما ينجر عنه من نمو مطرد لمجمل الإنتاج سيحتم بل سيخلق أناسا اليوم. ولا يمكن تأمين هذا التسيير الجماعي بواسطة أناس مرتبطين أشد الارتباط بفرع معين من الإنتاج مكبلين به، مستغلين من طرفه، عاجزين عن تنمية أكثر من موهبة واحدة من مواهبهم على حساب مداركهم الأخرى وغير مستوعبين سوى فرع واحد من فروع الإنتاج، بل جزء صغير جدا من ذلك الفرع. إن الصناعة الكبيرة أصبحت حاليا في غنى أكثر عن مثل هؤلاء الناس. أما الصناعة المسيرة جماعيا، حسب مخطط تضبطه المجموعة بأسرها، فإنها تفترض توفر أناس ذوي كفاءات عالية ومتطورة في كل المجالات والقادرين على الإحاطة بمجمل نظام الإنتاج والسيطرة عليه. وسيختفي نهائيا تقسيم العمل الذي قوضته المكننة بعد أن تحول البعض إلى فلاح والبعض الآخر إلى إسكافي والثالث إلى عامل والرابع إلى مضارب في البورصة. وسيتيح نظام التعليم لجميع الشبان إمكانية استيعاب مجمل نظام الإنتاج بصفة سريعة وعملية وسيمكنهم من الإنتقال من فرع إلى آخر حسب حاجيات المجتمع أو حسب ميولاتهم الشخصية وسيتحررون بالتالي من الطابع الأحادي الذي يفرضه عليهم التقسيم الحالي للعمل. وهكذا يتيح المجتمع المنظم على أساس قواعد شيوعية لأفراده إمكانية استخدام مواهبهم المصقولة على نحو متناسق في جميع المجالات وتكون النتيجة زوال الفوارق الطبقية. كما سيزول، بإزالة الملكية الخاصة، التناقض الموجود بين المدينة والريف. وتعتبر ممارسة نفس الأشخاص عوضا عن مختلف الطبقات للنشاط الصناعي والفلاحي هي إحدى الشروط الضرورية لتركيز التنظيم الشيوعي، على الأقل لأسباب مادية بحتة. إن تشتت السكان الريفيين وتجمع السكان الصناعيين في المدن ظاهرة تمثل مرحلة متدنية من مراحل تطور الفلاحة والصناعة وتشكل عقبة هامة أمام التقدم بدأنا نشعر به منذ الآن. وأخيرا، إن النتائج الرئيسية لإلغاء الملكية الفردية هي التالية :

– تكاتف جميع أفراد المجتمع من أجل الاستغلال الجماعي والعقلاني للقوى المنتجة.
– تزايد الإنتاج بمقادير كافية لتلبية حاجيات الجميع.
– إلغاء الوضعية التي بمقتضاها يشبع البعض حاجاتهم على حساب الآخرين.
– إزالة الطبقات والفوارق الطبقية بصفة نهائية.
– تنمية مؤهلات ومواهب جميع أفراد المجتمع بفضل إلغاء تقسيم العمل كما عرفناه لحد الآن وبفضل نظام التعليم المرتكز على العمل وبفضل تنويع النشاطات التي يتعاطاها الناس وتشريك الجميع في التمتع بالخيرات المبدعة من قبل الجميع وكذلك بفضل إدماج المدينة بالريف.

21. ماذا سيكون تأثير المجتمع الشيوعي على العائلة ؟
سيُحوّل (المجتمع الشيوعي) العلاقات بين الجنسين إلى قضية شخصية صرفة لا تهم إلا الأشخاص المعنيين بحيث لن توجد هناك فرصة للمجتمع للتدخل. سيتمكن (المجتمع الشيوعي) من هذا بما أنه تخلص من الملكية الخاصة وعلّم الأطفال على قاعدة مشتركة. بهذه الطريقة يكون قد أزال قاعدتي الزواج التقليدي – الاستقلال المتجذر في الملكية الخاصة، وفي المرأة على الرجل، وفي الأطفال على الوالدين.

وفي ما يلي الجواب على صرخة ضيّقي الأفق ضد "مجتمع النساء". مجتمع النساء هو حالة تنتمي بأكملها إلى المجتمع البرجوازي الذي يجد اليوم تعبيره الكامل في البغاء. لكن البغاء يقوم على الملكية الخاصة التي بها تسقط المرأة. هكذا، فالمجتمع الشيوعي، عوض إن يقدّم مجتمع النساء، يلغيه.

22. ماذا سيكون موقف الشيوعية من القوميات الموجودة ؟
ستُرغم قوميات الشعوب التي ألزمت نفسها بمقتضى مبادئ جماعية، على الاختلاط فيما بينها كنتيجة لهذه الشراكة وعليه لتحل أنفسها، تماما مثل الإرث وتباين الطبقات المختلفة التي يجب أن تختفي عبر إلغاء أساسها، الملكية الخاصة.

23. ماذا سيكون موقفها من الديانات الموجودة ؟
كانت كل الأديان إلى حد اليوم تعبير لتطور المراحل التاريخية لشعوب مفردة أو مجمعة. لكن الشيوعية هي مرحلة التطور التاريخي الذي يجعل كل الأديان الموجودة سطحية وتؤدي إلى اضمحلالها.

فريدريك انجلز
أوكتوبر – نوفمبر 1847